مقالات

أرامكو مظلة للخير عبر الأجيال

بقلم – د. محمد حامد الغامدي:

إلى أين أنت مسافر؟ فيأتي الرد: إلى الظهران. إنها قصة بداية الآباء.. جعلتني في صغري.. أسمع عن جبل الظهران.. فتخيلته.. بعلو الجبال التي أعرف. وعندما جاءت بنا الظهران.. مع بقية القوافل البشرية.. الزاحفة نحوها.. استوطنت عائلتي بقيق.. فلم أشاهد جبلا.. أو هضبة.. أو حتى صخرة.. لكن تفاجأت.. ببحر من الرمال.. تزحف حباتها السطحية.. وفقا لاتجاه الريح.. لكنها كانت تحمل رسائل.. ذات معنى وقيمة.

* كنت أتردد في صغري، بين الدمام وبقيق، عبر الظهران. فسألت، عن جبل الظهران هذا. أشاروا إلى نتوء أرضي، كان يقع أمام الطريق القادم من بقيق مباشرة، فأجبر الطريق أن تأخذ شكل الحرف الإنجليزي (T). جهة اليمين إلى (مقر) أرامكو، والاتجاه الآخر يسارا إلى الدمام، قالوا هذا هو جبل الظهران. تعجبت، وتساءلت، هل هذا النتوء جبلا؟

* أدركت لاحقا أن الظهران المكان الأهم، وأن ذلك النتوء هو الجبل الأشم عالميا. الأكثر علوا في تحريك أسواق المال والأعمال والاستثمار. الأعظم مكانة.. وتأثيرا.. وكرما.. على البشرية. أصبح الظهران عاصمة تحريك الكون. مكان جعل العالم يدور حوله. مكان حقق التطلعات والأحلام. مكان فجَّر إمكانات الأرض والبشر. مكان إدارة إنتاج سائل شريان حضارة العالم وتوزيعه. إنه دم الحضارة نفسها. إنه النفط أيها السادة.

* الظهران موقع مرتفع عن محيطه.. بأمتار محدودة. تخيلته قاعدة لجبل واسع الانتشار. جبل مقلوب.. يمتد بقمته إلى أعماق الأرض، بعكس جبال الدنيا التي تعانق السماء. جبل لا يراه إلّا المبصرون بكنوز باطن الأرض وخيراتها. فكانت خيمة أرامكو التي أبصرت هذا الموقع الإستراتيجي. خيمة عمودها البحث عن النفط، وأطنابها همة الرجال، ونسيجها آمال وطموحات البشر.

* انتشرت دعوة الظهران لأهله.. حبا وكرامة.. رحَّب وسهَّل. كانوا جميعا ينتظرون لحظتهم التاريخية.. فجاءت. قدح شرارتها الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه-. فأصبحوا ينتعلون أحذية السلامة، ويلبسون (شنقيط) العمل. دهنوا أيديهم بعطاء وكرم مادة نفطه السوداء. عاشوا معاناة البحث والتنقيب، وتحملوا قسوة التجربة، والغربة لصالحهم وأجيالهم.

* روَّاد تحولوا إلى خبراء، وأيدٍ وعقول عاملة.. منتجة. إنها الظهران عاصمة التغيير للأفضل. جعلت كل فرد كنزا من الإمكانات. يتعاملون مع التقنيات، والمتغيرات بحرفية، ومهارة، وإتقان، وانضباط. استقرت بهم فرصة التاريخ.. يعملون، يتعلمون، يعمرون، ويتوسعون في بناء العقول والأمكنة.

* جعلوا الظهران القلب النّابض للعالم. فجاءوا بمدن أخرى جديدة. فهذه بقيق الصحراوية. وهذه رأس تنورة الساحلية.. مدينتان.. لتجميع وتصدير النفط للعالم. أصبحت المنطقة الشرقية وجهة النّاس، ومحل آمالهم وتطلعاتهم.

* فهذه الخبر والدمام حديث النفط ونتائج خيره وخبراته. وهذه الأحساء تتحدث بمياهها ونخيلها ورجالها.. فخورة. وهذه القطيف.. تتباهى.. بأنها الوحيدة على مستوى العالم، وقد أصبحت واحة البر والبحر والنفط والغاز.

* في الأحساء سمعت قولا لشيخ طاعن في السن، في إحدى زياراتي البحثية بواحتها الشهيرة.. قال: لو عرف النّاس ما تحت الأحساء.. لولّوا هاربين. قال سمعها عن أبيه، وأبوه سمعها عن جدّه. هكذا تكون الحكاية. معها استدعيت حقل الغوار العظيم، بمخزونه النفطي تحت أرضها. فتذكرت خيراتها عبر تاريخها.

* أجيال من السعوديين.. سجلوا بأحرف من نور.. نجاحات.. لم يتوقف مدادها. هكذا جعلت أرامكو الإنسان السعودي.. معجزة.. اختصرت مسافات الزمن.. لصالح الإنسانية.

* وأخيرا جاء من الظهران.. خبر الإنجاز الجديد للإنسان السعودي.. عبر قفزة استثنائية.. تتحدث.. عن رفع إنتاج أرامكو من الغاز.. ليصل (12.2) مليار قدم مكعب.. في اليوم.. بحلول (2021). ماذا يعني هذا؟ يعني أن قصة النجاح مستمرة.. وأن قيمة خيمة أرامكو.. وقد نصبت عام (1933).. ارتفعت.. لتصل.. إلى (3) تريليون دولار. إنه النجاح.. عنوانه: الإنسان السعودي لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى