مقالات

متعة السفر و” هموم ” ما بعده

بقلم – محمد البكر :

منذ الأزل ، والبشر يشدّهم الحنين إلى المجهول . إلى مدن لا يعرفون لغتها ، وشوارع لم تطأها أقدامهم ، ومقاهٍ تُقدّم القهوة بطريقة مختلفة . السفر لم يعد رفاهية كما كان في الماضي ، بل أصبح طقساً موسمياً تمارسه شرائح واسعة من الناس ، هرباً من رتابة الحياة أو بحثاً عن لحظة متعة ، أو حتى هروباً من الذات .

يجهّز الإنسان حقيبته ، ويطير بروحه قبل جسده نحو البلاد البعيدة . هناك ، يعيش أجمل الأيام ، تتسع عيناه للمناظر الجديدة ، ويستيقظ قلبه من سباته . تسحره الأزقة الأوروبية ، وعجائب الشعوب الآسيوية ، وتداعب أذنه موسيقى الشوارع ، وتنبهر حواسه بنمط حياة مختلف . يشعر بأنه وُلد من جديد . لكن تلك النشوة ، غالباً ما تكون مؤقتة ، ومرتبطة بما يسمى “خداع اللحظة ” .

ما إن يضع المسافر قدمه في أرض الوطن عائداً ، حتى تنقلب المعادلة . تستقبله الفواتير المؤجلة ، والمهام المتراكمة ، وربما حتى إحساس غامض بالفراغ . بطاقة الائتمان أنهكتها المصاريف ، والجسد يئن من التعب ، والنفس تعاني من تراجع الحماس . يعود الإنسان محمّلاً لا بالهدايا ، بل بأعباء نفسية ومالية قد تمتد أثرها لشهور .

كثيرون يسافرون وهم يعلمون مسبقاً بأن لكل متعةٍ ثمن ، ويدركون بأنهم سيدفعون الثمن بعد العودة ، ومع ذلك لا يتراجعون . فالرغبة في التغيير أقوى من الحسابات الدقيقة . فهل أصبحت لذة السفر تبرّر فداحة الثمن ؟
ليس المقصود أن نتخلى عن السفر ، بل أن نعيد النظر في دوافعه وتبعاته . أن لا يكون مهرباً مؤقتاً من ضغوط الحياة ، بل فرصة واعية لتجديد النفس دون إغراقها في مزيد من الالتزامات . فالسفر الذي يعود بنا أثقل مما كنا عليه ، ليس نعمة… بل استراحة قصيرة من واقع سيعود ليلدغنا من جديد .

بيت القصيد ..
إن كنت قادراً على السفر وتكاليفه ، فلا تتردد ، ففي السفر فوائد ومتعة وراحة بال . إما إذا كنت ستقترض أو ستكون سفرتك على حساب الأمور الأساسية في حياتك وحياة أسرتك ، فدع السفر ولا تضع نفسك في ” هموم ” ما بعد العودة . ولكم تحياتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى