“فلاش” في الطريق.. أمام ظلام الأزمات الاقتصادية
ليس عيبا أن يمر أي بلد من بلدان المسلمين، بأزمة اقتصادية، فهي أمور تطول الكبير والصغير، والأفراد والدول..
وليس شرطا أن يكون الحاكم صالحا أو فاسدا أو حتى أحد العشرة المبشرين بالجنة، لتتخطاه الأزمة، ولا تمر على بلده أو تضيق الخناق على أفراد شعبه..
لكن المهم أن يتحرك الحاكم لضبط الامور وعدم استمرار الأزمة وتطويقها الاعناق، وأن يعمل جهده ما وسعه الجهد في البحث عن حلول للأزمة ومخارج لتخطيها..
والأهم من كل ذلك أن يشارك شعبه تقشفهم، وحياة أقلهم وأفقرهم، وأن يبدأ بنفسه وخواص أهله وعائلته أولا قبل شعبه؛ حتى لا يلومه لائم، أو ينتقده منتقد، ومن ثم يسمع له الناس، ويطيعون ويتعاونون على المساهمة في عبور الأزمة والوصول إلى بر الأمان..
في “عام الرمادة”، الذي وقع في آخر سنة 17هـ، إلى أول سنة 18هـ..ـحرم خليفة المسلمين عمر بن الخطاب، على نفسه اللحم والسمن، وأكل مثل فقراء المسلمين كسر الخبز والزيت ، حتى سمع لصوت بطنه قرقرة – أي صوتا – فقال جملته الشهيرة:” قرقري أو لا تقرقري مالك عندي إلا الخبز والزيت”!!
وأخرج الطبري من خبر عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: “كانت الرمادة جوعاً شديداً أصاب الناس بالمدينة وما حولها، حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها، وإنه لمقفر”
وقال الحافظ ابن كثير: “وقد روينا أن عمر عسَّ المدينة ذات ليلة عام الرمادة- أي تفقدها أهلها وبيوت الناس ليلا كما كان يفعل- فلم يجد أحداً يضحك، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة، ولم ير سائلاً يسأل، فسأل عن سبب ذلك، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إن السؤَّال سألوا فلم يعطوا، فقطعوا السؤال، والناس في هم وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون”.
أيضاً احتشد الناس من خارج المدينة وقدموا إليها يطلبون العون حتى قيل أنه خيم في أطراف المدينة حوالي ستون ألفاً من العرب لا يجدون إلا ما يقدم لهم من بيت المال أو من أهل المدينة المنورة. وذكر أن عمراً كان يولم لهم كل ليلة حتى حضر في وليمة واحدة أكثر من عشرة آلاف.
وذكر ابن كثير في التاريخ ” أنه في عام الرماده والجوع والفقر يحاصر المسلمين فكتب أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب إلى عمرو ابن العاص في مصر ” واغوثاه ..واغوثاه .. واغوثاه ” فقال عمرو بن العاص والله لأرسلن له قافله من الأرزاق أولها في المدينة واخرها عندي في مصر”
بعد أن استنفذ بيت المال ولم تنته الأزمة كاتب عمر الأمصار طالباً العون فجاءه المدد من أبي عبيدة عامر بن الجراح ومن أبي موسى الأشعري فأرسل إليه عمرو بن العاص بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدهن، وبعث إليه بخمسةِ آلاف كِساء، وأرسل إلى سعد بن أبي وقاص فأرسل له بثلاثةِ آلاف بعير تحمل الدقيق، وبعث إليه بثلاثةِ ألاف عباءة، وأرسل إلى والي الشام فبعث إليه بألفي بعير تحمل الزاد، ونحوُ ذلك مما حصل من مواساة المسلمين لبعضهم
واستمر هذا الحال في الناس تسعة أشهر ثم تحول إلى الخصب والدعة وانتشر الناس عن المدينة إلى أماكنهم.