الشورى بين النظرية والتطبيق
بقلم – الدكتور سعيد عطية أبو عالي:
أسلوب سلس يسهِّل الفهم على القارئ، ويستدعي الشواهد من خلال السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي بمعانيها السَّامية لدى المسلمين. وهذه الشواهد تستدعي الشرح لمعانيها ومراميها.
مقارنة أساليب الحكم في الجاهلية (وأقول أساليب الحياة المجتمعية قبل الإسلام) لم تفصح عن بعض تجارب الأمم غير العربية قبل الإسلام مثل الفرس والروم.. وهم كان لهم تسلسل في إدارة أمور الحياة، يقرب إلى ما نسميه أسلوب الحكم، وإن كان بعضها متعسفاً ومتسلطاً، لا يعتمد إلا على رأي كسرى في فارس، أو رأي الإمبراطور في الروم، ولكنها أخذت عندهم شكل الأعراف بل القوانين (آخر ص22 وص23 وأوائل ص 24).
الدكتور شبلان يؤكد أنَّ القرآن شرَّع الشورى بين المسلمين في جميع أمورهم المشتركة، وقد جاء التوجيه القرآني بالشورى بعد إقامة الصلاة التي من فوائدها المساواة بين الناس، فالكل وقوفٌ بين يدي الله صفوفاً متراصة وأعمال جمعية بالتساوي، فلا كبير ولا صغير، ولا سيد ولا مسود في الصلاة. الكل أمام الله سواء. والصلاة فرض يومي. والشورى صبغت غزوة بدر مكاناً وعتاداً، وكأننا بها نوراً في غزوة الخندق.
والشورى في ذاتها هي عمل أمانة وصدق وعزم؛ فالمستشار مؤتمن والقائد -زعيم الأمة- يستمع للمشورة ويوازنها، في ضوء ما يمتلكه من معلومات بما يراه صالحاً للناس وللدولة.
وقد التزم الخلفاء الراشدون ومن جاء بعدهم ليدير أمور الناس بالشورى، وإنَّ أمر تنظيمها مثل اختيار أهل الرأي وتحديد مكان اجتماعهم، وكيفية اتخاذ القرارات فيما بينهم تُرِكت لأهل الحل والربط، ينظمونها بما يضمن للمبدأ -الشورى- الاستمرار وللناس -الشعب- مصالحهم ومصالح الوطن كله.
ويبقى أمامنا -كما يرى الشبلان وهو محقٌّ فيما يرى- أنَّ الشورى أمانة وموقف وعليها يستقيم أمر الأمة، وهي ضامنةٌ حاضنةٌ لذلك.
الكتاب هو (الشورى بين النظرية والتطبيق) يأخذنا في رحلة تأملية من عهد النبوة المصطفاة، والخلافة الراشدة إلى أيامنا في بلادنا العزيزة (المملكة العربية السعودية).
من حظِّنا وحظ بلادنا أنَّ المملكة تأسَّست على مبدأ الشورى من فجر أيام الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله رحمة الأبرار- وقد تشكَّل مجلس الشورى في عهده منذ العام 1343هـ، بحيث رأى الملك أنَّ الشورى أمر واجب فقال: «إذا تعارض أمري وأمر الشورى، فاضربوا أمري عرض الحائط».
وسار أبناء الملك عبدالعزيز من بعده على نفس المنوال، إلى أن أصدر الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- نظاماً جديداً لمجلس الشورى في شهر شعبان عام 1412هـ، وعلى أساسه تشكَّل المجلس من ستين عضواً ويكون مقرّه (الرياض) وتطورت أعمال المجلس ومسؤولياته. وزاد عدد الأعضاء حتى وصل إلى رئيس ومائة وخمسين عضواً وعضوة، حيث اعتمد الملك عبدالله -رحمه الله- إشراك المرأة باختيار ثلاثين سيدة أعضاء كاملات العضوية في المجلس. وهكذا تأتي (الشورى) في بلادي، مؤسسة على القرآن والسنة.. والأعضاء هم من ذوي العلم والخبرة الموصوفين بالأمانة، ويؤدي الرئيس والأعضاء والأمين العام القسم أمام الملك ومدة المجلس أربع سنوات. ولقد كان افتتاح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- للمجلس في دورته الحالية حدثاً بارزاً، حيث حدَّد في كلمته منهج العمل في بلادنا العزيزة.
إنَّ الكتاب يبرز أهم الأحداث في مسيرة الدولة الإسلامية.. وإلى عهدنا الزاهر. وأوصي القراء والقارئات بقراءة هذا الكتاب، ففيه توثيق، وفيه تأصيل، وفيه متعة الترحال بين عصور التاريخ.