مقالات

الطب مهنة النبلاء

بقلم – محمد البكر :

في مثل هذا الشهر – آب اللهاب – من عام 2017، أي قبل ثماني سنوات، كنت مع زوجتي وابنتي فجر، التي كان عمرها آنذاك عشر سنوات، في رحلة إلى أستراليا. مكثنا في سيدني أربعة أيام، ثم اتجهنا إلى المطار متوجهين إلى قولد كوست، التي تُعدّ من أجمل المناطق السياحية في العالم. كانت الأمور تسير بشكل جيد، لكن يبدو أن حظنا كان سيئًا، إذ التقطنا فيروسًا خطيرًا أثناء وجودنا في مطار سيدني.

فما إن وصلنا إلى هناك حتى بدأت الأعراض بالظهور سريعًا، وبدأت بي أولًا، ثم انتقلت إلى زوجتي، وأخيرًا إلى ابنتي. كان وضعي صعبًا جدًا، لكن كان عليّ أن أصطحب ابنتنا إلى أحد مراكز الطوارئ، الذي دلّنا عليه سائق “أوبر” أنقذنا في ظل خلو الشوارع من الحركة في ذلك الوقت المتأخر. كانت حرارتها ترتفع باستمرار وتجاوزت حاجز اثنتين وأربعين درجة مئوية، حتى لم تعد قادرة على الوقوف على قدميها.

استمر الوضع على حاله رغم كل العلاجات والمضادات لمدة يومين من دون تحسّن يُذكر. وفي لحظة تفكير، تذكرت الدكتور حاتم تركستاني، الذي كان يعمل في مستشفى الملك فهد التعليمي بالخبر قبل أن ينتقل إلى مكة المكرمة، وهو متخصص في طب الأطفال. قلت لأم فجر: “سأتواصل معه وأستشيره، فالأمور تتدهور”. وبعد تردّد، قررت الاتصال به هاتفياً. كان الفارق بين توقيت المملكة وأستراليا سبع ساعات، ولهذا كان وقت تواصلي معه فجرًا بتوقيت المملكة.

كنت في قمة الخجل، وكان هو في قمة الاستغراب، لكنه كان نبيلاً بحق، إذ استمع لي بهدوء، فشرحت له ما حدث وأبديت خوفي من تطور حالة ابنتي. بدأ في طمأنتي، وطلب مني مراجعة الطبيبة المعالجة ثم الاتصال به ليحدد بالضبط الحالة. وخلال يومين بدأت ابنتي تتحسن حتى شفيت تمامًا، بفضل الله أولًا، ثم بفضل هذا الطبيب السعودي الإنسان. تصوّروا أن اتصالًا عبر القارات لم يمنعه من متابعة حالة ابنتي حتى تمام شفائها.

للأسف، تلك الرحلة كانت من أسوأ رحلاتي السياحية، فبعد أن استعدنا صحتنا وتعافينا، وصلني خبر وفاة الصديق العزيز الدكتور عدنان عاشور، أحد أهم أطباء النساء والولادة، إثر نوبة قلبية. كنت قد التقيت به قبل سفرنا بيومين، والتقط عبر هاتفه صورة “سيلفي” لنا، فكانت آخر صورة وضعها في حسابه.

رحم الله الدكتور عدنان عاشور، وأطال في عمر الدكتور حاتم تركستاني وأعماركم جميعًا.
ولكم تحياتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى