مصر والسعودية..التوازن الاستراتيجي المنشود!
بقلم : مجاهد خلف
مدير تحرير الجمهورية .. رئيس تحرير عقيدتى السابق
التطورات المتتابعة لنمو وتصاعد وتيرة العلاقات الاستراتيجية بين مصر والسعودية في السنوات الاخيرة وجهت ضربة قوية لكل من حاول العزف على اوتار الصراع السياسي في المنطقة سواء من داخلها او خارجها ..واصابتهم النتائج الاخيرة بخيبة امل واجبرتهم على اعادة الحسابات مرة اخرى ..
ولعل أبرز النتائج للتقارب المصري السعودي هو حماية المنطقة من الوصول الى حافة الانهيار السياسي والاقتصادى .. وتمكن قادة البلدين من تجاوز الكثير من الفخاخ المنصوبة بعناية لاشعال الصراع وعوامل الانشقاق والفرقة المقيتة ..
لقد كان للقراءات الخاطئة والتحليلات المفرطة في التشاؤم دور بارز في عملية خلط الاوراق واثارة العديد من الاوهام التى كانت كفيلة باغراق المنطقة في مستنقعات من الفوضى المدمرة وبحور من الدماء.. ولا يمكن لاي مراقب او متابع حصيف ان ينكر او يغض الطرف عن السرعة التى حدثت على صعيد التعافي المصري ونجاح مصر في استعادة توازنها الداخلى وعلاقاتها بالعالم عقب سنوات الثورة ونجاحها في استعادة الوعي بأقصى سرعة مما مكنها من دحض المخططات اياها الى كانت معدة سلفا لادخال مصر والمنطقة دوامة الفوضى والصراع الذي لا يتوقف..وهو ما اجبر ايضا القوى الدولية على اعادة حساباتها واعادة تشكيل خريطة تحالفاتها ضد المنطقة ..
ولا يمكن لاي مراقب ان ينكر ان حكمة وذكاء قادة البلدين في مصر والسعودية كانت وراء نزع فتيل كثير من الازمات المفتعلة لمنع التقارب والتنسيق المصري السعودي بل والمصري الخليجي .. وهي القوى الحيوية الباقية في الجسد العربي المثقل والمثخن بالجراح والتى اهلكته الصراعات السياسية والمذهبية لأكثر من دوله برعاية اجنبية شاملة بالطبع .. حاول بعض المتفلسفين ان يلوي عنق حقائق التاريخ والجغرافيا ويرسم صورة للمنطقة تحت زعم تغييب الدور المصري وان المنطقة تبحث عن قيادة جديدة وزعامة اخرى وقدموا تفسيرات وتبريرات شيطانية بان المارد المصري قد سقط بالفعل في الدوامة وانه لا محالة ان يفيق قبل مرور مائة عام.. وقالوا ان المنطقة والقوى الموجودة بها لن تنتظر عشرات السنين حتى تفيق مصر وتعيد اوراقها وتستعيد ريادتها من جديد..
لقد كان الرهان حقيقة على تغييب الدور المصري وتغيير موضع القيادة في المنطقة ..وفي هذا الاطار سمعنا وقرأنا العديد من الاطروحات وانه قد أن الاوان لان تجرب المنطقة توجهات جديدة وغير ذلك وانه قد ان الاوان لانهاء الحقبة المصرية وللاسف وجدت هذه الاراء من يروج لها ويكاد يصدقها .. اعتمدوا في ذلك على ان مصر منهكة تماما بعد الثورة وتداعيات الربيع العربي اياه الذي خلف اثارا كبيرة على القوى السياسية وخريطتها وعلى حركة الشعوب التى تم التركيز عليها في عمليات الاثارة وتوجيه دفة الاحداث باستخدام كل الوسائل والاغراءات الخبيثة من اموال قذرة واسلحة وخطط دنيئة لابقاء الساحة مشتعلة وشل الحياة العامة والخاصة ودفعها الى الوراء دائما الى ما دون نقطة الصفر ووقف حركة الانتاج وانشطة البناء ..
وفي المقابل تتم عمليات اثارة لدول الخليج والسعودية والامارات تحديدا في محاولة لتعطيل ووقف المساعدات لمصر وشعبها وتم العزف على اوتار الاموال والمعونة وانه لابد ان يكون لها المقابل وان مصر لابد ان تدفع الثمن .. والثمن في رأيهم هو ان تتراجع وان تتخلى عن دورها في المنطقة .. نسي هؤلاء ان القوة المادية ليست كل شيئ رغم اهميتها الحيوية وان القيادة السياسية ومواجهة القوى الدولية ومخططات التقسيم والسيطرة واعادة رسم الخرائط مسالة في غاية الاهمية والصعوبة وان الامور ليست لعبة بحسب الاهواء والاغراض وان الاماني شيئ و التعامل مع حقائق التاريخ وتضاريس الجغرافيا شيء اخر وانها قضايا لا يصلح لها الا الرجال .. الادراك الواعي من جانب القيادة المصرية ورئيس مصر عبدالفتاح السيسي والقائمين على الحكم في المملكة العربية السعودية منذ الملك عبد الله ووزير الخارجية سعود الفيصل رحمهما الله ومن بعدهم الملك سلمان نجحوا في القفز على كل المخططات الخبيثة وتجاوز كل المطبات والكعبلات وفي ان يقودوا علاقات البلدين والمنطقة بعيدا عن نقاط الصدام والشقاق رغم انها كانت وشيكة في بعض الاحيان ومتوقعة في احيان اخرى بفعل فاعلين عمدوا دائما الى صب الزيت على النار ومنع اخماد اي شرارة تطفو على السطج ..
لايمكن ان ننكر ان الاوضاع كانت بالغة الخطورة والصورة في كثير من الاحيان قاتمة .. خاصة وان الصراع بين القوى الدولية كان يشتد داخل المنطقة وعليها.. وكانت امريكا ترسل رسائل خبيثة للاصدقاء والحلفاء للتأثير على الموقف المصري والعربي معها ..وفي الاثناء كان يعاد رسم مناطق النفوذ واعلان الحماية مرة اخرى في الشرق الاوسط بكامله.. ولعبة الاستقطابات تجري على اشدها تحت وطأة الحشود العسكرية وتحرك الجيوش وقعقعة السلاح والمعدات الحربية بكل انواعها صوب المنطقة التى باتت بالفعل على وشك حرب عالمية ثالثة وتوقع العالم اشتعال الشرارة بين عشية وضحاها.. ما جرى في سوريا والعراق ولبنان وليبيا واليمن خير شاهد ودليل .. نجحت القيادة المصرية والسعودية في امتصاص كثير من الصدمات واجهاض العديد من المخططات ووأد حركات صبيانية من هنا وهناك ومحاولات اثارة في الداخل والخارج واللعب على القوى الخارجية التى كان يزعجها التنسيق المستمر على الجبهتين المصرية السعودية ..
مصر والسعودية اكبر قوتين في المنطقة بما يملكان من امكانيات اقتصادية وسياسية وجيوسياسية وهما المؤهلتان بالطبع لضبط حركة الايقاع في المنطقة والحيلولة دون حدوث تدهور يخرج بها عن نطاق السيطرة ..خاصة عندما كان يحدث اختلاف في وجهات النظر فيما يتعلق بالقضايا الاقليمية وطبيعة العلاقات مع القوى الدولية الفاعلة على الساحة والمتحكمة في سير الاحداث في المنطقة .. تطورات الاحداث ونتائج الصراع حامي الوطيس بين قوى الشرق والغرب والمواجهات الدامية على الارض بينها خاصة في سوريا اكدت ان التقارب والتنسيق المصري السعودي امر مصيري لا مفر منه في مواجهة التحالفات الدولية والاقليمية ومواجهة المخططات ومحاولات الاختراق على اي من الجبهات او على الاقل لكبح جماح تلك القوى التى تريد ابتلاع المنطقة وفرض هيمنتها بالقوة ..
التقارب المصري السعودي يعزز ويقوي موقف البلدين اقليميا ودوليا ويشكل سياجا قويا غير قابل للاختراق.. الوقائع والاحداث والتجارب التى خاضتها دول الخليج عموما بعيدا عن الدور المصري او بديلا عن التنسيق والمشاركة المصرية لم يكتب لها النجاح ولمن اراد امثلة عليه مراجعة ماحدث من قبل من محاولة ضم الاردن والمغرب الى تحالف او قوة عسكرية لمجلس التعاون الخليجي عندما ارادوا توسيعه تحت غطاء ضم الممالك العربية خارج المجلس ..وايضا التحالف الاسلامي الاخير وحرب اليمن وفيما سبق من محاولات لاقامة ناتو عربي او اسلامي ..
دائما كان الادراك الواعي للقيادة السياسية في البلدين والحرص على تحقيق الاهداف والمصالح العربية العليا ومصالح الشعوب هو خط الدفاع القوي وحائط الصد امام اي محاوة للاختراق والعبث في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.. وهذا الايمان القوى بقدرة ومكانة البلدين هو الذي يمنع ويجهض دائما التأثير الخارجي للقوى الدولية والاقليمية ويحول دون احداث اي هزة في العلاقات بين البلدين مهما تباينت المواقف واختلفت الرؤى حول بعض القضايا في المنطقة والعالم .. والله الموفق والمستعان .