إعجاز القرآن الكريم وعجز المشككين
معني إعجاز القرآن أنه جاء على تركيب عجز العرب وهم أهل الفصاحة أن يأتوا بمثله ومن تجرأ وحاول فقد أتى بأساليب خاوية من المعاني والسر في إعراضهم عن محاكاته هو أنهم- وكما هو متفق عليه أهل لسان وبيان – أدركوا بأذهانهم وقرائحهم أن القران الكريم ورد في صورة مثاليه للقول أو أقل أنه يمثل الصورة المثالية للأفكار في الأذهان وتلك الأفكار إذا خرجت إلى الواقع كقصائد أو كلام منثور يشوبها النقصان شأن الجوارح فيعدلون المعاني في أسواق كانت تعقد لهذا الشأن. فإدراكهم بأذهانهم لكمال معاني القران الكريم جعلهم يفضلون بذل النفس والنفيس في محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان من الأولي لو في استطاعتهم أن يقوم أحدهم ويلقى سورة مثله وخاصة أن القران أعلن التحدي قال تعالى:﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾(البقرة:23-24 وهم قوم أهل أنفه واعتزاز بالنفس وهو ما يؤكد إدراكهم بصفاء قرائحهم أن القران هو الصورة المثالية للمعاني تمثلت فيما يتلوه محمد صلى الله عليه وسلم ولم يشبه نقصان الجوارح . أما وجوه إعجاز القران فللعلماء فيها آراء أجملها فيما يلي :ــ
1-الأخبار عن الأمم السابقة وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أميا فآني وصلت إليه تلك الأخبار
2- الإخبار عن المستقبل وتحقق ما ذكره في مقدمة سورة الروم (الم غلبت الروم في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) وهذا وذاك مردود عليه بأن القران ليس كله إخبار ويترتب عليه أن يكون معجزا في بعضه دون الأخر .
3- الإعجاز بالصرفة وهذا يعنى أنهم كانوا يمتلكون مؤهلات صياغة أسلوب مماثل للقران ولكن الله صرفهم عن الإتيان بمثله وهذا الرأي مردود عليه بأن ذلك الصرف يمنع من التحدي فكأني أتيت برجل قوى وقيدته وأدخلته حلبة المصارعة .
4- الإعجاز العلمي باحتوائه على علوم وأسرار ومعارف كشف عنها البحث العلمي الحديث
5- الإعجاز العددي باشتماله على أعداد فيها أسرار ومضامين وإشارات الرد على هذا الوجه وما يسبقه مباشرة هو أنه لا يوجد في كل الآيات إشارات علمية أو أسرار عددية وعلى ذلك يكون بعض القرآن معجز والآخر لا وهذا محال .
أما الإمام عبد القاهر الجرجاني رضي الله عنه فقد شغل فكره هذا الأمر وظل يبحث عن سبب تفوق كلام على كلام حتى وصل في آخر حياته إلى أنه النظم والنظم هو توخي معاني النحو على وفق الأغراض التي يقصد إليها المتكلم , والتوخي معناه الاختيار ومعاني النحو هي أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال فالتعريف بال غير التعريف باسم الإشارة غير التعريف بالاسم الموصول فأنا أتخير اللفظ الأنسب الذي يعبر تعبيرا دقيقا جامعا مانعا لما في نفسي ثم أختار من أحوال اللفظ ما هو أنسب وأحوال اللفظ هي ما يعتريه من تقديم وتأخير وتعريف وتنكير أو فصل ووصل وما إلى ذلك فإذا بحثت عن سر تفوق المعلقات مثلا لن تجد إلا أن أصحابها وضعوا اللفظ موضعه من المعنى , وإذا بحثت عن سرفضل سورة البقرة تجد أن سورة البقرة بلغت الكمال المطلق في اختيار اللفظ الأجود للمعنى الأنسب وهو ما يسمى بالنظم فضلا عن أنه متحقق في جميع سور وآيات القرآن الكريم لأنه أساس في التركيب فلله در هذا الرجل عبد القاهر الجرجاني الذي قال عنه الأديب الإنجليزي عبد القاهر يكتب الألـفية الثالثة بفكر لغوي حديث
بقلم د . منال محمد بسيوني