الشيخ عبدالله فواد.. مرحوم يا نبع العطاء والجود مرحوم..
سويفت نيوز الخبر
الشيخ عبدالله فواد.. مرحوم يا نبع العطاء والجود مرحوم..
ودعت المنطقة الشرقية الأسبوع الماضي أحد أبرز رجالها العصاميين الذين تركوا بصمات خالدة في جبين التاريخ. وبكت الدمام من هول الفجيعة والمفاجأة رضاً بقضاء الله وقدره. وتجيب الخبر والظهران «رحمك الله». وتقول دارين والقطيف والاحساء «الى جنات الفردوس الأعلى إن شاء الله».
حقيقة يجب أن نؤمن بها في هذه الحياة (أن الموت هو أصعب أنواع الفراق والفراق أصعب أنواع الموت) والموت هو القدر الذي لا نملك سوى الامتثال له حين يطرق أبوابنا فيأخذ شخصاً عزيزاً علينا. الموت حقيقة لا جدال فيها ولا نملك أمامه شيئا سوى الخضوع والايمان. والدعاء بالرحمة له وللراحلين. ان الانسان يعجز لوصف تلك المشاهد والمواقف التي سطرها رجال وأبناء المنطقة الشرقية في هذا الرجل.
لقد ازدحمت المقبرة يوم الجمعة الماضي بحشود اصطفت وقتاً طويلاً للمشاركة في وداعه ولتقديم واجب العزاء وكان حديثهم فقط الترحم عليه وتعداد مآثره وأعماله ومواقفه الخيرية والإنسانية. الجميع يتذكر تلك الشخصية النادرة في هدوئها ورزانتها وبساطتها وشعبيتها.. تجاوز في عطائه مساحة الممكن والمطلوب محب للمبادرة وسباق لفعل الخير والإحسان. وفي هذا الجانب الإنساني والاجتماعي ينفرد بالقرار ويسرع في التنفيذ حتى لا تعلم شماله ما انفقت يمينه وفي تواضعه يرحمه الله كان مثالاً وقدوة لم تهزه مظاهر الحياة وبريقها.. كانت فرحته وقمة سعادته عندما يدخل الفرحة والبهجة في قلوب ونفوس الاخرين من الفقراء والبسطاء والمحتاجين. فكانت أعماله الخيرية في جميع أرجاء الوطن بالإضافة الى مساهمته ومشاركته في الواجب الوطني.
مرحوم يا نبع العطاء والجود مرحوم. لقد شاء الله أن يتم اختياري لإجراء لقاء تلفزيوني مطول في قناة المجد والإذاعة السعودية من خلال برنامج رجال المال والاعمال لقد عرفت الكثير وسمعت أكثر من والدي يرحمه الله ومن الرجال الذين عملوا في البدايات مع أرامكو ومشاريع تمديدات خطوط التابلين. لقد درست حياة هذه الشخصية الفذة والنادرة في الكفاح والنبل والعطاء. شخصية لا تخجل من الماضي وعمله في بدايات حياته عاملا ومنظف الصحون من أجل تعلم اللغة الإنجليزية ولقمة العيش.. لم يخجل وهو يروي لي قصة سجنه في البحرين ظلماً. ولا خسارته الأولى كما كان يقول لقد (انكسرت). قصص من الكفاح والعطاء والمثابرة وتجارب تسجل وتدرس في مجالات الصناعة والتجارة والتعامل مع المواقف الصعبة. كم كنت أتمنى الاستفادة منه ومن امثاله وعندما كتبت مقالي في الأسابيع الماضية عن الابداع والتميز الإداري وتحدثت عن الشخصيات العالمية والتي استطاعت ان تحول الفشل والخسارة الى نجاحات ذكرت هذا الشيخ عرفاناً مني بذكر اسمه ضمن الشخصيات العالمية.
قد لا يتصور البعض أن الشيخ عبدالله فؤاد يرحمه الله ولد سنة «الطبعة» أكبر كارثة في تاريخ الغوص على الساحل الشرقي والخليج العربي أي سنة 1343هـ الموافق 1923م أي ان عمره 92 سنة حيث كان يحدثني ويقول أنا مولود سنة الطبعة. الناس تبكي من هول الكارثة والوفيات والخسائر والدمار. وهو يحتفظ بكامل نشاطه وذاكرته وخبرته وتجاربه والسرد التاريخي. لا يتصور البعض أن المرحوم يتذكر أحداث الحرب العالمية الثانية عندما كانت الطائرات الإيطالية تضرب البحرين وتمر على الظهران وكان يعمل عامل سنترال ويطلق صافرة الإنذار حتى يدخل الامريكان في المخابئ في الظهران وقصة فصله من أرامكو عندما نام ويده على صافرة الإنذار التي استمرت طويلاً وأزعجت وأرعبت الامريكان وجاء المسؤول ووجده نائما ففصله من الشركة.
مرحوم يا نبع العطاء والجود مرحوم. نعم يعز علينا فراقهم ويعز علينا رحيلهم. ويقتلنا الشوق والحنين إليهم. وتدفن الاماني وتروم الاحلام ولم يبق لنا غير الجرح والالم. تغيب أيها الرجل العزيز عن العيون لكنك حاضر في زوايا الفؤاد دفئاً وحميمية وسيرة نبيلة تسري في عروق التاريخ والوطن سيرة أحرفها إنجازك وخلقك ومواقفك ومناقبك وسجاياك التي عرفها القاصي والداني. سيظل الآباء ورفقاء الدرب يذكرونك ويذكرون أعمالك وسوف تروى للأبناء ويتناقلها الأجيال. نعم والله ما أحب الله عبدا إلا أحبه الناس وأشهد أنك فزت بحب الناس ويقولون:
ما مات من ذكره بالقلوب لا يزال
وصيته تعدي به سهيل واليماني
عبدالله فؤاد رجل من ترثه رجال
فيه الذرابة والسنع والمعاني
مهما قلنا ومهما كتبنا ومهما ذكرنا سجايا هذا الرجل فإننا لم نقل شيئاً فإننا على يقين تام بأن الإرث المتميز الذي تركه سيبقى مثالاً يحتذى به. شخصية نادرة وكبيرة لن تمحى من الذاكرة الخليجية نسأل المولى عز وجل أن يديم علينا نعمة الامن والأمان. ويسكن فقيدنا الراحل فسيح جناته انه سميع مجيب.