ثقافة

قراءة في كتاب : “التصحيف في أسماء المواضع الواردة في الأخبار والأشعار”

الرياض – واس :


إعداد: مسعود المسردي.
احتوى كتاب “التصحيف في أسماء المواضع الواردة في الأخبار والأشعار” على مجموعة من البحوث التي كان ينشرها الشيخ: “حمد الجاسر” -رحمه الله-، مسلسلة في (مجلة العرب)، وهو أحد أهم الكتب الأخيرة التي أنجزها قبيل رحيله، ويلقي فيه الضوء على كثير من أسماء المواضع التي وردت في كتب البلدان وطالها التصحيف، محاولاً تنقيتها مما اعتراها من تحريف لحقها على مدى الأيام لأسباب كثيرة ناقشها بأسلوب علمي رصين.
ويقع هذا الكتاب الصادر من “المجمع الثقافي” بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة في 260 صفحة تحتوي على تقديم ومقدمة و 144 موضعاً مصحّفاً رتّبها المؤلف ترتيباً هجائياً من حرف الألف إلى حرف الياء.
ويشير المؤلف إلى أنه عني منذ عهد متقدّم بالبحث في تحديد الأمكنة والمناهل والجبال، ونشرت له بعض المقالات في ستينيات القرن الهجري المنصرم في “جريدة أم القرى”، وفي غيرها من الصحف، وهي محاولات أولى ما كانت قائمة إلاّ على مجرد المطالعة دون التعمق في البحث، ومعروف أن تحديد الأمكنة لا يقتصر على ما في المؤلفات، بل ينبغي أن تطبق تلك الأقوال على المشاهدة.
وذكر أنّ رغبته اشتدت في مواصلة البحث بعد أن طلبت منه “وزارة الإعلام” تأليف معجم جغرافي شامل لما في جميع مناطق المملكة من أمكنة مأهولة ومواضع مشهورة في كتب الأخبار والأشعار.
وبيّن أنه دعا العديد من الباحثين للمشاركة في هذا المشروع, فاستجاب بعضهم، وكانت الحصيلة جمع ما يقرب من 20 مجلداً في أجزاء متفرقة باسم “المعجم الجغرافي السعودي”، بعد أن تمكن هو ومن معه من التجوّل في جميع مناطق المملكة؛ محاولين تطبيق نصوص المتقدمين على ما يشاهدونه من المواضع.
واتّضح للمؤلف أن كثيراً من المواضع الجغرافية لا يزال يحتفظ باسمه القديم، وبعضها يحتفظ باسم قريب من الاسم القديم، ولكنه وقع مصحّفاً أو محرّفاً، ومما حيّره أسماء الأعلام البارزة التي وقع فيها الاختلاف بين أسمائها الحاضرة وما يعتقدون أنه اسمها القديم، ولا يجد تعليلاً لذلك سوى أن العامة حاولت أن تقرّب معنى الاسم لأذهانها فغيّرته كما في مثل: (أسنان بلالة) و (ثنايا بلالة) في طريق الخرج، و (يجودة) (وجودة)، و (ينوفي) و (نوف) وأسماء أخرى، وهناك من الأسماء ما غيّرته العامة تغييراً تاماً مثل: اسم (يذبل) المسمى الآن بجبل (صبحا)، أما التحريف الناشيء عن اختلاف اللهجة مثل: (الرقم) و (الرقب) ونحو هذا فهو كثير.
ويشير المؤلف أن أول من حاول أن يضبط الأسماء باللفظ العالم المشهور “عبدالله بن عبدالعزيز البكري الأندلسي” المتوفى سنة 487 في كتابه: “معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع”، وهو أحفل كتاب وأشمله في موضوعه، ثم من بعده علماء المشرق أمثال: “نصر بن عبدالرحمن الفزاري الإسكندري” المتوفى سنة 561 تقريباً وكتابه لايزال مخطوطاً، و “الحازمي”، المتوفي سنة 584 الذي لخص كتاب “نصر” في مؤلف أسماه: “الأماكن”، وكتابا نصر والحازمي من أهم مصادر (ياقوت) في “معجم البلدان”، أما “معجم ما استعجم” فلم يطّلع عليه كما صرّح بذلك، وما أورد من نقل عنه فبالواسطة، ومع ذلك فهذه الكتب الـ 3 ألّفت في عصر متأخر عن زمن أولئك العلماء الذين تلقوا النصوص من مصادرها الأولى ودونوها في أوائل القرن الثالث، ولكنهم نقلوها عن كتب اعتراها التصحيف والتحريف أو عن رواة فيهم من لا يوثق بروايته.
وينبّه المؤلف إلى أنه لم ير من أفرد كتاباً خاصّاً عن التحريف في أسماء المواضع، لأن هذا يتطلب اطّلاعاً واسعاً ودراسة شاملة، لما ورد في جميع المؤلفات العامة؛ لاشتمالها على كثير من أسماء المواضع والأمكنة الواردة في الشعر العربي القديم وفي أخبار العرب وتاريخهم في مختلف العصور وفي كتب الحديث، كما يتطلب معرفة تامة بالأمكنة في مختلف الأقطار العربية، وكل هذا مما يقصر عن إدراكه والإحاطة به طاقة أي إنسان مهما أوتي من العلم وسعة المعرفة.
ومن الأمكنة التي طالها التصحيف وذكرها المؤلف في هذا الكتاب على سبيل المثال لا الحصر: (توازن) والصواب (توارن)، و (جاس) والصواب (جاش)، و (حصير) لا (حضير)، و (حيران) والصواب (حبران)، و (دجلة) والصواب (رجلة)، و (ذمون) و الصواب (دمون)، و (الشراة) مصحّفة من (السّراة)، و (ضابن) والمقصود (الضائن)، و (ظريب) والصواب (طريب)، وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى