مقالات

تذكرة العودة

بقلم – طارق العريدي:

في زمنٍ تتسارع فيه الوجوه، وتتبدّل الأماكن، وتزدحم المطارات برحلاتٍ لا تنتهي، تبقى “تذكرة العودة” أكثر من مجرد ورقةٍ تحدد موعدًا ووجهةً للرحيل.
إنها رمزٌ للحنين والانتماء، ولحظةٌ صادقة نستعيد فيها شيئًا من أنفسنا التي غابت وسط الزحام.
ففي كل مرةٍ نحمل فيها تذكرة عودة، هناك قصة تبدأ، ومشاعر تنضج، وذاكرة تستيقظ من سباتها الطويل.

فتذكرة العودة ليست مجرد نهاية رحلة، بل عبور نحو لحظةٍ تجمع بين الماضي والحاضر، بين من كنّا ومن أصبحنا.
فمن المسافرين من يراها وعدًا باللقاء، ومنهم من يقرؤها كخيط أملٍ بعد رحلة بحثٍ طويلة، ومنهم من يراها بوابةً لسلامٍ داخليٍّ بعد غربةٍ طالت أكثر مما ينبغي.
إنها ليست عودة إلى مكانٍ فحسب، بل عودة إلى الذات، إلى الطمأنينة التي نفتقدها في ضجيج المدن وتسارع الأيام.

كم من مرةٍ كانت العودة إلى مقعدٍ بسيط في بيتٍ قديم، أو إلى شارعٍ يحمل عبق الطفولة، أعظم من كل رحلات العالم رفاهيةً وبريقًا!
إنها العودة التي تذكّرنا أن الدفء لا يُقاس بالمسافات، بل بالشعور، وأن الوطن الحقيقي ليس جغرافيا نعيش فيها، بل إحساس يسكننا مهما ابتعدنا.

وفي عالمٍ يزداد صخبًا يوماً بعد يوم، ربما نحتاج جميعًا إلى “تذكرة عودة” من نوعٍ آخر —
عودةٍ إلى البساطة، إلى القيم الأولى، إلى إنسانيتنا التي أرهقتها السرعة وتفاصيل الحياة الحديثة.
فبعض التذاكر لا تُقطع من المطارات، ولا تُختم بجواز سفر، بل تُحجز من أعماق القلب.

إن “تذكرة العودة” ليست مجرد رحلةٍ نحو المكان الذي غادرناه، بل هي رحلةٌ نحو ما تبقّى فينا من صدقٍ وحنين، نحو تلك النسخة البريئة التي فقدناها ونحن نركض خلف العالم.
فحين نحملها، نحمل معها ذاكرتنا، وحكاياتنا، وصوتًا خافتًا في الداخل يقول:
عد، فهنا تبدأ الحياة من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى