أوقاف لفقراء السعوديين في المهجر
عبدالله صادق دحلان*
مراجعة للتاريخ الإسلامي القديم يتضح لنا أن من أكثر مدن العالم انتشر فيها نظام الأوقاف السكنية هي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهو عمل إنساني إسلامي له بعد اجتماعي وتكافل اجتماعي بين الأغنياء والفقراء، وسبب انتشار الأوقاف الأجنبية في مكة المكرمة والمدينة المنورة هو كثرة هجرة بعض المسلمين من بعض الدول الإسلامية الغنية في العصور السابقة إلى المدن المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة والإقامة فيها والتفرغ للعلم والعبادة ثم يعود بعضهم لبلدانهم لنشر العلم فيها ويستقر البعض الآخر لتعليم المهاجرين الجدد لمكة المكرمة والمدينة المنورة ويموت البعض الآخر مجاورين للحرمين تاركين أسرهم وأبناءهم في مكة والمدينة. ودعما للعلم والعلماء أنشأ بعض الصالحين من التجار والأغنياء المسلمين أوقافا في مكة المكرمة والمدينة المنورة وأوقفت بعض تلك الأوقاف بأسماء أشخاص من جذور تابعة لدولهم، ثم عند بداية العهد السعودي تحول أولئك المجاورون المهاجرون إلى سعوديي الجنسية وبالتالي تحولت الأوقاف التي أوقفت بأسمائهم إلى نظام الأوقاف السعودية. وهذه قصة بعض أوقاف مكة المكرمة والمدينة المنورة ومنها أوقاف المغاربة والأفغان والمصريين في المدينة المنورة وفي مكة المكرمة العديد من الأوقاف ولكنها كتبت بأسماء عوائل أو أشخاص ثم انتقلت بعد وفاتهم لورثتهم، بالإضافة إلى الأوقاف التي أوقفها بعض من الأهالي على أبنائهم خوفا من ضياعها أو ضياع قيمتها بالبيع من قبل الورثة. والحقيقة لست في مكان لعرض تاريخ الأوقاف في مكة المكرمة والتي فيها أكبر وقف إسلامي في تاريخ الإسلام في العصر الحديث وهو وقف الملك عبدالعزيز للحرم المكي الشريف، ولكنني اليوم أطرح فكرة مماثلة لفلسفة أوقاف المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة على بعض المقيمين فيها. حيث أشارت إحدى الإحصائيات غير الدقيقة أن هناك حوالى مليوني سعودي يقيمون خارج وطنهم السعودية، ودون الإشارة للأسباب والظروف التي دفعتهم للعيش خارج وطنهم إلا أنها حقيقة والحقيقة الأصعب والأشد مرارة.. هي أن الظروف المعيشية لبعضهم أو بعض أبنائهم صعبة جدا وقاسية ومهينة لبعضهم بل دفعت الظروف الاقتصادية لأبناء بعضهم لممارسة أعمال غير شريفة طلبا للعيش. وهناك محاولات واجتهادات كبيرة لمساعدتهم قامت بها الدولة مشكورة من خلال سفاراتها أو قنصلياتها في الخارج، وهناك جهود جيدة للجمعية الوطنية لرعاية الأسر وأبنائها المهاجرة خارج الوطن، إلا أنها في الحقيقة جهود متواضعة أمام الاحتياج الكبير والأعداد الكبيرة التي تزداد سنويا إما بالتكاثر أو بزيادة نسب المهاجرين.
وفي غياب وزارة خاصة للمهاجرين السعوديين سواء كانت هجرة دائمة أو مؤقتة يظل الوضع أكثر صعوبة، وهو اقتراح تقدمت به منذ سنوات وأعيد طرحه لأهميته في رعاية أكثر من مليوني مواطن خارج وطنهم، وقد يستقل البعض رقم مليوني مهاجر لإنشاء وزارة لهم، وأنا أرد عليم قائلا هناك دول لها وزنها عالميا أنشئت وتلعب دورا مهما في السياسة والاقتصاد وما زال عدد مواطنيها لم يصل مليون نسمة.
إن طلبي اليوم هو إنشاء وزارة خاصة للمهاجرين السعوديين، وفكرتي هي إنشاء أوقاف للحرمين الشريفين في بعض الدول الإسلامية والعربية التي يوجد بها مهاجرون سعوديون تسهم هذه الأوقاف في تقديم المساعدة للمهاجرين السعوديين وعلى وجه الخصوص الفقراء خارج وطنهم، ومنها تقديم المساعدة في التعليم المجاني والعلاج المجاني والإسكان لمن لا سكن لهم وتأهيل القادرين والمؤهلين للعودة والعمل في وطنهم أو العمل في أوطان الهجرة.
وأقترح أن تقوم ثلاث جهات بتبني إنشاء هذه الأقاف أولاها مصلحة الزكاة، والثانية الضمان الاجتماعي والثالثة وزارة الأوقاف السعودية على أن تنشأ هيئة خاصة للأوقاف خارج المملكة وبدعم الحكومة السعودية توجه خدماتها لرعاية المهاجرين السعوديين خارج وطنهم والمحتاجين منهم وهم في أمس الحاجة لمن يرعاهم ويلبي احتياجاتهم ويرعى الأبناء والأسر الذين لا معيل لهم بعد أن توفي أولياء أمورهم.
وكما تشير بعض الإحصائيات فإن أكبر جالية سعودية خارج وطنها تعيش في جمهورية مصر العربية والتي تصل إلى حوالى مليون مهاجر مقيم إقامة دائمة أو شبه دائمة من الجيل الأول إلى الجيل الثالث والرابع ورغم دعم صندوق الجالية السعودية في السفارة السعودية لهم إلا أن الاحتياج أكبر بأضعاف والظروف المعيشية للمهاجرين السعوديين في أمس الحاجة لمزيد من الدعم.
آمل أن تحظى الجالية السعودية خارج وطنها بدعم فكرة الأوقاف لمساعدتهم ونعيد للذاكرة المسلمين التجار الأوائل من الهند وإندونيسيا والمغرب ومصر الذين أوقفوا العديد من العقارات في مكة المكرمة والمدينة المنورة للمهاجرين منهم فيها بجوار الحرمين ولم يبخلوا على أوقافهم لا بالقيمة ولا بالموقع. علما بأنه وصل التعويض لبعض الأوقاف آلاف الملايين استفاد منها الورثة وورثة الورثة الموقوف عليهم العقار.
- نقلا عن”عكاظ”