إرفعوا سن التقاعد
بقلم – د.إحسان علي بوحليقة:
لا أدري من أين أتانا موضوع أن يتقاعد الشخص عندما يبلغ الـ60 من العمر! نحن لا نعاني ندرة الوظائف، بل ندرة العاملين، والدليل أن أغلب من يعمل في وطننا وافدون. أكاديميون أجبروا على التقاعد في أوج العطاء، لماذا؟ هل ــ مثلا ــ تمسح قدراته ومهاراته فجأة عندما يبلغ أو تبلغ الـ60؟!، وكذلك الطبيب الاستشاري الحاذق في مجاله، هل تتبخر تجربته عندما يصل عمره إلى الـ60؟! وماذا عن المهندس الذي راكم تجربة في مواقع ومشاريع في طول البلد وعرضها وجمع في عقله خبرات هائلة، هل تذهب هباء عندما يبلغ الـ60؟! الإجابة: لا بالتأكيد. لي صديق متبحر في دنيا الاستثمار محليا وعالميا ومع أضخم الشركات والصناديق العالمية، عندما بلغ الـ60 قطعوا له “كيكة”، وقالوا له، شكرا مشيرين إلى الباب. كم شعرت بالحسرة لذلك، كم من خبير في دنيا الاستثمار “معتق” نستقدمهم من أقاصي الأرض، وعبر المحيطات، لكن يبدو فعلا أن هناك من يظن دائما أن العشب الأكثر اخضرارا إلى الجانب الآخر من السور. وحتى لا أفهم خطأ، فلا أقول نجبر من بلغ الـ60 على العمل، بل نمنحه الخيار أن يتقاعد أو أن يستمر حتى الـ70 إن كان راغبا وقادرا، أو أن تتاح له الفرصة، إن رغب، أن يعمل جزئيا أو وفق عقد عمل مرن.
وقد يسأل سائل ما الموجبات الموضوعية لهذا المقترح؟ لسببين رئيسين: 1. إن متوسط العمر بين السعوديين في ارتفاع، بفضل من الله أولا وأخيرا ثم بانتشار الرعاية الصحية، فحاليا متوسط الحياة المتوقعة “مؤشر التعمير” يقارب 75 عاما، بزيادة بنحو 15 عاما عما كانت عليه قيمة المؤشر عندما كتب النظام الذي نص أن سن التقاعد هو 60 عاما. وهكذا، فنحن على الرغم من حاجتنا الملحة للعلماء والأطباء والمهندسين والخبراء في المجالات كافة، إلا أننا نستغني عن مستودعات للمعرفة بسبب تقادم السياسة ذات الصلة، لا لسبب موضوعي، ولم نرع ما يكفي من اهتمام لنستفيد اقتصاديا واجتماعيا من تحسن متوسط الأعمار، رغم الفوائد الاجتماعية – الاقتصادية لذلك. 2. إننا نستقدم من الخارج خبراء “معمرين” لتقديم أعمال استشارية وحتى تنفيذية. لا إشكال لدي في ذلك، لكن ثمة أمر ملفت، ما دام أن الأمر متاح لاستقطاب المعمرين المتميزين في تجربتهم من الخارج، فلماذا لا نقوم بذلك محليا كذلك؟ أتحدث عن آلاف ممن لديهم خبرات يعتد بها، تثبتها سيرهم الذاتية التي توزن بالألماس النقي.