الوطن بين البر والعقوق
بقلم – بناء بنت عايض الغامدي :
لم أرَ فضلاً كفضل الوالدين أو أحدهما إلا فضل الوطن على بنيه،إلا أنّ الوالدين يكبران ويهرمان، والابن يقوى ويشتد عوده، أما الوطن فلا يهرم ويبقى ملجأ بنيه ومحضنهم حتى بعد رحيلهم عن الدنيا. يحضنك صغيراً، ويحميك وإن كنت كبيراً، يبذل لك جَهده، ويمنحك كنزه، ويكسوك من مهابته مهابة، ومن رفعته رفعة؛ ليوفر لك أطيب عيش، وأكرم حياة.
به تعتز وتفخر، وحُقّ لك الفخر والعز بمثله، بلدك بلد الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين، ومهوى أفئدتهم، ومبتدأ العرب وأصلهم، خُلُقُك خُلُقهم وكريم سجاياهم التي ما عرفت البشرية مثلها في النُبل وصناعة المجد.
قد جمع الله لك في وطنك خيري الدنيا والآخرة؛ فتفجرت الأرض عيونا من ذهبٍ أسود، وتهافت البشر من مختلف الأصقاع يخطبون وده، ويأملون عيشة في ظله باذلين ما لديهم من عقول ومعارف وصناعات في شتى المجالات.
ثم بعد ذلك أليس من حق هذا الوطن الوالد البر والإحسان ؟! نرفع شأنه في كل محفل، وندفع عنه كل ما يسوء، ونعطي العالمين صورة حقيقية عن عظيم بنائه، وتربيته لأبنائه، وبركته وإحسانه للإنسانية جمعاء.
نعم، إني لأعجب من أولئك العاقين لأوطانهم، الذين لا يألون جهداً في القدح في أوطانهم، والإساءة إليها، وانتقاص شأنها، والتعريض بها وبرموزها التي أكسبتها نور على نور؛ فيطالبون بما يمسخ هويتهم، ويخالف عقيدتهم، ويجعلها تبعاً لغيرهم في المظهر والجوهر.
إني لأرى عقوق الوطن في هدر مقدراته، والعبث بممتلكاته، والإساءة إلى ركائزه وثوابته، والتقاعس عن رفعة شأنه والنهوض به، وليس أشد على الوالد من أن يلجأ ابنه الذي رباه إلى خصومه ومن عاداه، فينتقص والده، ويجحد كل معروف، وربما تمادى فذم تربيته ونسي ما كان لوالده في الوصول إلى ما وصل إليه من مكانه ومنعة، ثم يطالب بالتغريب والتقريب، من كل غريب وبعيد، ضاربا بذلك مثلاً لايجارى في عقوق الوطن. موطني عشت دائما وأبدا فخر المسلمين، والله يحفظك من كل سوء ومكروه.