مع الدكتور إبراهيم الدوسري وكتابه :” إبراز المعاني بالأداء القرآن ” (2-3)
إن الموضوع الذي يُعالجه مؤلفنا الإمام الدكتور إبراهيم بن سعيد الدوسري في كتابه ” إبراز المعاني بالأداء القرآني” غايةً في الأهمية ؛ لِما يُمثله من أهمية كبيرة لكافة المسلمين : خاصتهم وعامتهم ؛ ولارتباطه بالقرآن الكريم : تجويدًا وتفسيرًا ، عقيدةً وشريعة ، وقد كان اختيار العُنوان مُعبرًا بجلاءٍ وإبداعٍ عن مضمون الكتاب في غايته ووسيلته ، فإبراز المعاني وإيصالها للمتلقي ؛ لتربيته وتوعيته وهدايته لايكون إلا بُحسن الأداء وجودته .
وقد تمحورت مادة الكتاب حول الأداء معنًى واصطلاحًا ومقوماته وخصائصه وغاياته ؛لإبراز معاني القرآن الكريم ورسالة هدايته وتفسير معانيه وأحكامه وإبراز بديع بلاغته وقوة تأثيره وسحر بيانه ، وقد عرض المؤلف لهذا في جملة موضوعات كتابه وفي كل فصوله ،ومن ذلك مايذكره في معرض أسباب اختياره لهذا البحث ومنها : ” -1- الإسهام في تحقيق المقصد الأسمى من نزول القرآن الكريم ، وهو التَّدَبُّر لمعاني كلام الله وتذكره -2- التنويه بتلاوة القرآن في وسائل الدعوة ، فلا جَرَمَ أنها كانت أولى وسائل التبليغ ، وهي أولاها في كل زمان ؛ولأن القرآن هوالمعجزة الكبرى في الإسلام -3- حاجة كل من قارئ القرآن الكريم والمستمع إليه إلى اتخاذ الوسائل الناجعة لبلوغ الكمال في تلاوة القرآن الكريم على الوجه السديد الذي تتوفرفيه صحة الأداء وسلامته من اللحن ويمتاز بالقدرة على التعبير عن المعنى المراد فيحصل حينئذ الامتثال عند القارئ والمستمع ” (إبراز المعاني بالأداء القرآني ط1 – ص7،8) .
ويَلِحُّ شيخنا المؤلف في تعريف معنى الأداء في غير موضع فيقول في المقدمة :” فإن الأداء – وهو فن النطق السليم– قد استحوذ –بلا شك – على اهتمامٍ فائق في هذه الآونة ، وقد احتلَّ مكانا مُهما في التعليم الحديث في علم الأصوات وفن الإلقاء وأساليب الاتصال “(السابق ص5) .
د. الدوسري
ويعرض الشيخ المؤلف في الباب الأول لمفهوم أداء القرآن الكريم ومقوماته وخصائصه بدءًا بمفهوم أداء القرآن الكريم في فصله الأول ومعناه اللغوي والاصطلاحي ، ويخلص إلى أن الأداء في اللغة يعني “الإيصال” أي توصيل المعنى المراد إفهامه للمتلقي ، فهوضرب من أساليب التعبير والتي خصها بموضوع التمهيد للبحث والذي عرض فيه لوسائل التعبير الإنساني وحاجة الاجتماع الإنساني إلى التواصل والإبانة ؛ للتفاهم والتعبير عن الحاجات الوظيفية والإبداعية بواسطة اللغة والتي نقل عن صاحب (الخصائص) أبي الفتح عثمان بن جِني في تعريفها بأنها ” أصواتٌ يعبِّر بها كل قومٍ عن أغراضهم ” ولا يفوته التنبيه إلى اللغة كأداة للتواصل الاجتماعي في أشكالها المختلفة : المنطوقة في صورة الكلام ، والمسطورة في صورة الكتابة ، وماسمَّاهُ (الإشارة) أومانسميه في علم اللغة الحديث (اللغة الجانبية) والتي يُعرفها المؤلف بقوله :” .. وأما الإشارة فتكون ببعض أجزاء الجسم باليد أو بالرأس أو بالعين والحاجب وبالمنكبين أو بغير ذلك من الجوارح، كما تكون ببعض الأدوات والصور ومن التلويح بالثوب أو بغيره ،وما انبساطُ الوجه وانقباضُه إلا من هذا القبيل ،وفي التنزيل :” فاشارت إليه”( السابق ص18) .
وقد أفاد شيخنا الباحث في إثبات ذلك بكتب علماء اللغة والأدب أمثال صاحب (البيان والتبيين) أبي الفتح عثمان بن بحر الجاحظ وصاحب (الخصائص) أبي الفتح عثمان بن جِني واستشهد بشعر أبي العتاهية ومنه :” ولله في كلِّ تحريكةٍ – علينا وتسكينةٍ شاهدُ ، وفي كلِّ شيئ له آيةٌ – تدلُّ على أنه الواحدُ “(السابق ص19) .
وينتقل بنا المؤلف ليوضح المفهوم الاصطلاحي لمعنى الأداء عند أئمة القراء بأنه 🙁 النَّقل) مستعينًا بتعريف أبي شامة(ت665) في كتابه ( إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءت السبع) بقوله (أبوشامة) : ” ولفظة الأداءكثيرة الاستعمال بين القراء ويَعنُون بها تأدية القُرَّاء القراءة إلينا بالنقل عمَّنْ قبلهم ” (السابق ص23) ،
وقد خلص المؤلف في بيان التعريف الاصطلاحي لمعنى (الأداء) إلى القول : ” فالحاصل أن الأداء يُطلق على تأدية حروف القرآن وكيفياتها المستفيضة وتجويدها ، ولابدمن التوكيدعلى أن تلك التأدية لاتنحصر على أصوات الألفاظ بل تشمل الهيئات الأدائية كالإشمام في بعض صوره والسَّكت ونحوها ، مما نقل من وجوه الأداء ، فذلك من أهم ماعُنِيَ به في نقل القرآن الكريم (السابق ص25) .
ويذهب شيخنا الإمام إلى أن ” عملية الأداء ترتكز على أركان ثلاثة : المنقول والناقل والمنقول إليه ” (السابق ص32) ، وتفصيل ذلك فيما ذهب إليه الشيخ : أن المنقول هو القرآن الكريم ، ومايتصل به من وجوه اختلاف القراءات وتجويد التلاوة ، والناقل هو ماصطلح العلماء من أهل القراءات والتجويد ب(أهل الأداء) ويَعنُون بهم أئمة نقل القرآن الكريم وقراءته من ذوي الرواية والدرية في التلاوة ، ويلفتنا المؤلف،مُبينًا ومُفصلًا أهميةالرسالة التي يضطلع بها الأداء والتلاوة والتجويد في إبراز معاني القرآن الكريم ورسالته الهادية فيقول : “حقًا إن مهمة أهل الأداء تمثل جانبًا مُهِمَّا في العمل الدعوي ، وذلك يقوم على دعامتين أساسيتين وهما :بناء الأجيال القادمة من خلال تعليمهم القرآن الكريم وحسن أدائه وَفْقَ ماتلقَوَّهُ من أشياخهم ، والدعامة الأخرى : حُسن تلاوته على الوجه الصحيح الذي يعطي الحرف حقه ومُسْتَحقَّه لفظًا ومعنًى ، ويُغري على الامتثال بتوجيهات القرآن الكريم والتَّخَلُّقِ بآدابه ” (السابق ص 27) .
ويُنَبِّه فضيلته إلى أهمية استثمار وسائل الإعلام الحديثة في تبيلغ كلام الله والذكر الحكيم بواسطة أئمة الأداء من مَهَرَة التلاوة وحُذاق القُرَّاء ، ويُشيرُ إلى مَنْ تصدَّرُوا التأثير بالقرآن عبر الأثير بذكر القرآن الكريم فيقول :”ومن أوائل القرًّاء الذين استثمروا وسائل الإعلام في إيصال كلام الله إلى العالمين الشيخ محمد رفعت (ت : 1369ه) صاحب الصوت الشَّجيِّ والنغمة الطيبة،وقد استمع إلى قراءته أحد الضباط الطيارين الأجانب وهو في كندا من خلال المذياع ،فجاء إلى القاهرة ؛ ليرى الشيخ، ثم أعلن إسلامه “( السابق ص 30) .
ويُتابعُ شيخنا المؤلف تناوله لمقومات الأداء، أداء القرآن الكريم في الباب الأول ، فيعرضُ في المبحث الأول من الفصل الثاني للمقومات الإيمانية ، وفي المبحث الثاني للمقومات النفسية ، وفي المبحث الثالث للمقومات المعرفية ، وفي المبحث الرابع للمقومات الصوتية ، وفي الفصل الثالث من الباب الأول يعرض لخصائص أداء القرآن الكريم ، ويُفرد مبحثه الأول لخصِّيصَة التَّعَبُّد ومبحثه الثاني للإعجاز ومبحثه الثالث للتجويد ومبحثه الرابع للتدبر والتذكر .
ويخلص شيخنا المؤلف في بيان أهمية مقومات الأداء لاسيما الصوتية منها إلى اهميتها في التأثير في المتلقي (المنقول إليه) على الأثر الكبير الذي يتركه الصوت المجود والحَسَن على المنقول إليه والمستمع لتلاوته وينقل في التدليل على ذلك مارواه صاحب النشر في القراءات العشر ابن الجزري (ت : 833هـ) عن الإمام سِبط الخياط ( ت :541هـ) : أنه قدأُعطي من ذلك حظا عظيمًا وأنه قد أسلم جماعة من اليهود والنصارى من سماع قراءته “ويُورد في ذلك الحديث الشريف : ” زيَّنُوا القرآن بأصواتكم ” ( أخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن ورقمه 218) كما أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، ورُوي بلفظ : ” زينوا أصواتكم بالقرآن ” في (النهاية في غريب الحديث) (السابق ص 28) .