مقالات

مرحى للعوام لا للنخبجية!!

إحسان الفقيه *

قالوا: كتاباتك يقبلها من أسموهم بـ “العوام”، لكنها لن تلامس اهتمامات النخبة والصفوة.
قلت: مرحى بـ”العوام” ما أجملهم ،ومرحى بالبسطاء ما أقربهم من قلبي، ومرحى بالمساكين هم زادي وزوّادتي.. مداد قلمي ووقود ثورة المفردات والتراكيب.
شرف لي أن يكون هؤلاء هم جمهوري.. هم مني وأنا منهم، بهم بدأت ومعهم كبُرت وبإخلاصهم نهضتّ بعد كلّ تعثّر، ومن أجلهم لا زلت أكتب بتلك الثقة الوقور والمحبّة الخالصة التي تُشقيكم.
ماذا عساي أن أفعل بالصفوة والنخب؟
هل هو قدرٌ محتومٌ على أصحاب الكلمة أن يخاطبوا أنفسهم بمنتدياتهم هم؟
بملتقياتهم هم؟ بمواقعهم هم؟ للتحدّث عن انفصاماتهم وتناقضاتهم هم؟
أو للإشارة إلى مواقفهم المُخزية أو انسلاخهم عن واقع ما هم عليه؟
أين الاستيعاب عند نُخب بلادي؟
في كعوب أحذية المتثاقفات الليبراليات أم في نراجيل الباحثات عن الحرية في تطبيق بنود (سيداو)؟
أم في ياقات قمصان ليبراليين قطّرها الخمر أو أحمر الشفاه أو جمر السجائر أو الكذب؟
أين الانفتاح على الآخر؟
هل المسلم الذي يصلّي خمسه ويصون عرضه ولا يشارك في مهرجانات المجون خاصّتكم هو من ضمن (الآخر) الذي عن حقّه في التعبير تدافعون؟
قالوا: (يا إحسان.. كيف تطلبين منا اعتبار الظلاميين (المتديّنين) جزءًا من الآخر الذي يجب أن ننفتح عليه؟ هؤلاء لا فائدة منهم؛ يعيشون بكهوف الماضي، ويسمعون صدى أصواتهم وحدهم في الوديان البعيدة).
وكأني أسمعهم يُكملون: ( يا إحسان.. نحن ننفتح على أي أقلية في العالم، ونحترم طقوس أي قوم في العالم، وندافع عن رموز وعادات وعبادات (غراب البين لو سكن بيننا)، أما إن عاش بعضنا بين آخرين بعيدين كأقليّة، فواجب على (الغريب منا يكون أديبًا)، (لا ضيفًا حاملًا سيفًا)، ولا يحقّ لنا أن ننتصر لأي مسلم على الأرض؛ إلا إن كان ليبراليًا أو لا إسلاميًا أو لا دينيًا أو ينادي بالتعرّي وحرية الوصول إلى النساء).
من هنا أتساءل: من لهذه القطاعات العريضة المُتعطّشة لأن تسطع الأقلام على مرآها بالحقيقة؟
من لتلك السيدة التي غرق طفلها ببرميل يوم أن حظيت قريتهم بماء البلدية مرّتين بالأسبوع، فقررت أن تُسعد صغيرها بمسبح عامودي لم تدرِ أنه موصول بمقبرة خاصة بالأشقياء؟
من لبيّاع التين اليابس الذي فَقَد إحدى عينيه وهو يُقنّب شجرة لوزٍ فقرر أن يعاقب ثمار الأرض ببيعها جافّة؟
من للعم ربيع بائع الخضرة في جبل حياديّ منسيّ في عاصمة تضمّ أشرار الدنيا، وقد أرسل آخر قسط لابنه الذي يدرس الطب في أوكرانيا وهو لا يملك تأمينًا أو كشفية لزيارة أخصّائي أوجاع الرّكبتين؟
من لأولئك الذين يستيقظون باكرًا (قبل العصافير) كي لا يسبقهم إلى العذاب أحد؟
دعوني وهؤلاء “العوام” هم يفهمون لغتي ويدركون كم أجيد الضحك وقلبي مفتون بالبكاء.
يا هؤلاء.. لم أتخرج من مدرسة فلان الكاتب، ولم ألزم مدرسة فلان السياسي، ولا أحاكي أسلوب فلانة الأديبة؛ إنما قلمي ابن الوجع، يُضيء الضروريّ والممكن دون تقليد أو تبعية، صنعته هموم المسلمين ومعاناة البؤساء المقهورين ببلادي أنا.. لا ببلاد تتابع نشرات الموت الإخبارية والإحصائيات فيها (هيئات وجمعيات ومؤسسات) تعمل على تقسيم المهامّ ما بين تجار السلاح ومراكز تصنيع ثلاجات الموتى ومُنظّمي المؤتمرات وأصحاب الفنادق والورّاقين وبياعي الكلام ….
=====
*كاتبة أردنية  متخصصة في الشأن الإسلامي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى