بقلم أحمد المسلماني
الرئيس “نجيب أبو كيلة” هو رئيس السلفادور. نعم.. هذا هو اسمه، إنه سلفادوري من أصل فلسطيني من عائلة “أبو كيلة” التي تنتمي إلى القدس. الرئيس “أبو كيلة” اتهم الحكومة المكسيكية رسميًا بأنها سمحت بنقل (12) مصابًا بفيروس كورونا إلى بلاده، وقال: إن المكسيك دولة غير مسئولة. ردّت المكسيك بالنفي، وقامت دول المنطقة بإغلاق الحدود.
لم يأخذ الخلاف المكسيكي السلفادوري بشأن كورونا ما أخذته معركة تبادل الاتهامات بين الصين والولايات المتحدة. فبينما وصف أعضاء في الكونجرس ووزير الخارجية مايك بومبيو والرئيس ترامب كورونا بـ”الفيروس الصيني”، أشارت الخارجية الصينية إلى أن واشنطن ربما هى من صنعت الفيروس لأجل حرب بيولوجية ضد الصين، وهو الاتجاه الشائع لدى الرأى العام في الصين وروسيا.
لاتزال السياسة طاغية على المشهد، رغم عنفوان الوباء، فقد انتقل الرئيس ترامب من اتهام الحزب الديمقراطي والإعلام المعارض بالتهويل من أخطار الفيروس إلى اتهام الصين بأنها مصدره. كما انتقلت القوى السياسية الحاكمة في إيطاليا من اتهام المعارضة بالتهويل للحصول على مكاسب سياسية، إلى اتهام الاتحاد الأوروبي بالتقصير في دعم إيطاليا، بينما تقدمت الصين وروسيا للدعم والمساعدة.
لم يكن في مقدور الاتحاد الأوروبي أن يساعد ذلك أنه ببساطة يحتاج إلى المساعدة، فعاصمة الاتحاد في بلجيكا تعاني شأن العواصم الأخرى في أوروبا، وقادة الاتحاد في برلين وباريس يتحدثون عن أكبر أزمة صحيّة منذ قرن، وعن احتمالات إصابة معظم السكان. وبينما تقدمت بكين لدعم إيطاليا، قامت بكين أيضًا بتقديم مساعداتها إلى باريس.
على امتداد الأزمة التي قاربت المائة يوم، جرى سباق عالمي لأجل الوصول إلى حلول طبية، ما بين عقار ولقاح. لايزال أغلب الخلاف العلمي بشأن “كوفيد -19” دون حسم، ولاتزال التناقضات قوية بين كل دراسة وأخرى. ولكن شركات الأدوية راحت تسابق الزمن لأجل الفوز بالمكسب الكبير، وداخل مختبرات الشركات تعمل نخب بحثية مرموقة لأجل الوصول إلى الجائزة الكبرى. إذْ بينما تسعى الشركات لحصاد المليارات من وراء العقار أو اللقاح، يسعى العلماء للحصول على جائزة نوبل.
تصدرت وسائل الإعلام شركة “سانوفي” الفرنسية، وشركة “CureVac” الألمانية. أجرى المستشفى الجامعي في مرسيليا تجارب سريرية قال إنها ناجحة، وفيها استخدم عقار شركة “سانوفي” لعلاج الملاريا. وفي ألمانيا.. أقالت الشركة رئيسها التنفيذي بعدما التقى الرئيس ترامب، وبحث امتلاك واشنطن لحقوق الإنتاج الجديدة.
ثم قدّم الاتحاد الأوروبي منحة قدرها (80) مليون يورو إلى الشركة الألمانية من أجل الوصول إلى لقاح. وقالت رئيسة المفوضوية الأوروبية: إن اللقاح سيكون جاهزًا بحلول سبتمبر 2020، بعد أن تم اجتياز كل الاختبارات اللازمة، والحصول على براءة الاختراع. إن شركة “CureVac” تشكل أملًا كبيرًا للكثيرين حول العالم، لاسيما بعد أن أعلنت قدرة مصانعها على إنتاج (10) مليون وحدة في الدفعة الواحدة.
يحاول باحثون في إيطاليا إجراء تجارب على عقار يستخدم في علاج الروماتيزم، وحسب الفريق الإيطالي فإنّ النتائج الأولية مشجعة للغاية. في الوقت ذاته يجري مركز أبحاث أمريكي في مدينة سياتل بولاية واشنطن تجارب لقاح على متطوعين، ليتم الإعلان عنه نهائيًا في يونيو 2021. أما روسيا فقد قالت إنها تمتلك كل القدرات لإنتاج اللقاح، وأنه سيكون جاهزًا قبل اللقاح الأمريكي بستة أشهر.
إن الصين التي شهدت أول معاناة، وأول هدوء بعد المعاناة، تمضي مؤسساتها البحثية هى الأخرى في سباق الوصول إلى لقاح جديد. تعمل أكاديمية العلوم الطبية العسكرية في مشروع طموح، ويعمل فريق علمي في شنغهاي في سياق آخر لأجل الهدف ذاته. وحتى الوصول إلى اللقاح المنشود أقرت الصين رسميًا استخدام عقار ياباني مضاد للفيروسات، كما تعمل مع شركة “بيو” الألمانية لأجل استخدام عقار آخر. وبينما تنتظر الدوائر البحثية نتائج العقار الصيني – الألماني المقترح، فإن أساتذة في جامعة ووهان أشادوا بالعقار الياباني ونتائجه.
ثمّة من يرى ذلك كله سباقًا لأجل المجد، وقد أثار أحد الباحثين الفرنسيين جدلًا حين أعلن أن هناك (2,5) مليون يموتون بأمراض تنفسيّة سنويًا، وأن العلاج الموجود “كلوروكين” والذي يستخدم لمواجهة الجراثيم داخل الخلية، هو علاج ناجح. لكن الباحثين حول العالم قد اختلقوا سباقًا من أجل عقار جديد لأجل إشباع طموحاتهم الشخصية في الحصول على جائزة نوبل!
لقد أعاد فيروس كورونا المستجد “كوفيد – 19” الأضواء إلى العلم والعلماء من جديد. فلطالما كان العلماء يقضون حياتهم داخل جدران المعامل، صانعين الجوانب الإيجابية من الحضارة المعاصرة، لكن من دون اهتمام أو ضجيج.
في مقاله الرائع في موقع “ساينتيفيك أمريكان” يقارن الدكتور محمد المخزنجي بين “الحرب النووية” و”الحرب النانوية”، ويشير إلى أن العلماء الذين صنعوا القنبلة النووية ثم القنبلة الهيدروجينية كانوا يعملون لأجل أكبر تدمير ممكن للخصوم، لكن علماء النانو على الجانب الآخر يعمل كثير منهم داخل الخلية من أجل حماية الإنسان.
إن حجم “كوفيد – 19” هو واحد على (125) مليون من المليمتر، وهو ما لا يمكن التعامل معه من دون علوم النانو، ذلك أنه يقع ضمن الكائنات متناهية الصغر. ويذكر الدكتور المخزنجي أن العلم قد توصل إلى “قناع نانوي” وهو قناع يمكنه حجب كائنات دقيقة للغاية من حجم كورونا المستجد، وأن “اللقاح النانوي” سيكون الحل، وستكون تكنولوجيا النانو هى الطريق إلى ذلك اللقاح.
لن يتحمل الاقتصاد طويلًا، وسوف يتراكم “فقراء كورونا” إلى سابقيهم من “فقراء العولمة”، سيضاف “الفقراء الجدد” إلى “الفقراء القدامى”. وما لم تنته أزمة كورونا عام 2020، فإن الأزمة الاقتصادية قد لا يمكنها الخروج من النفق المظلم.
لا يمكن التفكير في المستقبل من دون امتلاك الأمل، ولطالما عانت الإنسانية حروبًا وأوبئةً وفقرًا، وكانت بكل إمكاناتها في حالة “بدائية” إذا ما قورنت بحضارة اليوم. سيأتي الحل من دون شك، وستعود الحياة إلى العالم بلا ريب. وبينما العلماء في معاملهم والمواطنون في منازلهم.. فإنّ الكلّ يتضرع إلى الله عزّ وجلّ.. أملًا في عونه وطمعًا في رحمته. ليحفظ الله بلادنا، وليحفظ الله عالمنا.
جريدة الأهرام