من الذي أفقر مصر ..؟!
بقلم : مدبولي عتمان
تم إجبار الوزيرة السويدية مونا سالين على تقديم استقالتها بعد ادانتها قضائيا باستخدام كارت بنزين حكومي بقيمة 60 دولارا لتعبئة سيارتها الخاصة. فالقانون الذي ينطبق على جميع السويديين دون اي استثناء اعتبر تصرفها استغلالا للمال العام ، ولم يقتنع بتبريراتها بنسيان بطاقتها الخاصة ولم يجد اثباتها أنها أعادت المبلغ في اليوم التالي.
أما في بلدنا المنهوب مصر فنرى العجب العجاب من سفاهة الانفاق وتفنن المسئولين كبارا وصغارا في إهدار مليارات الجنيهات من المال العام دون محاسبة . وفي الحالات القليلة التي تمت فيها محاسبة الفاسدين ، تتم المصالحة وبالقانون ، حيث يرد اللصوص جزء بسيط من الاموال التي نهبوها ويتركون مناصبهم ليتفرغوا للاستمتاع ببقية ما نهبوه. مما أدى الى افقار مصر رغم أن الله سبحانه وتعالى جعل فيها جزائن الارض من الخيرات ، فقال سبحانه وتعالى في الآية 55 من سورة يوسف : ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). جاء في تفسير القرطبي قال سعيد بن منصور: سمعت مالك بن أنس يقول: مصر خزانة الأرض.
ففي الوقت الذي تعلن فيه الحكومة رفع اسعار سكر التموين إلى 8 جنيهات والزيت الى 12 جنيها لتصل نسبة الزيادة الى حوالى 100% خلال عدة اشهر . يتعرض الشعب لصعقة قاتلة بالانباء التي أكدت إنفاق مجلس النواب 22 مليون جنيه عام 2016 لشراء سيارات جديدة، منها 3 سيارات مصفحة بقيمة 18 مليون جنيه لزوم استخدام رئيس المجلس ووكلائه ، ودفع مقدمات لـ17 سيارة أخرى (5 سيارات تويوتا كرولا، و 9 سيارت نيسان سنترا، 1 سيارة تويوتا كوستر، و2 سيارة تويوتا ميكروباص ) بقيمة 4 ملايين جنيه؟!. والتساؤل لماذا يلجأ رئيس مجلس النواب ووكيليه لاستخدام عربات مصفحة ، على يشعرون بالخوف وعدم الامان وهم يسيرون وسط ناخبيهم.
وكشف الحساب الختامى لموازنة مجلس النواب عن العام المالى 2015- 2016،الذي نشرت صحيفة برلماني نسخة منه الخميس الماضي ، أن إجمالي الإنفاق بلغ 770 مليوناً و805 آلاف جنيه. منها 437 مليونا و155 ألف جنيه رواتب وبدلات وحوافز وعلاوات اجتماعية بمعدل 36.5 مليون جنيه تقريبا شهريا . وشراء سلع وخدمات بمبلغ 202 مليون و 563 ألف جنيه، وانفاق 135 مليونا و326 ألف جنيه لصندوقى الخدمات الطبية والرعاية الاجتماعية للعاملين والأعضاء. ومبلغ 16 مليون جنيه مكافآت الأعضاء فى 6 أشهر، وإنفاق 4 ملايين و 900 ألف جنيه على اشتراكات السكة الحديد والأتوبيس للأعضاء وتكلفة الانتقالات ومأموريات وبدل السفر.
وواضح أن هناك تحالف بين الحكومة ومجلس النواب على إفقار مصر. ففي الوقت الذي يتسم فيه إنفاق مجلس الشعب بالتبذير وعد مراعاة الأزمة الاقتصادية التي نمر بها، نجد الحكومة تتقدم بقانون لزيادة مرتبات ومعاشات رئيس مجلس الوزراء، ونواب رئيس مجلس الوزراء، والوزراء، ونواب الوزراء، والمحافظين ونواب المحافظين. وهذه الزيادة التي سيوافق عليها مجلس النواب عملا بالمثل ( شيلني واشيلك ) ستثقل الميزانية وتزيد من عجزها حيث تشير الاحصائيات أن الوزارة التي يتجاوز عدد وزرائها الـ 30 وزيرا تكلف خزانة الدولة 300 مليون جنيه مابين رواتب ومصروفات تشغيل للمقرات والسيارات ، في حين تدير الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم حكومة من 14 وزارة فقط ، ولا تتجاوز الحكومة الصينية 18 وزارة تدير شعبا يقترب عدده من ربع سكان العالم.
وبينما تسعى الحكومة لتغطية العجز في الموازنة على حساب ملايين الفقراء بالغاء الدعم ورفع الأسعار وفرض الضرائب . فانها تقف عاجزة عن إنهاء ظاهرة المستشارين المنتدبين لدى الوزارات ومجلس الوزراء والمؤسسات والهيئات الحكومية . حيث ذكر تقريرللجهاز زالمركزي للمحاسبات أكدت أن رواتب المستشارين المنتدبين وصلت إلى 200 مليار جنيه سنويا.
فبلدنا مصرغنية بمواردها التي بددها الفساد وسوء الادارة طوال عشرات السنين ، وغنية اكثر بشبابها الذين يشكلون أكثر من 60% من عدد المصريين . وغالبية هؤلاء الشباب مجتهدين ، ويعلمون جيدا المعنى الحقيقي لحب الوطن والولاء لترابه. وصبروا على تعرضهم لمظالم الحكومات المتعاقبة بسب تخليها عن مسئولياتها في توفير فرص العمل المناسبة والمسكن الآدمي ووسيلة الانتقال الكريمة والعلاج الصحي ، ولم يقعوا فريسة في يد أعداء الوطن . وحتى عندما سرق حلمهم عقب ثورتهم السلمية في 25يناير 2011 إرتضوا بالصمت ولم يستجيبوا للتحريض بالعنف حفاظا على وحدة واستقلال بلدهم.
نقطة ضوء
ويمكنك بسهولة أن تقابل آلاف من النماذج المشرفة من الشباب المصري داخل مصر وخارجها . ومنهم الصحفي الشاب حسام ابو العلا الذي التقيت به للمرة الاولى في جريدة اليوم السعودية وكان صحفيا متميزا. ثم عاد ليواصل الكدح بشرف في بلاط صاحبة الجلالة بمجلة اكتوبر . وأسعدني الاسبوع الماضي بزيارته لاهدائي كتابه الاول بعنوان ( قلب مهزوم ) ويضم مجموعة قصص قصيرة تعبر باسوب شيق عن الواقع الذي نعيشه. وتوقفت فيه عن قصة ” مصطبة جدتي ” لانها أعادتني إلى أيام الطفولة والصبا ولانها تكرس الوفاء المتأصل في المصريين.