مقالات

العلاقات الكويتية ـ السعودية نموذج فريد للأخوة الراسخة والأصيلة

بقلم – محمد سعود المطيري

القنصل العام لدولة الكويت في مدينة جدة والمندوب الدائم لدى منظمة التعاون الإسلامي

في البداية لا يسعني إلا أن أتوجهَ بالشكر الجزيل لقيادتنا الرشيدة على تعييني قنصلا عاما لدولة الكويت في مدينة جدة السعودية، ومندوبا دائما لدى منظمة التعاون الإسلامي مطلع شهر سبتمبر 2022. وأتعهد في مناسبة احتفالات الكويت باليوم الوطني وذكرى التحرير، والتي تتزامن مع احتفالات المملكة العربية السعودية بيوم التأسيس، بالعمل الدؤوب من أجل تعزيز العلاقات مع الأخوة والأصدقاء في الشقيقة الكبرى السعودية، والمضي بها قدما نحو آفاق جديدة من التعاون لصالح بلدينا وشعبينا الشقيقين، في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظهما الله ورعاهما.

منذ أن وطأت قدمي مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة  وبدأت مهمتي قنصلا عاما لدولتي الحبيبة في بلدي الثاني في 6 سبتمبر 2022، يعتريني تفاؤل كبير وحماسة شديدة للبناء على ما هو قائم من علاقات تاريخية متميزة وأصيلة،  خاصة بعدما أصبحت هذه العلاقات تشكل نموذجاً فريداً للأخوة الراسخة، المبنية على الثقة وحسن الجوار والمصالح المشتركة. فما يجمع دولة الكويت والمملكة من أواصر الأخوة والعلاقات المتميزة من الصعوبة بمكان الإلمام به أو حصره بجوانب محددة، لأنه يعني علاقة الشقيق بشقيقه والتي تزداد أصالة سنة تلو أخرى عبر مسيرة حافلة بالعطاء والتعاون والعمل المشترك.

 علاقات واعدة تحقق المنافع المتبادلة

فضلا عن تميز العلاقات الكويتية – السعودية بعمقها التاريخي الكبير الذي يعود إلى قرون بعيدة، اتسمت هذه العلاقات، التي نشأت رسميا في عام 1891، أيضا بمواصلة الجهود المشتركة لتحقيق الرؤى التنموية الطموحة للبلدين، والمتمثلة في “رؤية المملكة 2030″ و” رؤية الكويت 2035″. وتتركز هذه الجهود على دفع التعاون المستقبلي بين البلدين على مختلف الصعد الاقتصادية والأمنية والثقافية والرياضية والاجتماعية، واستثمار مقدراتهما.

ففي كل يوم إضافة جديدة لهذه العلاقات، حيث تزيد وشائج الأخوة أكثر ومعها التطلعات إلى إنجازات ونتائج إيجابية أوسع تصب في مصلحة الشعبين الشقيقين، ومن ذلك توقيع الاتفاقية الملحقة باتفاقيتَي تقسيم المنطقة المقسومة والمنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المقسومة بين البلدين في ديسمبر 2019، واستئناف الإنتاج النفطي في الجانبين.

وقد ازدادت العلاقات الكويتية – السعودية رسوخا وصلابة وعمقا بفضل حرص قيادة البلدين، وما يجمع شعبيهما من رؤى تعزز وتطور وتخدم هذه العلاقات، وتدفع بها إلى الأمام نحو آفاق واعدة وأرحب .وهو الأمر الذي جعل البلدان امتدادا استراتيجيا للآخر، خاصة بعد أن أصبحت استثنائية العلاقات بينهما، تمثل حالة دائمة وليست عابرة. وهنا يحضرني المقولة الشهيرة للملك فهد بن عبد العزيز، طيب الله ثراه، في أعقاب الغزو العراقي للكويت عام 1990، عندما شاركت المملكة العربية السعودية قوات التحالف في حرب الخليج لطرد القوات العراقية من البلاد “إما أن تعود الكويت، أو تروح السعودية معها”، وهذه المقولة تلخص عمق العلاقات الإستراتيجية بين البلدين.

ومن ناحية أخرى، تمثل الروابط الأخوية والتعاون الدائم بين الدولتين الشقيقتين ضمانة قوية للأمن القومي الخليجي والعربي بوجه عام، خاصة مع تطابق وجهتي نظر قادة البلدين تجاه مجمل قضايا المنطقة، وتعاونهما البناء والمثمر في التعامل مع التحديات التي تواجههما، وفي مقدمتها التصدي لخطر التطرف والإرهاب، والقوى والأطراف الداعمة لذلك، ومواجهة التدخلات الخارجية في دول المنطقة. وبالفعل، بات التعاون الكويتي – السعودي سدا منيعا أمام أطماع الطامعين، ويوفر قاعدة أساسية راسخة لحماية المصالح الإستراتيجية للدول والشعوب الخليجية والعربية، كما أنه أصبح أيضا واحدا من النماذج الإيجابية في توظيف الموارد والإمكانات من أجل صيانة المصالح والتصدي للمخاطر والتهديدات الإستراتيجية التي تواجه شعوبنا العربية والخليجية والإسلامية.

لقد أسهمت جهود المملكة، ومعها دولة الكويت في تعزيز أمن المنطقة واستقرارها، خاصة أن تاريخيهما مكلل بالمبادرات لتسوية الخلافات الخليجية والعربية والإسلامية، أو لدعم الدول الخليجية والعربية والإسلامية، كما انضمت الدولتان إلى الجهود الإقليمية والدولية الرامية للتصدي للتطرف والإرهاب، خاصة فيما يتعلق بالتصدي للجوانب الثقافية والفكرية، وهي جهود تحظى بتقدير المجتمع الدولي أجمع.

إن العلاقات بين دولة الكويت والمملكة العربية السعودية تقدم نموذجا لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الدول الخليجية والعربية والإسلامية. حيث ارتبط البلدان باتفاقيات عدة شملت مختلف المجالات منها: الإعلامية، والعلمية، والثقافية، والاقتصادية، وخدمات النقل الجوي، والعمل على تسهيل التنقل لمواطني البلدين وانسياب البضائع التجارية عبر الحدود، وتبادل البعثات الدراسية لأبناء البلدين، إضافة إلى مذكرات تفاهم للتعاون في مجالات الأوقاف والشؤون الإسلامية وتقديم تسهيلات للحجاج ما انعكس ذلك إيجابا على الشعبين الشقيقين.

وعلى الصعيد الاقتصادي، اتسمت سياسة البلدين بالتوافق والتنسيق الذي أدى دورا كبيرا في استقرار أسعار النفط في الأسواق العالمية في إطار تحالف (اوبك بلس). كما ساهم البلدان أيضا في الحفاظ على إمدادات مستقرة من الطاقة بما يحمي حقوق المنتجين والمستهلكين على حد سواء. وأدت الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين البلدين، ضمن إطار مجلس التعاون الخليجي، أيضا إلى نمو ورواج حركة الواردات بينهما بمعدلات شبه مستقرة. كما شمل التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين القطاع الخاص، والذي تأطر عبر مذكرة تفاهم تم توقيعها مطلع عام 2005 بين غرفة تجارة وصناعة الكويت ومجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية.

وعلى الصعيد البرلماني، شهد التعاون بين مجلسي الأمة الكويتي والشورى السعودي تناميا ملحوظا على الدوام، عبر لجنة الصداقة المشتركة، وتبادل الزيارات، والتنسيق المستمر في المحافل الدولية، بشأن مجمل القضايا الإقليمية والعربية والدولية والاستراتيجيات الثنائية.

وكمؤشر قوي على حرص قادة البلدين على استمرار التنسيق بين دولة الكويت والسعودية على أعلى المستويات، تم تأسيس “المجلس التنسيقي الكويتي- السعودي” في 18 يوليو 2018 ليضيف لبنة قوية إلى هذه العلاقات. ويهدف هذا المجلس إلى تعميق واستدامة العلاقات بين البلدين بما يتسق مع أهداف مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتعزيز المنظومة الاقتصادية المتكاملة، وإيجاد الحلول المبتكرة للاستغلال الأمثل للموارد الحالية، وبناء منظومة تعليمية فعّالة ومتكاملة قائمة على نقاط القوة التي تتميز بها الدولتان. كما يهدف هذا المجلس أيضا إلى تعزيز التعاون والتكامل بين الكويت والرياض في المجال السياسي والأمني والعسكري، وضمان التنفيذ الفعال لفرص التعاون والشراكة، وإبراز مكانة الدولتين في مجالات الاقتصاد والتنمية البشرية والتكامل السياسي والأمني العسكري.

وقد أثمر هذا المجلس أولى ثماره في 6 يونيو 2021، عندما وقع البلدان ست إتفاقات ومذكرات تفاهم خلال الاجتماع الأول له، والذي انعقدت أعماله في الرياض. وقد شملت  هذه الاتفاقات مجالات الشباب، والرياضة، وتشجيع الاستثمار المباشر، والتربية والتعليم، والتعليم العالي والبحث العلمي.

ويعكس التعاون الكويتي -السعودي في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية لكثير من دول المنطقة التي تتعرض لأزمات، جانباً من طبيعة العلاقات الراسخة بين البلدين، والتنسيق الواسع في شتى القضايا والمواقف السياسية والإنسانية المختلفة، كما يعكس حرصهما على التخفيف من معاناة الشعوب الشقيقة، ويؤكد في الآن ذاته ريادتهما في العمل الإنساني.

علامات مضيئة ومهمة

أشعر ببالغ السعادة والسرور للعمل كقنصل عام لبلدي في المملكة، التي أعجبتني التطورات الاجتماعية والاقتصادية المبهرة التي حققتها خلال الآونة الأخيرة. ولا يسعني في هذا المقال إلا أن أتوجهَ بالتهنئة الصادقة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية الشقيقة على التقدم والنهضة الكبرى التي تشهدها المملكة ودورها الإيجابي و البناء في معالجة أهم وأبرز القضايا التي تُعنى بمستقبل المنطقة والعالم.

ففي فترة تواجدي في المملكة، على سبيل المثال، احتفلنا بمناسبة فوز المملكة باستضافة الرياض إكسبو 2030، وكانت فرحة الشعب السعودي بهذه الاستضافة فرحتنا ونجاحهم نجاح لنا في الكويت. كما عايشت أيضا اكتمال نجاح المهمة العلمية لرواد الفضاء السعوديين، وعودة رائدة الفضاء ريانة برناوي، وزميلها على القرني إلى الأرض بسلام، بعد مهمة علمية تاريخية، تمثلت في وصول أول رائدة فضاء سعودية وأول رائد فضاء سعودي إلى محطة الفضاء الدولية.

وخلال عملي في بلدي الثاني، تشرفت أيضا، مع كتيبة العمل في قنصلية دولة الكويت في جدة، بأن نكون في أعلى درجات الجهوزية والاستعداد من أجل تسهيل أداء مناسك الحج للمواطنين الكويتيين، وفقا لتوجيهات معالي وزير الخارجية عبدالله علي اليحيا  بضرورة توفير كافة سبل الراحة للحجاج الكويتيين الزائرين لبلاد الحرمين الشريفين. وقد لمسنا جميعا ما يقدمه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، حفظهما الله، من جهود جبارة ورعاية مستمرة لكافة الجهود المبذولة لتسهيل إجراءات الحج وتوفير كافة سبل الراحة والخدمات لقاصدي الحرمين الشريفين القادمين من الكويت. وكان موسم الحج في العام الماضي، يتميز لأول مرة بتطبيق فكرة جديدة، وهي التسجيل المركزي للقيام بالحج في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى زيادة التنافس بين حملات الحج، وبالتالي رفع جودة الخدمات وتراجع الأسعار التي قدمت هذا العام لنفس الخدمات مقارنة بالأعوام السابقة.

وكذلك، شرفت بالمشاركة في غسل الكعبة المشرفة، في حفل كبير حضره نيابة عن خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي نائب امير منطقة مكة المكرمة السابق الأمير بدر بن سلطان بن عبد العزيز حفظه الله والزملاء بالسلك الدبلوماسي ولفيف من العلماء.

وفي أجواء قرآنية رائعة، تشرفت بالمشاركة في الحفل الختامي لمسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره في دورتها الثالثة والأربعين، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن سلطان بن عبد العزيز، نائب أمير منطقة مكة المكرمة السابق. وهنا، أود توجيه كل الشكر للقائمين على إنجاح هذه المسابقة التي تحفز أبناءنا على حفظ وتلاوة كتاب الله الكريم ، وتربيتهم على خلقه، مما يساهم في إيجاد جيل صاعد متمسك بالكتاب والسنة والوسطية والاعتدال.

كما كان لي أيضا الشرف بزيارة متحف السيرة النبوية الشريفة بالمدينة المنورة مع وفد الهيئة العامة لطباعة ونشر القرآن الكريم والسنة النبوية بدولة الكويت، فكانت زيارة مثمرة تم التعرف فيها على كافة الجوانب المرتبطة بهذا المتحف الفريد من نوعه في العالم.

ومن ناحية أخرى، سعدت وشرفت أيضا بزيارة منطقة نجران ومنطقة عسير، ولمست ما شاهدتهما هاتين المنطقتين من نهضة تنموية وسياحية غير مسبوقة، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على الاهتمام والرعاية الكريمة التي تحظى بها هذه المنطقة من لدن القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، حفظهما الله، كما نشير أيضا إلى الجهود الجبارة التي يبذلها كلا من أمير منطقة نجران صاحب السمو الأمير جلوي بن عبد العزيز بن مساعد، وأمير منطقة عسير صاحب السمو الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، حفظهم الله جميعا. فكل الشكر لمن شرفت بمقابلته خلال هاتين الزيارتين على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة المعهود.

ومن المحطات المهمة التي مررت بها أيضا خلال فترة تشرفي بالتواجد في المملكة، مساهمة القنصلية الكويتية في إتمام عمليات إجلاء المواطنين الكويتيين من جمهورية السودان إلى المملكة بعد الأحداث التي جرت هناك. وهنا لا يفوتني توجيه كل الشكر والتقدير لوزارة الخارجية السعودية ممثلة في سعادة الأستاذ مازن الحملي مدير عام فرع وزارة الخارجية بمنطقة مكة المكرمة وإلى القوات المسلحة السعودية، وفي مقدمتها القوات البحرية الملكية السعودية وحرس الحدود ولكافة الجهات التي ساهمت في سلامة إجلاء ووصول الرعايا الكويتيين سالمين إلى بلدهم.

وفي الختام، أود التأكيد على أن دولة الكويت والمملكة العربية السعودية تسعيان إلى مرحلة جديدة من النمو والتطور والقوة، وتؤمنان بأهمية العمل المشترك نحو تعظيم نصيب شعبيهما من الفرص، بما يؤازر الرؤية الطموحة لمستقبل التنمية في الدولتين، ويحفظ للأجيال القادمة رفعتها وتقدمها، ويضمن لمنطقة الخليج برمتها مستويات أكبر من النجاح والرقي. وأود الإعراب مجددا عن خالص أمنياتي وشعب الكويت للمملكة العربية السعودية، قيادة وشعبا، كل الرفعة والتقدم والازدهار.

نسأل الله العلي القدير أن يسدد على دروب الخير والتوفيق جميع خطانا، وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه. ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى