ثقافة

“لغويات”.. لاتقل: “كل سنة وأنت طيب”.. فـ”السنة” للقحط و”العام” للخير

حسن مغازي حسن

د.جسن مغازي *

أقف معكم في بعض الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الكثير حتى من المتخصصين من أهل اللغة وقد اخترت لكم نفتا من هذه كما جاء في محتوى الصفحات 65/70 فى كتابنا(تصحيح ألف خطأ وخطيئة)المنشور فى( دار غراب للنشر والتوزيع)
(67)يذمك من(يهنئك)قائلا:
(كل)(سنة)وأنت طيب
والصواب:
كل(عام)وأنت طيب
والخطأ هنا خطأ رباعى؛ فأولا فى مقام التهنئة، وتمنى الخير لا يصح عقلا استخدام الكلمة(سنة)، وهى معجميا تدل على ذلك الوقت المعروف لها حين يمر العيش فيه بشظف، وجفاف، ومجاعة، وما سياق سورة يوسف فيها ببعيد؛ يقول ربنا:
قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ(47)ثُمَّ يَأْتى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ
أما حين يمر الوقت نفسه فى حال رخاء، وتمام نعمة فإن معجمنا يستخدم الكلمة(عام)، وعلى مد الذراع منا قول ربنا:
ثمَّ يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ
لذلك يعد من الذم تهنئتك بمرور(وقت الشدة)، وهو(السنة)، وإمعانا فى الفحص تعال ـ قارئى العزيز ـ ننظر معا فى(جميع)استخدامات القرآن فى الجذر اللغوى للكلمة(سنة)؛ لتجدها جميعا فى(الشر)إن من ربنا عليك بفتح البصيرة:
فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ
أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى الْأَرْضِ
فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً
فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
فَلَبِثَ فِى السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا
فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ
وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ
لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ
سَيَغْلِبُونَ فِى بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِى الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ
فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِى الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا
ولبثوا فِى كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا
أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِين ثم جاء ما كانوا يوعدونَ
يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ
وإمعانا فى الفحص أيضا هنا تعال أيضا ـ قارئى العزيز ـ ننظر معا فى(جميع)استخدامات القرآن فى الجذر اللغوى للكلمة(عام)؛ لتجدها جميعا فى الخير إن من ربنا عليك بفتح البصيرة:
إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا
فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ
قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ
يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا
يُفْتَنُونَ فِى كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ
ولا يفوتنى هنا أيضا أن أتذكر معك ـ قارئى العزيز ـ استخدامين اثنين شهيرين عن العرب للكلمة(عام):
أولهما:
(عام الحزن)
وهو(العام)الذى توفى فيه كل من أمنا(خديجة)، و(أبوطالب)عم نبينا الخاتم ـ اللهم صل لى عليه، وسلم لى عليه ـ وهو وقت(خير)للدعوة؛ حتى لا يظن ظان أن نصرة الدعوة كان بأموال أمنا(خديجة)، أو بجاه(أبى طالب).
ثم إنهم(أفصح)من أن يقولوا:
سنة الحزن
فهم يتحاشون ـ حسب القاعدة النحوية ـ إضافة الاسم إلى معناه.
والاستخدام الآخر:
(عام الرمادة)
وهو(العام)الذى وقف فيه الفاروق ـ رضى الله عنه ـ حد السرقة بسبب(مجاعة مؤقتة)، وقد كان(وقت خير)لأمتنا، تعلمنا فيه على الأقل أن الفقه فقه الواقع، وليس تطبيق النص حرفيا فى أى واقع، ثم إنهم(أفصح)من أن يقولوا:
سنة الرمادة
فهم يتحاشون ـ حسب القاعدة النحوية ـ إضافة الاسم إلى معناه.

والخطأ الثانى فى هذا التركيب أن بعضهم يرفع(كل)، يظنها فى وظيفة الابتداء، وللأسف الشديد وقع فى هذى(الخطيئة)عدد ممن نعدهم من(الكبار)أفرادا، ومؤسسات رسمية معنية؛ فالحديث فى التركيب ليس مقصودا به على الإطلاق مرور الزمن؛ كله، أو بعضه، وإلا فلو كان الأمر كذلك لقيل مثلا:
كل عام فيه صيف، وشتاء
إنما المقصود التهنئة بقولهم:
أنتم بخير
ذلك هو التركيب المقصود، ومعلوم تحليله نحويا على الابتداء، وخبره شبه الجملة ثم يتم تعميم(الزمن)الذى نرجو فيه تحقيق ذلك الخير بأن يحدث(كلما)مر عام، وهذا يعنى أن قولنا(كل عام)هو الحيز الزمنى لذلك الخير، ومن ثم(وجب) (حتما)، و(ضرورة)(انتصاب) الكلمة(كل)نائبة عن ظرف الزمان؛ بحكم إضافتها إلى ذلك الاسم الدال على الزمان، وهو (عام).
يمكنك ـ قارئى العزيز ـ بكل موضوعية أن تقيس هذا التركيب نحويا على قول الحق:
كل يوم هو فى شأن
ففى التركيب، وكذلك فى الآية تجد المكونات:
(كل)مضافة إلى اسم دال على زمن، ثم مبتدأ، ثم خبر شبه جملة
وإمعانا فى الفحص راجعت جميع القراءات الواردة فى الآية الكريمة، فلم أعثر على الإطلاق على أية قراءة وردت برفع(كل)؛ غير متصور على الإطلاق رفع ذلك الاسم فى ذلك الموضع عند أى ناطق بالعربية لديه أدنى حس، أو أقل إدراك بالوظيفة النحوية فى الجملة العربية؛ إنما يحدث ذلك من(صبية)التعلم، حين يتصورون أن كل اسم ورد فى بدء الكلام وجب رفعه على الابتداء، ذلك لأن أولئك(الصبية)لم يتعلموا بعد شروط النحويين فى الصيغة التى تحل فى تلك الوظيفة، ومنها أن تكون معرفة، أو أن تكون نكرة(مسوغة)، وإذا استعرضت(مسوغات الابتداء بالنكرة)فلن تجد واحدا منها هنا.
فإذا تعديت وظيفة الابتداء فلن تجد فى بقية التركيب ما يمكن أن يكون(خبرا)له؛ فشرطهم الأهم فى الخبر(الجملة، وشبه الجملة)وجود رابط بينها وبين المبتدأ، ولن تجد بين الجملة(أنتم بخير)وما قبلها أى رابط، لا لفظى، ولا معنوى.

والخطأ الثالث فى هذا التركيب أن عددا من(المتحذلقين)يظن نفسه(عالما)، ثم يرى نفسه لا يعرف لـ(الواو)التى بعد(كل عام)وظيفة، أو قل هو لا يستطيع تحديد صنفها من بين صنوف(الواو)فى العربية، فتراه(يفتى)بحذف تلك(الواو)قائلا:
كل عام(…)أنتم بخير
وتلك آفة العلم، أن ترى نفسك فيه(كبيرا)، وتظن نفسك لا تحتاج إلى سؤال، وتحسب نفسك(قد عرفت)كل شىء، على حين ألفباء النحو تعلم الصبية لـ(الواو)فى العربية بضعة عشر صنفا، وهو(لم يعرف)منها سوى صنف، أو صنفين، فلم يستسغ كونها عاطفة، وهو على حق، ولم يستسغ كونها(واو الحال)، وهو أيضا على حق، ومن ثم يحكم بإزالة تلك(الواو)، وهو فى ذلك على باطل كبير، يحفه الجهل، ويملأه الكبر؛ فصنف تلك(الواو)فى العربية أنها(واو تحلية النطق)؛ فمن دونها تجد نطقك عسرا، معاظلا، كأنك تركب جحشا جموحا غير مروض، وفى نطق تلك(الواو)تستريح نفسك، كأنك على صهوة فرس، أحسن سائسها ترويضها؛ انظر إلى(تشريحنا)ذلك النطق من دون تلك(الواو):
كل(عا/من/أن/تم)بخير
لدينا أربع وقفات متتاليات؛ كل منها نصنفه(سببا خفيفا)فى(علم النغم)، ونصنفه(مقطعا)فى(علم الأصوات)، ومن البدائه الصوتية أن العربية
تأبى توالى أكثر من مثلين
لذلك اجتلبت العربية بعد(الوقفتين الأوليين)تلك(الواو)المتحركة بالفتح؛ لتفصل بها بين تلك الوقفات المتتاليات؛ فيتحول بها التركيب من نطق مستكره معاظل إلى نطق منسجم رائق.

والخطأ الرابع أن عددا من(مجاملى)أولئك(المتحذلقين)يحاولون طريقا لجعل حذفهم(الواو)صحيحا، فيلحقون(أل)بـ(عام)؛ ليصير عندهم التركيب:
كل(العام)أنتم(الخير)
ويشكو السابقون دوما من(ثالثة الأثافى)، لكن هذا لا يكفينا؛ فلدينا لأول مرة(رابعة الأثافى)هنا، لقد حولوا بخطيئتهم تلك دلالة التركيب من(استمرار)دائما إلى حدث فى ذلك(العام)فقط، وهذا يعنى لدينا(بمفهوم المخالفة)أنهم يدعون عليك ـ قارئى العزيز أعاذك ربنا منهم ـ بأنك عندهم فى غير ذلك(العام)مصاب بكل شر؛ كأنهم قالوا: فى غير هذا(العام)أنتم الشر!

*أستاذ النحو والصرف – جامعة جنوب الوادي-مصر
كل عام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى