ما بين العقل والعاطفة
بقلم – أميمة زاهد:
الحب هو الأساس الذي يقوم عليه الزواج.. الحب الحقيقي الذي لا يمكن أن يكون يوماً نزوة أو عاطفة؛ بل هو فعل.. الحب هو التوافق بين الحاجات الحيوية والمشاعر الوجدانية وليس التطابقَ في الصفات والعادات.. الحب هو أسمى العلاقات التي يمتزج فيها العقل بالعاطفة ويصبح الشريكان كتلة واحدة؛ فتنصهر أفكارهما ومشاعرهما وأهدافهما.. الحب هو الانسجام في أسمى معانيه، هو العطاء الذي لا أنانية فيه، هو الغذاء الروحي الذي يعمق نداء الفطرة الإيماني بحب الله؛ فالحياة الزوجية علاقة تجمع بين طرفين لكل منهما كيانه وشخصيته المستقلة، ولا يعني ذلك أن كلاً منهما يفعل ما بدا له؛ بل عليه أن يدرك أنه لم يعد حراً كالسابق، وأن هناك شريكاً لا بد من احترام رغبته ومتطلباته، ولكن ماذا يحدث الآن؟ كل طرف يريد أن يتخلى عن واجباته ومسئولياته وأن يتمسك بحياته السابقة؛ فالزوج الذي اعتاد على السهر وصحبة الأصدقاء والرجوع وقتما شاء، ينكر أن لزوجته عليه حقاً.
والزوجة التي تعودت على أن تنام وقتما تشاء مدللةً مرفهةً لا تعمل شيئاً، عليها أن تدرك أن لزوجها عليها حقاً، نسي الزوجان أن لكل منهما واجبات وعليهما مسئوليات، ولا يجب أن يسعى أي طرف إلى طلب المزيد من الحقوق دون أن يؤدي واجباته.. ويرضي ذاته على حساب الطرف الآخر، ولا يرغب في تحمل المسئولية وفي المقابل يريد أن يحظى بالمزيد من المميزات، ويترك لشريك حياته المسئوليات التي يجب أن يقوم بأدائها، ونحن نعلم أننا مسئولون أمام الله عما نُسترعى من أمانة، وهل حفظناها أم ضيعناها، والحفظ هو أن نحفظ النفس من الخروج عن مسارها حتى نرضي أنفسنا؛ مما ينتج عنه صراع من شأنه أن يحدث التنافر وانعدام الترابط الذي يؤدي إلى التفكك في العلاقة.
فلو أشعرت الزوجة زوجها بأهميته وبأن سعادته أهم من اعتبارات أخرى في حياتها، ولو خصصت له وقتاً للحوار دون أية مشتتات تعيق التواصل، وتخلت عن جهلها المتعمد بمدى حبه للمدح والثناء والحديث عن إنجازاته وبمشاكله، ولو علمت أن أكثر ما يتعس الرجلَ العبوسُ في وجهه وكثرة التذمر والإحساس بعدم الرضا والاستياء والشكوى، كذلك الزوج لو عاش لحظات السعادة ولم يبحث عن المثالية في زوجته؛ بل يعيش واقعه وينظر للإيجابيات، ويحول حياته بذكاء للأفضل ويعيش لحظته ويستمتع بها، وأشعرها بأنها الحضن الدافئ الذي يجد فيه راحته، وأنه يستمد منها الفرحة والطاقة والقوة، وبأنه متمسك بها ويحتاجها لجانبه لتشعره بالحنان والأمان،
أقول، لأن الزواج ميثاق غليظ، قبول وتقبل وانشراح، ألفة وقناعة، ورضا وتقدير، وأمان واطمئنان؛ فلا يغفل الزوجان أهمية التغيير في أمور قد يظنانها بسيطة، ولكنها تجعل الحياة أكثر إشراقاً وجمالاً واستقراراً ومتعة؛ لأنها تشبع لكل شريك حاجاته الحيوية والاجتماعية، ويصبح متكيفاً مع البيئة الاجتماعية ومع من يعاشر ويحاول التوافق والتكيف والانسجام مع الطرف الآخر؛ فبالتفاهم ينمو الحب ويزدهر، ويحدث التوافق والتكيف والانسجام لتلك العلاقة الرائعة.