أكشاك الفتوى..لماذا هذا التذمر؟!
محمد خضر الشريف*
=============
الذين يمتعضون من وضع أكشاك للفتوى في محطات مترو الأنفاق.. ويبدون تذمرهم وأحيانا استهجانهم للفكرة؛ وأحيانا نقدهم الصريح لها، بل والمطالبة من البعض بإلغائها، مخطئون و”مخطئون بالثلث”..
وهم يفعلون ذلك حسب توجهات شخصية نابعة من دواخلهم تتمثل في كره الدين ليس إلا..
وكره الدين له أسبابه العديدة قد يكون سَببَه تلوثٌ قكريُّ ُتربى عليه الكاره لدين الله ، فصار شبه طبع سيئ فيه.. أو مجاراة للكارهين الدين، سيما إن كان هؤلاء رؤساءه أو مدراءه في العمل؛ حتى لا يحسب ضمن عداد المتزمتين مثلا، أو إظهار نفسه أنه رجل حيوي ومرن ومنفتح على الدنيا، وليس متقوقعا في جلباب الدين، أو ترديد “ببغائي” لما يدندن به البعض من ضرورة حبس الدين في أمور تتعلق بالمراحيض والحمامات والمساجد فقط، ولا يسمح له بأن يطل بعنقه مشاركا في حياتنا التي نعيشها، وواقعنا الذي يترجم سلوكنا واخلاقنا وقضايا عصرنا.
ما كنت أخال أن في بلد الأزهر مصر المتدينة طبعا وديانة وحضارة ارتبطت آفاقها بالدين في كل مراحلها ومراحله، منذ الأزل، أن يمتعض بعض أهلها لخدمة شيء يمس الدين وأن تشتعل المعارك عبر ” السوشيال ميديا” من قبل الكارهين للدين- وهم أهل النخبة- في ثوب كره الفكرة نفسها، مع أن القائم عليها الدولة ممثلة في الجهة المسؤولة عن الشؤون الدينية وأعني به الأزهر الشريف.
الفكرة جوهرية وهي توضح أن الأزهر ليس ببعيد عن مشاكل وهموم الناس وأنه يساهم بهذه الأكشاك التي يتناوب فيها الإجابة عن أسئلة المستفتين والمستفسرين علماؤه ودعاته الأزهريون، وليست مثلا لكل” من هب ودب “من بقية البشر؛ مما يعني أنها فكرة أيضا تحارب الفتاوى المضللة والتي ربما تنس من بعض التياارت الشاردة عن عباءة المؤسسة الدينية الرسمية الأزهرية.
الناس يستثقلون الذهاب إلى لجنة الفتوى بالأزهر مثلا او دار الإقتاء للسؤال عن أمور تمس حياتهم وأسرهم وحكم الدين فيها، فكانت هذه الأكشاك بمثابة انتقال تلك اللجنة أو دار الإفتاء إلى الناس.. وأين جل الناس إلا في محطات المترو التي تعج” بأمة لا إله إلا الله” من كل شكل ولون وشارع منطقة ومكان..
من خلال المتابعة لما يدور في هذه الأكشاك وحديث روادها تجد أن مرتاديها نهمون للفتوى ومعرفة ما يختلج في صدورهم وبيوتهم وأسرهم من أمور تحتاج إلى أن أن تقر صدورهم بما يقوله لهم الدين متمثلا في هذا الشيخ الذي يرابط في كشك الفتوى باسطا وجهه ووقته وعلمه لمن يسأل أو يستفسر.
والدليل ما يؤكده بعض رواد المترو، من المترددين والمترددات في مقابلات إعلامية : “الكشك مهم للغاية بالنسبة للعوام من المصريين، وسيوفر لهم مرجعية صحيحة في حالة الاحتياج إلى فتوى متخصصة بعيدا عن غير المؤهلين”. كما أوضح ذلك تقرير مرئي لـ” بي بي سي”.
وأكشاك الفتوى لم تكن بدعة مستحدثة في مصر، بل هي موجودة في مدن إسلامية كبرى مثل مكة والمدينة وفي المشاعر المقدسة( منى وعرفات ) لخدمة السائلين والمستفسرين الذين يجدون ضالتهم في مثل هذه الأكشاك من علماء ودعاة يؤدون واجبهم الديني تجاه الناس، ويساهمون بعلم شرعي في حل المشكلات والمعضلات ..
ولعل تصريح الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور محيى الدين عفيفى، يوضح الهدف النبيل للفكرة حيث بقول:”نعمل من خلال جهود متواصلة تصب فى إطار مجهود الدولة لقطع الطريق على غير المؤهلين للفتوى وحماية الإنسان من أى فكر متشدد”.
أيها الناقمون على الدين في صورة الأزهر، والناقمون على الأزهر في صورة أكشاك الفتوى، والناقمون على المتدينين أو المستفسرين عن شؤون الدين، والناقمون حتى أنفسهم من أنفسهم.. أربعوا على أنفسكم ولا تشككوا في خدمة جديدة ومهمة قدمها الأزهر، وشاركت فيها شركة مترو الأنفاق ، ولقيت قبولا من طوائف الشعب، وقربت المسافات، واتقوا الله فالناس كل الناس تسأل وتستفسر في جميع القنوات والفضائيات والإذاعات ومواقع التواصل، وهناك الكثير يفضل أن يسأل ” أهل الذكر” وجها لوجه في حالات تبدو مستعصية عن الحل مثل مسائل الطلاق والظهار والرضاع والميراث، وماشابه ذلك، وهي تحتاج للسؤال من صاحب أو صاحبة المشكلة وجها لوجه، ومعرفة بعض دقائق الأمور في مثل هذه المسائل لتكون الفتوى صحيحة صريحة ينبني عليها تطبيق واقعي..
الأزهر وهو جزء من مؤسسات الدولة، لم يرتكب جريمة في بث أكشاك الفتوى في محطات المترو، بل أثبت وجوده وخدم رسالته الدينية، وقدم خدماته للناس في أماكن تواجدهم، فيكيفيكم نطحا في جداره، وتشويها لصورته وهو القلعة الوسط للدين في جميع بلاد المسلمين.
**عذب الكلام!!
{أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم* ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم، ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم }
**من شعر القدماء!!
كناطح صخرة يوما ليوهنها // فلم يضرها وأوهى قرنَه الوعلُ
(الشاعر العربي الأعشى)
*نقلا عن “الجمهورية اولاين”