العلاقات السعودية الإفريقية: القمة أنموذجًا
لا تزال أنظار الخبراء والدبلوماسيين والأكاديميين، تتعلّق بدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى عقد قمة سعودية – إفريقية، باعتبارها نقطة تحول إستراتيجية في العلاقات الإقليمية، وينظر إليها الأفارقة كخطوة «تاريخية» ومهمة في علاقتهم بالمملكة، نظراً لما تمتلكه من موقع متميز في قيادة العالم العربي، ولدورها الرائد في عالمها الإسلامي.
تمثل إفريقيا، والحبشة أو إثيوبيا في القلب منها فصلاً تاريخياً مهماً لا يمكن أن ينساه أو يتجاوزه المسلمون خصوصاً المسلمين العرب، إذ لعب ملكُها النجاشي دوراً تاريخياً في حماية المؤمنين الجدد، الذين دخلوا الإسلام في صدر الدعوة الإسلامية، ورفضَ تسليمَهم إلى الذين طاردوهم إلى «الحبشة»، فأسبغ عليهم الحماية والرعاية، على النحو الذي يجعل «تأمين» الدعوة الإسلامية وحراستَها، بل والمحافظة عليها، يرجع في جانب كبير إلى ما قدّمه ملك «إثيوبيا» لطليعة المسلمين في فجر الدعوة الإسلامية، الأمر الذي من شأنه تعميق العلاقات السعودية – الإثيوبية وتجذيرها، ويُعَدُّ مدخلاً ضرورياً لفهم تاريخ العلاقات السعودية – الإفريقية بشكل عام، والعلاقات السعودية – الإثيوبية بشكل خاص.
ويبدو «الاستثمار» السعودي في القارة السمراء فكرة مهمة، بل إنه يبدو طموحاً ضرورياً في إطار التحديات المستقبلية التي تواجهها المملكة، في ظل المتغيرات العالمية المستقبلية. وكما كان «الاتجاه شرقاً» تعبيرًا عن الاستجابة لمتغيرات العصر وتحديات المستقبل، تأتي إستراتيجية الاتجاه إلى إفريقيا، أو «الاتجاه غرباً» إلى القارة السمراء تحديداً، ضرورة لتوسيع المجال الحيوي للسياسة الخارجية السعودية، وتقوية تحالفات المملكة بالتكتّلات الكبرى في العالم، وهو ما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز غيرَ مرّة، في خطاباته وكلماته وتصريحاته وتوجيهاته.
ولا شك في أن القارة السمراء لا تزالُ مصدراً جاذباً للاستثمارات المالية والبشرية، إذ إنها رغم كل محاولات الدول الاستعمارية نهب ثرواتها الطبيعية، لا تزالُ قارة بكراً مليئة بكل الموارد والخيرات من المعادن النفيسة والطاقة الشمسية النظيفة، إلى النفط والغاز والأراضي الصالحة للزراعة، مرورًا بالوفرة الكبيرة في الأيدي العاملة. غير أن الحقيقة المثيرة هي أن تلك الخيرات، قد جعلت منها مسرحاً لصراع الأمم في القرن العشرين، وقد يجعلها كذلك في القرن الحادي والعشرين، سواء من الشرق أو الغرب.
وقد أصبحت إفريقيا الآن، محل مواجهة مبكرة بين الولايات المتحدة والصين، وتستخدم الأخيرة بنوع خاص وفرة الاحتياطات النقدية لديها، وعدم تدخلها في الشؤون الداخلية للبلدان الإفريقية، وكذا عدم ربط الاستثمارات بأي شروط تتعلق بحقوق الإنسان أو الدمقرطة، وغيرها من الشعارات التقليدية لاختراق إفريقيا التي عانت شعوبها ولا تزال من المحاولات الغربية لصهر هويتها الإفريقية.
ويتساءل المعنيون بالوجود السعودي في إفريقيا، إذا ما كان هناك ما يجعل للدعوة الملكية للقمة السعودية – الإفريقية قيمة مضافة في الوقت الراهن؟ وتأتي الإجابة في مقالة «القمة السعودية الإفريقية» للكاتب أميل أمين، في صحيفة الشرق الأوسط في 10 يوليو 2017، والذي جاء فيها «بأن الشاهد أن التعاون الاقتصادي السعودي خاصة، والخليجي عامة، والعربي بالإجمال، مع دول الاتحاد الإفريقي يمكن أن يكون مستقبلاً آلية نجاح مزدوجة، فهو من جهة أداة وطريق للاستثمار الناجح اقتصادياً ومالياً، وفي دول وقارة لا تهدد مستثمريها صباح مساء كل يوم بتجميد الأرصدة، أو تعليق التعاون عند أي مفرق سياسي، وبالقدر نفسه فرصة ذهبية لدول القارة، وطاقة أمل للخلاص من الارتهان الاستثماري للدول الاستعمارية التاريخية، وهذا لن يتأتى حتماً إلا من خلال خطط تعم القارة كلها، والسعودية والعالم العربي هما الأقرب جغرافياً والأوثق تاريخياً في العلاقة المنزهة عن البراغماتية المطلقة، الماركة المسجلة للاقتصاد الغربي التقليدي».
وتتعزز هذه الرؤية وتصبح أملاً كبيراً وخلاقاً، إذا قدر للأفارقة بدورهم التفكير والتنظير للتكامل الاقتصادي الإفريقي، أي بلورة اقتصاد إفريقي موحد، وذلك لأن هذا التخطيط هو وحده الذي سيتيح للدول الإفريقية، أن تخرج من كل سيطرة أجنبية، ما يستدعي هنا تذكر ما قاله الزعيم الغاني الدكتور كوامي نكروما، أول رئيس لغانا المستقلة، وأحد مؤسسي منظمة الوحدة الإفريقية، الذي قال: «على الأساس القاري وحده، نملك إمكانية وضع خطة من أجل الاستخدام السليم لمواردنا وتكريسها لازدهار قارتنا». ويرى الكاتب بأن الدعوة للقمة السعودية – الإفريقية، تحمل بعداً قد يغيب عن ناظري كثيرين، ويتصل بالأمن القومي للمملكة من ناحية، ولدول الخليج وبقية العالم العربي من ناحية ثانية، إذ أصبح الإرهابُ همّاً إقليمياً ودولياً مشتركاً، يؤرّق دول العالم كافة، وعلى نحو خاص دول العالم العربي ودول العالم الثالث، بما فيها الدول الإفريقية.
ولا شك في أن المملكة العربية السعودية ظلت لأسباب تاريخية وموضوعية عديدة قائدة للعالم الإسلامي، ومن هذه الأسباب، احتوائها على أقدس البقاع في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ووجودها الروحي والحضاري وعمقها التاريخي في نظر جميع المسلمين. وقد ظلت المملكة هكذا بلا منازع، حتى طرأت متغيّرات في مطلع الألفية الثالثة، أدّت بها إلى اتّباع شيء من «العزلة» التي التزمتها بعد حرب الخليج الثانية، ثم انسحابها من قيادة المشهد الإسلامي بعد الحادي عشر من سبتمبر، خشية تحملها نتائج ما يفعله المتطرفون «الإسلاميون» كالقاعدة وداعش، ومن سار على دربهم، ما دفع بإيران وتركيا إلى تصدر المشهد، والادّعاء بأنهما يمثلان مصالح العالم الإسلامي، على الرغم من وضوح أهدافهما الخاصة، وبروز أطماعهما السياسية، ورغبتهما في التمدّد الإقليمي، على حساب العالمين العربي والإسلامي، واستخدام «ورقة» الإسلام في نزاعاتهما الإقليمية والدولية، وترويجها من أجل التمدّد في دول العالم الإسلامي.
لقد فتحت قيادة الملك سلمان بن عبد العزيز للمملكة في مطلع 2015، باباً مهماً للانفتاح على القارة الإفريقية في إطار واسع من إستراتيجيته السياسية الحكيمة للانفتاح على العالم، بمحاوره وتكتلاته. ويتطلع الكاتب والمهتمون بتعزيز العلاقات السعودية الإفريقية، إلى قمة، ستشهدها الرياض في المستقبل المنظور.