وداعًا.. أيها القائد الحكيم
بقلم – د. إبراهيم بن عبدالله المطرف:
انتقل إلى رحمة الله تعالى ، أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح يرحمه الله، بعد سنوات طويلة من العطاء الدبلوماسي والإنساني، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه.
وأود من خلال هذه المشاركة القصيرة، أن أسلط الضوء على صفة مهمة من صفاته يرحمه الله، ألا وهي «الحكمة» فيما قام به من عمل، خلال سنواته في العمل الرسمي، وفي الحكم.
وأجزم أنه لا يختلف اثنان، على أن أهم ما تميز به صباح الأحمد يرحمه الله، هو العمل على رأب الصدع ولم الشمل، والسعي بالصلح، والجمع بين الفرقاء، حفاظًا على وحدة الخليج والعالم العربي، والسعي إلى تهدئة الخواطر، تمهيدًا للصلح. وكان يعبر يرحمه الله في ذلك، عن نظرة «حكيمة» لما تحتاجه الخريطة الخليجية والعربية، التي أخذت أجزاؤها تتناثر وتتباعد.
وهكذا سعى تغمده الله بواسع رحمته إلى الوساطة دائماً، حريصًا على ألا يفقد أحدًا من جهة، وحريصًا على الوقوف على مسافة واحدة من الجميع من جهة أخرى، منطلقًا من خبرة عميقة بالعلاقات العربية، استمدها من «حكمته» الدبلوماسية، ومن فهم عميق، بأن العرب مهما كانت خلافاتهم، فإن مصيرهم لا بد أن يكون واحدًا.
من هنا كانت «الحكمة» نبراساً سعى به رحمه الله في المواقف الصعبة، ونوراً اهتدى به في ظلمات التشتت والفرقة والنزاعات، داعيًا إلى تصفية الضمائر، وتغليب مصالح الشعوب، أملاً في العمل المشترك للمصلحة وللمستقبل.
و»الحكمة» أيضًا، كانت الدفة التي قاد بها السفينة الكويتية، وخاض بها الأمواج العاتية التي هددت وطنه، ونجح «الحكيم» في العبور بالكويت وسط الأنواء، ووصل بالسفينة ما استطاع، إلى شاطئ السلامة والأمان.
ولقد كان خطاب صباح الجابر يرحمه الله دائمًا، خطاب الوسطية والتسامح، متميزًا بالعقل والروية، والنظر للأمور كلها بعين عواقبها ونتائجها. ودعماً لذلك التوجه، فقد أسس أثابه الله، المركز العالمي للوسطية، بهدف تعميق منهج الوسطية في الكويت والعالم، ولتصبح الوسطية أسلوب حياة.
وأكثر ما يلمسه المراقب، والمتابع للسياسة والدبلوماسية الكويتية في عهد «الحكيم» يرحمه الله، هي (الرؤية) الثاقبة التي تمثلت بمد يديه إلى أشقائه القادة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حرصاً منه على تفعيل العمل المؤسسي الخليجي، داخل نطاق المنظومة الخليجية.
وفي هذا الإطار، فقد كان له يرحمه الله الكثير من النصح والإشادة والتحذير. ويأتي من بين أهمها، تشديده في حديث عن المجلس، بأنه «يعاني الاهتزاز» وإن «الأزمة التي يمر بها تضعف وحدته» وإن «استمرار الخلاف بين دول المجلس لم يعد مقبولاً»، واصفاً رحمه الله إعلان الرياض بعد القمة التي عقدت في ديسمبر 2019، بأنه «طريق مستقبلنا».
ولقد سعى صباح الأحمد أكرم الله مثواه، وباستمرار، إلى توطيد علاقته بالشقيقة الكبرى في المجلس، المملكة العربية السعودية، تقديرًا لدورها التاريخي، ورسالتها ومكانتها وتأثيرها العربي والإسلامي والعالمي. ولقد قدرت المملكة ودول المجلس لسموه «حكمته» ومواقفه، ورأت فيه قائدًا استثنائيًا، في لحظات تاريخية استثنائية.
ونظراً لاهتمامي الشخصي بموضوع «تصحيح صورة الإسلام في الغرب» فقد شدني جداً ما جاء على لسان «الحكيم» صباح الأحمد يرحمه الله في القمة الإسلامية الثالثة عشرة، التي عقدت في تركيا في أبريل 2016، حينما قال «نحن مطالبون بالدفاع عن ديننا الإسلامي الحنيف، وعلينا العمل سوياً على تصحيح العديد من المفاهيم الخاطئة، فنحن مسؤولون أمام الله والتاريخ للقيام بهذه المسؤولية الشرعية والإنسانية والأخلاقية، التي تحتمها علينا ضمائرنا وانتماؤنا الإسلامي». إنها «الحكمة» في أبهى صورها.
رحم الله «الحكيم» صباح الأحمد، وأسكنه فردوسه الأعلى، وعظم الله أجر أحبائنا في الكويت، من أعضاء الأسرة الحاكمة الفاضلة، ومن المواطنين الكويتيين الكرام، بكافة مكوناتهم وشرائحهم، فصباح الأحمد يرحمه الله، يمثل فقداً عظيماً ومصاباً جللا لنا جميعاً، وسيبقى في قلوب الكثيرين من محبيه، ليس في عالمينا العربي والاسلامي فحسب، بل في أرجاء عالمنا المعاصر. اللهم أملأ قبره بالرضى والنور، والفسحة والسرور. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.