قراءة موضوعية في العلاقات السعودية الأمريكية
بقلم – الدكتور إبراهيم المطرف:
على الرغم من أن عددًا من المؤرخين، يرجع نشأة العلاقات التاريخية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، إلى اكتشاف أول حقل للبترول بالمملكة في الثلاثينيات من القرن العشرين، إلا أن التاريخ الحقيقي والفعلي لهذه العلاقة، يرجع نشأة العلاقة تحديدًا إلى 15 فبراير 1945، عندما اجتمع المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن يرحمه الله والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، على متن البارجة الأمريكية «كوينزي» التي رست في منطقة البحيرات المرة في مصر، وشهدت لقاء الزعيمين الذي امتد إلى أكثر من خمس ساعات، تولى ترجمة حوارهما خلالها، العقيد ويليام إدي (William Eddie) الذي كان يعمل في القنصلية الأمريكية بجدة، ويتحدث العربية بطلاقة، إذ يعود أصله لمدينة صيدا اللبنانية التي ولد فيها.
ومنذ ذلك اليوم التاريخي، تدفقت مياه غزيرة تحت الجسور، وتعرضت خلالها المياه المتدفقة في نهر العلاقات الثنائية بين البلدين، للكثير من التحولات، بل والتغيرات.
إلا أن التحولات التاريخية بقيت في أضيق إطار، ورغم الاختلافات العالقة إزاء عدد من المواقف التي طرحت نفسها في بعض المراحل التاريخية، حول بعض ملفات السياسة الخارجية للبلدين، إلا أنه لم يكن بين البلدين الكثير من الخيارات آنذاك، ولن يكون أمامهما حاضرًا ومستقبلاً، إلا خيار «الشراكة الإستراتيجية».
ولا شك أن خيارًا كهذا، لن يطرح على الدولتين سوى الاستمرار في العمل الثنائي المشترك، حيث تتطلب الضرورات الدولية التنسيق المستمر بينهما، ضمانًا للأمن والسلم الدوليين.
إن «القراءة» الموضوعية والأمينة لتاريخ العلاقات السعودية الأمريكية، ترجع بهذه العلاقة إلى مصالح إستراتيجية تتجاوز بكثير مجرد حصرها في «برميل النفط» الذي تحرص الولايات المتحدة، من جهة، على الحصول عليه من المملكة، وتهتم المملكة، من جهة أخرى، بأن يكون مطروحًا على ملف علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة.
ويمكن القول بأن الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، لا تزال كما هي دون أن تتغير ملامحها الأساسية، التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، مع بدء مرحلة القطبية الثنائية التي وضعت الولايات المتحدة على رأس المعسكر الرأسمالي، والاتحاد السوفيتي على رأس المجتمع الاشتراكي. وعلى الرغم من اختفاء الاتحاد السوفيتي، إلا أن الأهداف الاستراتيجية، لا تزال باقية في تعبيرها عن المصالح الأساسية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الخليج. ومن هنا يمكن القول، بأن السياسة الخارجية الأمريكية ستظل تعتمد في إستراتيجيتها في منطقة الخليج على محاور أربعة:
أولها: ضمان تدفق البترول بأسعار معقولة وبلا عوائق إلى الولايات المتحدة وحلفائها الرئيسيين.
وثانيها: حماية أمن إسرائيل.
وثالثها: ضمان عدم تحكم أي قوى معادية، أو منافسة للولايات المتحدة وحلفائها، من خارج المنطقة أو من داخلها في نفط الخليج، ومنع هذه القوى من تهديد أمن المنطقة.
ورابعها: الالتزام باستخدام القوة العسكرية لحماية مصالحها البترولية، في حال لزم الأمر.
إن توفير الاستقرار والأمن في منطقة الخليج، يعد أهم عامل لضمان تحقيق تلك الأهداف، ومن هذا المنطلق، تأتي مصلحة الولايات المتحدة في مساعدة المملكة العربية السعودية على حماية أمنها واستقرارها، وحرصها كذلك على ألا تتعرض المملكة، صاحبة الاحتياط البترولي العالمي الكبير، لأي متاعب أو اضطرابات، قد تأتيها لا سمح الله، على خلفية صراعات إقليمية أو من قوى خارج المنطقة.
وقد يكون من الضروري هنا أن نشير، إلى تنبؤات مكتب الإحصاء الأمريكي الذي توصل، في أحد تقديراته، إلى أن عدد سكان المملكة سيزداد بنسبة 56 % خلال السنوات الخمس عشرة القادمة، وهو ما يتطلب، وفق رأي القائمين على مكتب الإحصاء، إدخال إصلاحات اقتصادية أساسية، لتأكيد الاستقرار السياسي والاجتماعي في المملكة.
ونجده من اللازم، في هذا المجال، أن نؤكد أن عملية الإصلاحات السعودية، قد بدأت قبل ذلك بوقت طويل، وعلى الصعيد الاقتصادي بشكل واسع، ثم تبعتها عملية إصلاحات واسعة، على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه الإصلاحات قد «حالت» دون الحاجة لإقدام الولايات المتحدة، الشريك الاستراتيجي للمملكة، لتذكير شريكها بمسألة إدخال الإصلاحات اللازمة، للمحافظة على استقرار وأمن المملكة.
وفي كل الأحوال، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج إلى المملكة العربية السعودية، كما تحتاج المملكة إليها، على قاعدة المصالح الاستراتيجية المشتركة للطرفين، ووفق «إستراتيجية العلاقات السعودية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين» التي وضعت آلياتها الدولتان، إبان زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أطال الله في عمره، للولايات المتحدة في الجزء الأخير من عام 2015.