مقالات

” تحت الحزام”.. بين أسيوط وغزة .. المسافة أطفال !!

%d8%ae%d8%b6%d8%b1

   محمد خضر الشريف *

الرجل الصعيدي- ابن أسيوط- ذو اللون الأسمر، فقد أربعة من أولاده من حفظة كتاب الله، ومعهم ابن أخيه، في حادثة القطار المشئوم ، لم يكن جزعا وهو يحكي مأساة أولاده، كان ثابتا صابرا محتسبا لسانه ينطق بكلمات الحمد لله على كل حال والشكر لله وإنا لله وإنا إليه راجعون يدل على أن قلبه مفعم بالإيمان ومطمئن بقدر الله له.

الرجل الآخر الغزاوي- ابن غزة- لم أقدر أن أعرف موفقه وهو يفقد أبناءه الأربعة ومعهم أمهم أيضا .. تدرون لماذا ؟ لأنه هو نفسه مات معهم في صاروخ إسرائيلي غاشم اقتلع الأسرة كلها من جذورها وساواها ببيتهم الذي يقطنونه بالأرض التي أصبحت قاعا صفصفا؟؟
المسافة بين أسيوط وغزة ليست بعيدة بل هي قصيرة جدا أنا أعتبرها “أطفال”.
الإهمال الذي صاحب كارثة قطار أسيوط هو صورة مصغرة من الإهمال الذي صاحب كارثة غزة، لأن عامل المزلقان الذي لم يغلق السكة أمام القطار الهائج على قضبانه، هو نفسه عامل المزلقان العربي الذي لم يعط إشارة إقفال السكة أمام القطار الإسرائيلي الهائج لكن بدون أن يلتزم بالقضبان.
مشاكل السكك الحديدية التي تراكمت عبر عهود مضت هي صورة مصغرة من مشاكل المنطقة العربية كلها عبر عهود أيضا مضت، ولا يمكن أن نصنع في مصر بلدا بدون حوادث أو كوارث وكذلك لن نقدر أن نصنع في غزة بلدا بدون حوادث أو كوارث مادامت إسرائيل قابعة على الأرض جاثمة على الصدور تمارس إرهابها المنظم والذي يقره ويشجعه أولو العزم من الدول الكبرى والهيئات العالمية التي بيدها أن توقف نزيف الدم في غزة وتطفي حمم النيران في سمائها.
الابن في غزة يسأل أمه وهو يرى حمم النيران فوق سماء بيته وأصوات الغارات الطيارة ترج المنطقة رجا:” أمي … متى نموت”؟!
الابن في أسيوط يسأل أمه وهو خارج إلى مدرسته أو معهده: “أستودعك الله يا أمي قد أموت”؟
الابن في غزة يموت في اليوم مرة ومرة ومائة مرة من أزيز الطائرات ودوي المدافع وأصوات الرصاص.
الابن في أسيوط يموت مرة ومرة خوفا من الموت المفاجئ الذي يأتيه مرة واحدة دون إنذار من الطائرات أو من الدبابات أو الرشاشات.
الابن هنا وهناك ميت حي أو حي ميت لـأن القائمين على شئونه كأهل الكهف أحياء في صورة أموات.
العامل المشترك بين كارثة غزة وكارثة أسيوط وكوارث أخرى هو الإهمال.. أقترح عليكم أن تشنقوا الإهمال وتعطوا القائمين عليه الحكم بالبراءة!!

* نقلا عن  صحيفة “الوفد”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى