مقارنة بين مصر والصين.. والبون شاسع
بقلم – الشيخ صالح كامل*
ولما كنت قد وعدتُ في مقالتي السابقة، بعقد عدد من المقارنات بين الصين وبين العزيزة مصر.. بحكم تواجدي في رحلة علاجية وعلي ضوء مشاهداتي اليومية، فها أنا أكتب هذا المقال التزاماً بوعدي..
وإن كنت أريده مقالاً وداعياً لقارئي العزيز..
هنا في الصين، عدد الموظفين الحكوميين هو : سبعة ملايين موظف، بينما عدد السكان كما هو معروف يزيد علي المليار ونصف المليار نسمة.. في مصر عدد السكان حوالي مائة مليون نسمة، ولكن عدد الموظفين الحكوميين هو أيضاً سبعة ملايين موظف !! وهذا يعني أن نسبة التوظيف الحكومي في مصر تزيد علي الصين بواقع خمسة عشر ضعفاً. مع الأخذ في الاعتبار نوعية الخدمات الشاملة التي يقدمها الموظف الصيني، دون رشوة. وهي خاليةٌ من وسم الفساد. حيث إن هذه المقارنةُ تُؤكدْ دائماً أن الكثرة لا تعني الجودة في الأداء العملي، بل قد تُحدث علي العكس من ذلك ما يسبب ويقود إلي انشغال هؤلاء الموظفين الكُثر ببعضهم البعض دون العمل المطلوب، بل ونسيانهم في غمرة هذا التنافس المحموم علي المراتب والحوافز والبدلات، لما هو متوجب عليهم في شأن خدمة الناس، وفي النهاية سيقود الأمر إلي اتخاذ الوظيفة » سبوبة » للاسترزاق من الناس.
هنا في الصين : أعلي المرتبات تعطي للقاضي حرصاً علي توخي العدل، وللمعلّم رغبةً في بناء الأجيال علي أحسن وأكرم منوال. ثم للطبيب والممرضين، حفاظاً علي صحة الناس وسلامتهم حتي تنمو الأجيال قويةً قادرةً علي نماء الإنتاج الوطني.
فهل هذا يحدث بهذه الأولويات وهذا الترتيب في مصر وفي عالمنا العربي ؟! لا أظن طبعاً.
المرور هنا في الصين، لا اقول كم هو منظم وكم هم الناس ملتزمون بقواعده وأدابه، بل سأقول لكم سبباً واحداً قد تعجبون له:
الطبيب الذي يعالجني وهو من أعلي الناس دخلاً في الصين حسبما ذكرت، متقدم لشراء سيارة خاصة به منذ عام 2011 وإلي الآن لم يسعده الحظ كي يفوز في هذا اليانصيب. بينما نحن في مصر وفي عالمنا العربي يسارع كل من لديه المقدرة أو ليست لديه، علي شراء سيارة، حتي غدا كل فرد في الشقة الواحدة يملك سيارة.. وقد تكون الشقة مؤجرة غالباً.
في الصين السيارات ذات الأرقام الفردية يحق لها السير في شوارع بكين يوماً، وذات الأرقام الزوجية يوماً آخر، وهكذا هذه يوم وتلك آخر. وهذه المسألة وحدها قضت علي نصف حجم الازدحام في منطقة بكين التي يبلغ عدد سكانها نحو خمسين مليون نسمة.. وهذا الأمر دفع صاحب الرقم الفردي، للتعرف والتعاون مع صاحب الرقم الزوجي لاصطحابه في الذهاب والعودة من العمل.
هل هذا الأمر قابل للتطبيق في مصر ؟!
هل جندي المرور يقدر علي الصمود في وجه مغريات الشارع ورغبات المخالفين، ليطبق النظام هذا كما ينبغي؟! أشكّ، خاصةً إذا علمنا حجم مرتبه الضئيل والذي لا يساعده علي المقاومة أو رفض الإغراءات مهما كانت ضئيلة.
لقد اعتقدت الحكومة المصرية منذ الخمسينيات أنها وحدها المسئولة عن تعيين كل الشعب، ففتحت أبواب الفساد علي مصاريعها، حين تساوي الناس في الفقر.. إلا من رحم ربك ورضي عنه النظام..
المقارنات للأسف لن تنتهي.. ولكنني شارفت مرغماً علي الانتهاء من مقالي الأخير لصحيفة الأخبار العزيزة.. فقد بلغت من العمر عتياً وماعادت صحتي تسمح لي بذلك الاستمرار، فالالتزام بمقال أو مقالين في الأسبوع أمرٌ مرهق، زاد من وطأته ما يشوب الساحة الإعلامية في عالمنا العربي من خلافات بلغت حدّ التناحر، وماعاد الودُّ إلا مُفسَداً بسبب كل خلافٍ في أي قضية.. ولكنني سأحاول ما استطعت التحدث في الشأن الاجتماعي عبر برنامجي السوق في قناة » إقرأ » الفضائية الوسطية والتي ليس لأحد غير الله رقابة عليها ثم الضمير.. الذي أخشي عليه من الوسائل الورقية.
أستودعكم الله أحبتي القراء.
- نقلا عن الأخبار المصرية