برئاسة جلالة ملك مملكة البحرين .. أعمال القمة العربية الثالثة والثلاثين تنطلق في مملكة البحرين
المنامة – جمال الياقوت :
بدأت في قصر الصخير اليوم، أعمال القمة العربية العادية في دورتها الثالثة والثلاثين، برئاسة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه.
وترأس وفد مملكة البحرين إلى القمة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله.
وقد بدأت أعمال القمة بتلاوة عطرة من القرآن الكريم، ثم كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية الشقيقة، حفظه الله ورعاه، رئيس الدورة الثانية والثلاثين للقمة العربية، ألقاها بالنيابة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله.
وفيما يلي نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو
معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية
الحضور الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنقل لكم تحيات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – وتمنياته لهذه القمة بالتوفيق والنجاح.
ويطيب لنا أن نعرب عن شكرنا وتقديرنا لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين الشقيقة على ما لقيناه من حفاوة استقبال وكرم ضيافة.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو:
لقد أولت المملكة العربية السعودية خلال رئاستها للدورة الثانية والثلاثين اهتماماً بالغاً بالقضايا العربية وتطوير العمل العربي المشترك، وحرصت على بلورة مواقف مشتركة تجاه القضايا الإقليمية والدولية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث استضافت المملكة القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وصدر عنها قرار جماعي تضمن إدانة هذا العدوان ورفض تبريره تحت أي ذريعة وتشكلت إثر ذلك في تلك القمة لجنة عربية إسلامية مشتركة من وزراء الخارجية لبدء تحرك دولي فوري باسم جميع الدول الأعضاء لوقف الحرب على غزة.
وقد أطلقت المملكة حملة شعبية لمساعدة الأشقاء في فلسطين تجاوزت 700 مليون ريال سعودي، وسيرت جسوراً جوية وبحرية لإيصال مساعدات إلى قطاع غزة، وواصلت دعمها لجهود المنظمات الدولية في ظل الأوضاع المأساوية التي يشهدها القطاع.
وفي هذا الصدد نؤكد ضرورة مواصلة العمل المشترك لمواجهة العدوان الغاشم على الأشقاء في فلسطين، وقيام المجتمع الدولي بمسؤليته تجاه الوقف الفوري لعدوان قوات الاحتلال وإيصال المساعدات الإنسانية، وضرورة العمل لإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية مبني على قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية بما يكفل حق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
وترحب المملكة بتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 مايو 2024 قراراً يتضمن أن دولة فلسطين مؤهلة للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وتدعو مزيداً من الدول للمضي قدماً للاعتراف الثنائي.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو:
تسعى المملكة العربية السعودية لتحقيق الأمن والسلام والازدهار في المنطقة، وتدعو إلى حل جميع النزاعات بالطرق السلمية، ومن هذا المنطلق ستواصل المملكة العربية السعودية تقديم المساعدات الإنسانية والدعم الاقتصادي للأشقاء في اليمن، ورعاية الحوار بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة.
وقد استضافت المملكة محادثات جدة بين طرفي الأزمة في السودان من أجل تثبيت الهدنة والتوصل إلى اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار، وإنهاء الأزمة بما يحفظ للسودان الشقيق سيادته ووحدته ويمكنه من استعادة أمنه واستقراره ومسيرة إلى مستقبل أفضل بإذن الله.
وتؤكد المملكة أهمية المحافظة على أمن منطقة البحر الأحمر، وأن حرية الملاحة فيه تعد مطلباً دولياً يتعلق بمصالح العالم أجمع، وندعو إلى ضرورة التوقف عن أي نشاط يؤثر على أمن وسلامة الملاحة البحرية.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو:
نحن على ثقة بأن ما تشهده المنطقة العربية من تحديات سياسية وأمنية لن يحول دون استمرار جهودنا المشتركة لمواجهة هذه التحديات والمضي قدماً لمواصلة مسيرة التطور والتنمية المستدامة بما يعود بالرخاء والازدهار لدولنا العربية ويحقق آمالها وتطلعاتها.
وفي الختام يسرنا تهنئة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين الشقيقة بمسؤلية توليه رئاسة الدورة الثالثة والثلاثين للقمة العربية، سائلين المولى عز وجل أن يوفقه ويعينه في أداء هذه المهمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعدها سلم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رئاسة القمة العربية الثالثة والثلاثين، إلى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه.
واستهل جلالته أعمال القمة العربية بالكلمة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية،
معالي الأمين العام للأمم المتحدة،
أصحاب المعالي والسعادة،
ضيوفنا الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
باسمنا وباسم أهل البحرين، يسعدنا أن نرحب بكم، أخوةً أعزاء، وأهلاً كرام في داركم، التي تتشرف بانعقاد هذا اللقاء العربي المبارك، لنجدد معكم العزم والأمل المشترك لمستقبل واعد لأمتنا العربية، نستبشر فيه الخير والرخاء لشعوبها وشعوب العالم كافة.
ويشرفنا تسلّم رئاسة القمة من أخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة، مقدرين له جهوده البنّاءة ومبادراته القيّمة خلال رئاسته للدورة السابقة، وبدعم كريم من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.
كما يطيب لنا، أن نعرب عن بالغ الشكر لمعالي الأخ الموقر، السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية وفريقه المتميز، على ما تفضلوا به من تعاون مثمر واستعداداتٍ فائقة التنظيم، تحضيراً لأعمال هذه الدورة المهمة.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
تنعقدُ قمتنا العربية اليوم وسط ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد من حروب مدمرة، ومآسٍ إنسانية مؤلمة، وتهديداتٍ تمس أمتنَا في هويتها وأمنها وسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها.
ومع استمرار هذه المخاطر المحيطة بأمننا القومي العربي يتزايد حجم المسئولية الملقاة على عاتقنا لحماية مسيرتنا العربية المشتركة، ولفتح صفحة جديدة من الاستقرار والتنمية تقرّبنا من تطلعاتنا المشروعة، كقوة حضارية قادرة على فهم متطلبات العصر ومواكبة عجلة تقدمه.
وفي ضوء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني الشقيق من إنكار لحقوقه المشروعة في الأمن والحرية وتقرير المصير، تزداد حاجتنا لبلورة موقف عربي ودولي مشترك وعاجل، يعتمد طريق التحاور والتضامن الجماعي لوقف نزف الحروب، وإحلال السلام النهائي والعادل، كخيار لا بديل عنه، إن أردنا الانتصار لإرادتنا الإنسانية في “معركة السلام”.
وإذ نجتمع اليوم من أجل فلسطين، فإننا لنؤكد بأن مصلحة شعبها يرتكز على وحدة صفه، كهدف منشود لا حياد عنه، وستظل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي لهذه الوحدة.
ومن دون شك، فإن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، سيأتي بالخير على الجوار العربي بأكمله، ليتجاوز أزماته ولتتلاقى الأيادي من أجل البناء التنموي المتصاعد، دعماً للأشقاء الفلسطينيين جميعاً ، وسبيلنا لذلك نهج التناصح والحوار السياسي الجاد، وهو ما نأمل رؤيته قريباً، في أرجاء عالمنا العربي.
ويتزامن اجتماعنا هذا، مع احتفاء الأسرة الدولية باليوم العالمي للعيش معاً بسلام، ولتجسيد هذه القيمة الحضارية وتحويلها لواقع نعاصره ونعايشه، فيجب أولاً، التوافق على اعتماد خيار السلام كخيار استراتيجي، لا غنى عنه، لصون مسيرتنا الإنسانية وتأمين وصولها لغَدِها المشرق.
ومن هذا المنطلق، تتقدم مملكة البحرين بعدد من المبادرات للإسهام في خدمة القضايا الجوهرية لاستقرار المنطقة وتنميتها، وأولها الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، إلى جانب دعم الاعتراف الكامل بدولة فلسطين وقبول عضويتها في الأمم المتحدة، ومقترح خاص بتوفير الخدمات التعليمية والصحية للمتأثرين من الصراعات والنزاعات في المنطقة، ومبادرة تهتم بتطوير التعاون العربي في مجال التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي، ونتطلع إلى تحقيق كل ذلك من خلال قنوات العمل العربي المشترك وشراكاته الدولية.
إن نجاحنا في التقدم والبناء الحضاري لامتلاك استحقاقاته، لهو مرتبط بقوة إيماننا واستمرار سعينا لتحظى شعوب المنطقة بأجواء السلام الدائم، وأن تعتاد الأمان، ولتنعم بجوهر التنمية الشاملة والقائمة على العدالة والمساواة وتعزيز حقوق الإنسان وحماية حرياته.
آملين، بأن نصل بمشاوراتنا وقراراتنا لما يُسهم في إعادة التأسيس لحاضر مزدهر ومستقبل مشرق تستحقه أجيالنا القادمة، وأن يكون لقائنا المبارك منعطفاً تاريخياً بنّاءً لدولنا وعالمنا، بإذن الله تعالى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
بعدها ألقى معالي السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية كلمة هذا نصها:
حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين
أصحاب الفخامة والسمو،
السيدات والسادة،
اسمحوا لي في البداية أن أتقدم بجزيل الشكر وعميق الامتنان لكم جلالة الملك ،ومن خلالكم إلى شعب مملكة البحرين الحبيب الكريم وحكومتها على ما أحطنا به من رعاية وكرم وحسن وفادة، وأن أهنئكم على تبوئكم رئاسة القمة في دورتها الثالثة والثلاثين، وأدعو الله أن يوفقكم إلى ما فيه خير أمتنا وشعبنا.
كما أتقدم بجزيل الشكر والامتنان إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على ما بذلته الرئاسة النشطة للمملكة العربية السعودية خلال القمة الماضية، والتي تزامنت مع أحداث جسام شكلت تحديا كبيرا للعرب وللجامعة العتيدة.
جلالة الملك..
إن قمتكم تعقد اليوم في ظروف استثنائية؛ فالعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة ،بكل ما ينطوى عليه من وحشية وتجرد من الضمير يُمثل حدثا تاريخيا فارقا
.
ولن تنسى الشعوب العربية ذلك العنف الأعمى الذي أظهره الاحتلال الإسرائيلي، وهو يستهدف النساء والأطفال ويطارد المهجرين والمشردين من ملاذ إلى آخر بالقنابل والرصاص، وقد صار العالم كله مدركا لحقيقة باتت ساطعة وهي أن الاحتلال والسلام لا يجتمعان؛ فالاحتلال لا يُمكنه الاستدامة سوى بممارسة التطهير العرقي وبالإمعان في فرض واقعه الغاشم بقوة السلاح.
أما طريق السلام والاستقرار في هذا الاقليم فيقتضي منهجا مختلفا؛ يقتضي تخلي الاحتلال الإسرائيلي عن أوهام الاحتفاظ بالأرض والسيطرة على البشر، ويقتضي الإنهاء الفوري للاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية على حدود 67، لكن، للأسق ما رأيناه من الاحتلال عبر الشهور الماضية، وربما لعقود طويلة، يُشير إلى أن الأوهام لا زالت تحكم التفكير ،وأن تصورات القوة والهيمنة العرقية لا زالت تُسيطر على السياسات.
وللأسف قدمت بعض الدول الغربية غطاءً سياسيا بالذات مع بداية العدوان لكي تُمارس إسرائيل هذا الإجرام في قطاع غزة, واليوم يقف حتى أقرب أصدقائها عاجزا عن لجمها.
إن النكبة التاريخية لم تمحو الفلسطينيين من الوجود، لم تخرجهم من الجغرافيا، ولم تشطبهم من التاريخ؛ فأبناء أبنائهم هم من يمارسون هذا الصمود الاسطوري اليوم على أرضهم في قطاع غزة وكافة ربوع فلسطين.
إن التهجير القسري مرفوض عربيا ودوليا، مرفوض أخلاقيا وإنسانيا وقانونيا، مرفوض ولن يمر.
إن أحدا لا يريد العودة إلى اليوم السابق على السابع من أكتوبر، وما يرتكبه الاحتلال من فظائع وشناعات في غزة لن يعيد إليه الأمن، إننا نريد الانتقال إلى المستقبل وليس العودة إلى ماض مأسوي أوصلنا إلى هذه النقطة، ولا مستقبل آمنا في المنطقة سوى بمسار موثوق لا رجعة عنه لإقامة الدولة الفلسطينية.
إننا نطالب المجتمع الدولي ،بمن فيه أصدقاء إسرائيل، بل بالأخص، أصدقاء إسرائيل بإقامة مؤتمر دولي، مثلما تحدثتم جلالة الملك، للسلام، يُجسد رؤية الدولتين التي تحظى بالاجماع العالمي وبالعمل على مساعدة الطرفين، ومرافقتها لتحقيق هذه الرؤية في أجل زمني قريب ومضبوط ومحكوم، انقاذا لمستقبل الشعوب الذين يستحقون السلام والأمن في فلسطين والعالم العربي، وفي إسرائيل أيضا.
جلالة الملك..
إن أزمات المنطقة العربية لا زالت مفتوحة، والكثير من الجراح لم يلتئم، الجرح في السودان غائر وخطير ،لأنه يُهدد بقاء الدولة ووحدة مؤسساتها الوطنية ويهدد حياة الملايين من الناس، وإنني أدعو الجميع إلى إسكات البنادق فورا، صونا لحرمة الدم السوداني الغالي، ولوحدة الوطن المهدد بالانقسام، ومن أجل الجيران أيضا.
وفي اليمن وليبيا وسوريا أزمات أنهكت الدول والشعوب، أزمات مجمدة تنتظر حلولاً وتسويات تستعيد الأوضاع الطبيعية التي تتطلع إليها الشعوب في هذه الدول ،وكذلك جيرانهم ممن طالهم أذى هذه الأزمات وتبعاتها الخطيرة.
إنني أدعو، وأعمل بلا كلل، للاستمرار ومواصلة الجهد من أجل إيجاد حلول عربية للأزمات العربية.
جلالة الملك..
يمر العالم بحالة غير مسبوقة من الاستقطاب المنذر بالخطر والخسارة للجميع، وينأى العام العربي بنفسه عن أن يكون طرفاً في استقطاب، نرى بوضوح مآلاته السلبية على العالم، ونستمر من خلال الجامعة العربية في إدارة علاقات متوازنة بين المجموعة العربية والشركاء والمجموعات الدولية، من الشرق والغرب والمجتمع الدولي، علاقات تتأسس على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، ولا تحمل انحيازاً لطرف ضد طرف أو اصطفافا في صراعات يخرج الجميع منها خاسرا.
وبالمثل؛ تسعى الدول العربية في علاقاتها مع جيرانها في الإقليم إلى علاقات بناءة من حسن الجوار تتأسس على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فهدف الشعوب العربية هو التنمية ومواجهة المشكلات القائمة، والكثير من الدول العربية يتبنى خططاً طموحة تهدف إلى وضع المنطقة العربية في مكانها اللائق على الساحة العالمية، ونؤكد هنا أن العمل الجماعي، مثلما قلتم جلالة الملك، هو السبيل إلى تحقيق رخاء الجميع، فلن يخرج العرب من عثراتهم إلا بالتضامن مع بعضهم البعض، ولن ينهضوا إلا معاً.
على الله قصد السبيل.
شكرا لانصاتكم..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعدها ألقى معالي السيد أنطونيو غوتيريتش الأمين العام للأمم المتحدة، كلمة هذا نصها:
السلام عليكم.
صاحب الجلالة حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، أشكركم على دعوتكم الكريمة وكرم ضيافتكم.
أصحاب الجلالة والسمو الملكي والفخامة والسعادة، معالي الأمين العام السيد أبو الغيط،
لقد وُلدتُ في لشبونة – وهي مدينة كانت جزءا من الأندلس لقرون.
وفي ذلك الوقت كانت قرطبة مركز الثقافة والحضارة في شبه الجزيرة الأيبيرية، مثلما كانت بغداد مركز الثقافة والحضارة في العالم – وكانت آثارها ممتدة من حدود الصين إلى سواحل المحيط الأطلسي.
وقد تحرّكت عجلة التاريخ. وعدة تحولات — في الميادين الثقافية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والعسكرية – غيرت العالم على حساب الشعب العربي.
واستُعمرت غالبية البلدان العربية.
ولم يأت التحرّر إلا بعد عقود من النضال – وبعد حروب دموية في بعض الحالات، وحقب طويلة من الاستغلال في كثير منها – وبعد إرث خلّفه الاستعمار في شكل خطوط رُسمت على الرمل كحدود تعسّفية تفصل بين البلدان.
بيد أن العالم اليوم يتغيّر من جديد، وإنني أرى في المنطقة العربية إمكانات هائلة.
فلديكم الموارد. ولديكم الثقافة. ولديكم البشر.
ولكن ثمة شرطٌ أساسي وحيد للنجاح في عالم اليوم، ألا وهو الاتحاد.
لقد أظهر التاريخ مرارا وتكرارا أن الانقسامات تفسح المجال لتدخل أطراف خارجية – مما يغذّي الصراعات ويؤجج التوترات الطائفية، ومن ثم يشعل فتيل الإرهاب ولو بغير قصد.
وهذه عقبات تحول دون تحقيق التنمية السلمية وتعيقكم عن ضمان رفاه شعوبكم.
ويتطلب التغلب على هذه العقبات كسر الحلقة المفرغة من الانقسام وتلاعب الأطراف الأجنبية – ويتطلب المضي قدما معاً لبناء مستقبل أكثر سلما وازدهارا لشعوب المنطقة العربية وخارجها.
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسعادة،
إننا نجتمع هنا وقلوبنا تنفطر لما يحدث للفلسطينيين في غزة.
إن الحرب في غزة جرحٌ مفتوحٌ قد يتسبب بعدوى في جسد المنطقة بأسرها.
وهذا النزاع، بمعدّله وحجمه هذين، هو الأكثر فتكاً من بين كل ما شهدتُه من نزاعات كأمين عام – بالنسبة للمدنيين وعمال الإغاثة والصحفيين وزملائنا في الأمم المتحدة.
وبطبيعة الحال، لا يمكن تبرير الهجمات الإرهابية الشنعاء التي نفّذتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وإنني أكرّر الدعوة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن.
ولا يمكن كذلك تبرير العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني.
بيد أن الخسائر في صفوف المدنيين لا تزال تتصاعد.
وقد امّحت عائلات بأسرها عن بكرة أبيها. وأصيب الأطفال بصدمات نفسية ولحق بهم أذى سيلازمهم مدى الحياة. ويُحرم الناس من أبسط المقومات الأساسية للبقاء. وثمة مجاعة تلوح في الأفق.
لا يمكن قبول أي هجوم على رفح. إذ من شأنه إحداث موجة أخرى من الألم والبؤس بينما نحن في حاجة إلى موجة من المساعدات المنقذة للأرواح.
لقد حان الوقت لإعلان وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع أنحاء غزة.
ولا تزال الأونروا هي العمود الفقري لعملياتنا في غزة وشريان الحياة للاجئي فلسطين في مختلف أرجاء المنطقة. وهي بحاجة إلى الدعم والتمويل الكاملين.
وإنني منزعج بشدة لما يحدث من توترات في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، حيث تُشهد طفرات في إقامة المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، وعنف المستوطنين، والاستخدام المفرط للقوة من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي، وعمليات الهدم والإخلاء.
وما من وسيلة دائمة لإنهاء مسلسل العنف والاضطرابات سوى الحل القائم على وجود دولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، مع القدس عاصمة لكلتا الدولتين.
ويجب الحفاظ على الطابع الديمغرافي والتاريخي للقدس، ويجب الحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدّسة، تماشيا مع الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية.
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسعادة،
أودّ أن أتطرق إلى السودان، حيث جعلت الحرب المدمّرة نصف سكان البلد في حالة سقوط حرّ على مستوى الوضع الإنساني. فبعد مرور عام، قُتل آلاف الأشخاص وبات خطر المجاعة المفجع يحدق بـ 18 مليون شخص.
وإنني أحث المجتمع الدولي على تكثيف جهوده من أجل إحلال السلام، وأدعو الأطراف المتحاربة إلى الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار.
وينبغي أن يُتْبَع ذلك بعملية سياسية تشمل المجموعات النسائية والشبابية.
وإنني أتعهد بأن تقدّم الأمم المتحدة دعمها الكامل لهذا المسعى.
ويجب علينا أيضا حماية العملية السياسية الهشّة في كل من ليبيا واليمن.
وإنني كنت شاهدا، إبّان خدمتي كمفوض سام لشؤون اللاجئين، على ما يتّسم به الشعب السوري من كرم عظيم. ويؤلمني أن أرى وضع سوريا الآن مع كل هذه المعاناة، ومع بقاء أجزاء كاملة من أراضيها محتلة، حيث تتدخل أطراف فاعلة خارجية متعددة.
وإنني أدعو جميع السوريين إلى العمل معا بروح تصالحية، وإلى الاحتفاء بالتنوع الثري للشعب السوري واحترام حقوق الإنسان الواجبة للناس كافة.
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسعادة،
إننا نواجه أزمات عالمية طاحنة أخرى.
فهناك حالة الطوارئ المناخية؛ وتزايد اللامساواة والفقر والجوع؛ ومستويات المديونية التي تقسم الظهر؛ والتكنولوجيات الجديدة – بما في ذلك الذكاء الاصطناعي – التي تعجز ضوابط الحوكمة وضمانات الحماية عن مواكبتها.
إننا بحاجة إلى إصلاحات عميقة للنظام العالمي متعدد الأطراف – من مجلس الأمن إلى الهيكل المالي الدولي – لكي يصبح عالمي الطابع بحق ويكون ممثلا للواقع المعاش في هذا العصر.
ويمثل مؤتمر القمة المعني بالمستقبل، الذي سيُعقد في أيلول/سبتمبر، فرصة ثمينة لتوليد زخم نحو إقامة نظام لتعددية الأطراف يكون أكثر اتساما بالترابط الشبكي والشمول.
وإنني أتطلع قدما إلى الترحيب بكم في مؤتمر القمة في نيويورك في أيلول/سبتمبر.
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسعادة،
ما من وقت أفضل من هذه اللحظة لكي تقف المنطقة العربية صفّا واحدا.
فمن شأن الاتحاد والتضامن على كامل نطاق العالم العربي إسماع صوت منطقتكم ذات الأهمية الحيوية بمزيد من القوة، وتعزيز تأثيركم على الساحة العالمية.
ويمكن بذلك مساعدة هذه المنطقة على الاهتداء إلى سبيل السلام، وتعظيم الاستفادة من إمكاناتها الهائلة، والمساهمة بشكل أكبر في تحقيق ما فيه الخير للعالم.
وفي كل هذا العمل، يمكنكم التعويل على الأمم المتحدة، وعليّ أنا شخصيا، لمدّكم بالدعم والشراكة.
شكراً.
ثم ألقى ضيوف القمة، ومعالي السيد موسى فقي محمد رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي، ومعالي السيد إبراهيم حسين طه الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، كلمات بالمناسبة، أعربوا فيها عن شكرهم لجلالة الملك المعظم على استضافة المملكة للقمة العربية، وتمنياتهم بنجاح القمة العربية والخروج بقرارات بناءة تعزز وحدة الوطن العربي وتضامنه، وتسهم في دعم مسيرته التنموية وتحقيق الأمن والازدهار الاقليمي.
ثم بدأ أصحاب الجلالة والفخامة والسمو القادة في إلقاء كلماتهم أمام القمة، حيث أعربوا عن شكرهم وامتنانهم لصاحب الجلالة الملك المعظم، على استضافة مملكة البحرين لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته الثالثة والثلاثين، وما أحيطوا به من كرم الضيافة وطيب الوفادة، وما وفرته المملكة من تسهيلات وتحضيرات لانجاح أعمال القمة وتحقيق أهدافها المنشودة.
بعدها عقد أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، حفظهم الله، جلسة العمل الأولى المغلقة برئاسة حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم رئيس الدورة الحالية للقمة العربية.