كلما كبرنا… انكسرت قلوبنا

بقلم – محمد البكر :
لا صوت لانكسار القلوب ، فهو انكسار بلا صدى ، لا ينزف دماً ، ولا يُحدِث ضجيججاً ، لكنه يوجع أصحابه ، ويبكيهم في صمتٍ خلف الجدران . يُتركون في حيرةٍ بين البوح بما يثقل صدورهم ، وبين كتمانٍ يخشون معه شماتة الآخرين . فقلوبهم ليست كالزجاج ، الذي إن انكسر أطلق أصواتاً ونثر شظاياه ، بل هو انكسارٌ مملوء بالمرارة والوجع .
بعض القلوب ، تنكسر بفقدان عزيز ، أو خذلان محب ، أو كلمة جارحة ، أو أملٍ خاب بعد طول عشم .
كل انكسار مهما كان ، يترك ألماً ووجعاً لا يحتمل . لكنه
لن يكون أشد إيلامماً من انكسار قلب أمٍ عجوز ، أو أبٍ مفجوعٍ بابنٍ عاق ، أو شيخٍ غدر به الزمان ، أو كبيرٍ في السن جُرِحَت كرامته بكلمة طائشة ، أو تصرّفٍ أرعن ، أو تجاهلٍ لمكانته في مجلسٍ طالما احتفى فيه بأهله ورفاقه.
قلوب كبار السن يثقِلها الزمن ، ويوجعها الغياب ، بعد أن رحل عنها من كانوا يملؤونها حباً واهتماماً . حتى أصبحت قلوباً هشّة ، تتوق إلى كلمة طيبة ، أو لمسة حنان مواسية .
نظنهم أقوياء ، لكنهم ينهارون بصمت .يتظاهرون بالتماسك ، فيما قلوبهم تبكي من الوحدة والجفاء ، كما لو كانوا غرباء في بيوتهم .
كم من أمٍ تتمنى اتصالاً من ابنها ، تنتظر منه قبلةً على جبينها ، وكم من أبٍ يفتقد صوت مَن كان يقول له يومًا ” أحبك يا أبي”.
هؤلاء لا يطلبون هدايا ولا عطايا ، بقدر ما يتوقون إلى الشعور بأنهم ما زالوا في قلوب من أحبوا وضحوا من أجلهم ، وأن وجودهم لا يزال يُقدَّر ، وحاجاتهم العاطفية والإنسانية تُفهَم وتُحترَم .
فكروا قليلًا، أيها الشباب والشابات… فغداً ستكونون مثلهم، آباءً وأمهات ، تنتظرون من يقرع بابكم ، من يجلس بجواركم ، من يقول لكم ” ما أجملك يا أمي”، و ” يا لروعتك يا أبي”. لا تتعللوا بالأعذار ، فبعض الكسور لا تجبرها الاعتذارات ، ولا يشفيها ندمٌ يأتي بعد فوات الأوان .
فإن خطر ببالكم اليوم أن تسألوا عن أحدهم ، فلا تؤجلوا . فقد تكون هذه اللحظة التي انتظروها طويلا .
ارفقوا بالقلوب التي أعطت بلا حدود ، وسهرت وربّت وتحملت يوم كانت في أوج عطائها .
ارفقوا بقلوب لم تعد تحتمل خيبة جديدة . فإن لم تستطيعوا اسعاد تلك القلوب ، فلا تكونوا سبباً في كسرها . ولكم تحياتي




