الروح تبي الأرواح

بقلم – محمد البكر :
في زوايا كثير من الأحياء ، تعيش نساء كبيرات في السن وقد تراجعت حولهن دوائر الحياة ، بعدما كبر الأبناء وانشغل الجيران وتغيّرت الوتيرة . تجلس إحداهن أمام نافذة مجلسها ، تراقب المارة بصمت ، وأخرى تقلب ذكرياتها القديمة ، تحمل هاتف لا يرنْ ، وبداخل كل واحدة منهن قلب نابض بالحياة ، وذاكرة عامرة بالحكايات ، وعطاء لم ينفد بعد .
فكرت كثيراً حول ما يمكن تقديمة لهن ، بعد أن تقدم بهن العمر . وحينها تذكرت السيدة الفاضلة نعيمة الزامل ” أم تمام ” . وهي بالمناسبة شقيقة الصديق العزيز فقيدنا الغالي نجيب الزامل يرحمه الله .
أم تمام كانت ولا زالت ، لها بصمات على مشاريع كثيرة تبنتها في هذا المجال من خلال جمعية ” ود ” التي ترأس مجلس إدارتها . خاصة في مجال رعاية كبار السن من النساء في أحياء الثقبة والخبر الجنوبية والإسكان . وكان من بين المشاريع التي تبنتها الجمعية مبادرة ” نادي أهالينا لكبيرات السن “. والتي تحمل عدة برامج مفيدة لتلك الفئة الغالية علينا ، مثل ديوانية الأثنينية ، والتي تقام يوم الأثنين مرتين في الشهر بحضور 45 سيدة . وبرنامج ” ونس ” حيث تنظم الجمعية زيارة لمن لم تتمكن من الحضور. ناهيكم عن برامج ترفيهية وتثقيفية ، حصلت الجمعية من خلالها على جائزة ” الأميرة صيته ” في الرياض .
هو خليط بين الترفيه لكسر الملل والرتابة ، وبين بث روح النشاط فيهن ، وإشراكهن في أنشطة تثبت أنهن لا يزلن قادرات على العطاء . فهناك جلسات للحرف اليدوية ، وتبادل الوصفات الشعبية ، أو حفظ القصار من السور . حيث ساهمت تلك البرامج في تحسين مستواهن التفسي والإقتصادي ، بعد مشاركتهن في ورش لتجهيز البهارات والحناء والعديد من المنتوجات الشعبية . كما تركت في نفوسهن مساحة من الفرح والسعادة ، وكسرت عزلتهن من خلال تكوين صداقات فيما بينهن ، عند خروجهن في رحلات ترفيهية جماعية . ومشاركتهن في الأيام الوطنية .
الأمر وإن كان بحاجة إلى دعم ، فهو أيضاً يحتاج وعياً ، وإلى روح احتواءِ ومحبة . فقد تكون هذه البرامج سبباً في إسعاد امرأة قضت جُلّ عمرها في تعب الأمومة وصمت السنوات الأخيرة .
بين جمعية ” ود ” ، وشغف رئيستها ” أم تمام ” ، وحماس مساعداتها من المتطوعات ، يظهر لنا نموذجاً يستحق أن يحتذى به في كل حي من أحياء مدننا ، بغض النظر عن المستوى المعيشي للسيدات من كبار السن . فالحاجة العاطفية لهن لا تفرق بين غنية وفقيرة . فهل من الصعب جعل كل حي يحتضن كبيراته !؟ ألسنا أحقّ بتكريم أمهاتنا في حياتهن ، بدلاً من تركهن في غرف منزوية من بيوتنا ، أو في ركنٍ شبه مهجورٍ من دار المسنين !؟
لعل في ديوانية ” أهالينا ” من البر ، ما يفتح باباً من أبواب السماء . جزاك الله خيراً أم تمام . ولكم تحياتي




