مقالات

سلمان في القاهرة .. زيارة للتاريخ و الجغرافيا السياسية !!

 بقلم : مجاهد خلف

[email protected]

المؤكد ان العاهل السعودي الملك سلمان سجل عدة اهداف غير مسبوقة في زيارته الحالية للقاهرة ، بعيدا عن العلاقات الثنائية فقد كسر النمط التقليدي لكل الزيارات الخارجية المتعارف عليها للزعماء العرب عموما وقادة دول الخليج من حيث الشكل و المضمون ،و كانت محماة بالكثير من الرسائل الضمنية وغير المباشرة فيما يتعلق بالتوجه نحو الديمقراطية واهمية وتقدير المؤسسات الديموقراطية خاصة المنتخبة منها ، و لعل زيارة البرلمان المصري اليوم( الاحد ) هي الدليل الاكبر و الساطع على ذلك ، و ربما تكون هي المرة الاولى لقائد او زعيم عربي في التاريخ الحديث والمعاصر يتجاسر و يتحدث الى شعب في بلد آخر من خلال ممثليه المنتخبين و من تحت قبة البرلمان المصري اعرق المؤسسات النيابية في المنطقة ، وهي اشارة لها دلالتها التاريخية و السياسية ، و ربما يكون لها انعكاساتها الايجابية على دول الخليج و شعوبها خاصة التى بدإت تأخذ خطوات جادة و معتبرةعلى طريق الديموقراطية الشعبية وتعزيز دور المجالس النيابية المنتخبة .. و كأن العاهل السعودي اراد يكتب تاريخا جديدا في منظومة الحكم السعودى خاصة والخليجى عامة .. هذا فضلا عن الاشارة القوية وربما المقصودة للشعب المصري بالتعبير عن التأييد السعودي والتهنئة باكتمال خارطة الطريق ووصولها الى بر النهاية بعد طول غياب و تعثر .. ( 2) سألوني في شبكة صوت العرب عن زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر ودلالات الحفاوة البالغة و الترحيب الحار بها .. قلت للاذاعي القدير عبد الرحمن البسيوني والاذاعية الواعدة مروة فؤاد في البرنامج الشهير “بالعربي ” انه من الظلم ان نحصر لقاء القمة المصرية السعودية في اطار العلاقات الثنائية على اهميته و ضرورته ، لكن اللحظة الراهنة تلقي بالظلال الكبرى و تطرح بسؤال المسئولية الاكبر امام واقع عربي في غاية الصعوبة و تطورات متسارعة للاحداث لم يعد لاحد عاقل اوغير عاقل ان يطيق معها صبرا ، فقد بلغت الامور الحلقوم و يكاد اليأس و الاحباط على مستوى الشارع العربي يعصف بالكثير ، و ينذر بكوارث اشد و أنكى اذا لم يتدارك العقلاء و اصحاب القوة الحاكمة و المتحكمة الامر لانقاذ ما يمكن انقاذه بعد ان صارت الامور الاستراتيجية الكبرى العوبة في ايدي الحلفاء الاستراتيجيين او من كنا نعتبرهم كذلك .. قلت لا يمكن ان نفهم الزيارة فهما صحيحا بعيدا عن القراءة الحقيقية للخريطة العربية الراهنة وحالة التعطش العام الى عمل عربي موحد او تعاون عربي و لو في حده الادنى ، بعد ما آلت اليه اوضاع العديد من الدول الحيوية من تدهور وصل حد التهديد بالاختفاء من على الخريطة زوالا او تفتيتا ، و تجاوز الامور حدود اللامعقول في كل شيء سياسيا و استراتيجيا ، خاصة وان مناطق و خطوط التماس مع مراكز الحضارات المحيطة على الحدود العربية والتى اصبحت تشكل حزاما ملتهبا متجاوزا مسألة الاحتكاك الحضاري سواء في المشرق او المغرب او في الشمال و الجنوب ، و بدا الوضع و كأننا امام محرقة حقيقية لاراضي و مواطن الحضارات التى عرفتها الانسانية منذ بداية التاريخ ، القراءة العفوية و المباشرة تؤكد لاي مراقب ان هناك عمليات انتقام من اراضي و اصحاب الحضارات ، وانظروا ما يحدث في ارض الهلال الذي كان خصيبا و ماذا جري لشواهد و معالم الحضارات فيه ، ايضا ما يجري في العراق و حضاراته و عملية الاغتيال الممنهج و بلا هوادة ، ايضا ما يجرى في اليمن الذي كان سعيدا لا يقل عنها كارثية ، و المغرب العربي يعاني الامرين من هدم صروح الحضارة فيه ، في الشمال و الجنوب و في قلب الصحراء الكبرى و في مالي على وجه التحديد .. ( 3 ) قلت ايضا ان اهمية القراءة الواعية للخريطة الحالية قد يعالج القصور المزري في ادراك حقائق و دروس الجيبوليتيكا التى اهملناها طويلا ، سواء بعمليات الانكفاء على الذات و التقوقع في احضان قوى دولية استمرأنا عسلها المر ، ووعودها الخادعة ورفعنا رايات مزيفة ابهرتنا بها و رسمت لنا خيالات فوجئنا بانها و السراب سواء حينما حانت ساعة الجد و دقت نواقيس الخطر مع اشتعال صراع المصالح على أشده .. قراءة الخريطة الان تحدد بوضوح اين تكمن نقاط الارتكاز المهمة في الامة ، تبرز بقوة مناطق الرمال المتحركة و الكثبان الرملية الخطرة ، مواقع البراكين المحتملة وكذلك اماكن الفوالق الارضية و السياسية واحتمالات الزلازل المتوقعة وقوة تأثيرها على الوضع العربي الراهن و في المستقبل القريب ، و في المقابل نقاط القوة والثغور الحصينة في مواجهة قوى دولية كشرت عن انيابها وترفض التنازل عن معاملة العديد من الدول على انها قاصر وغير مسموح لها بان تخرج عن طوعها و الا اصبحت ناشزا و تفرض عليها الحماية او الانتداب او اي من تلك التسميات التى تعيد عصر الامتيازات الاجنبية و اتفاقيات سايكس بيكو و اخواتها التى قصمت ظهر العرب قديما و لا زلنا ندفع الثمن غاليا من دمائنا و ثرواتنا وتمدد الامر الى حضارتنا و ديننا و أخلاقنا .. ( 4 ) وقلت ايضا ان العلاقات الثنائية و قوتها و ترابطها واستمراريتها مسألة لا تشغلنى و لن تؤثر فيها اي سحابات صيف ، فهي عابرة لا محالة ، فالروابط على مستوى الشعوب او التاريخ و الجغرافيا توفر الحصانة ضد عبث العابثين ونزوات اصحاب الطموح غير المنضبط في المنطقة والذين يثيرون النزعات الطائفية و العصبيات المذهبية لاشعال نيران الفتنة وضرب الوحدة العربية والاسلامية من ناحية اخرى .. و يستغلون في ذلك احزابا سياسية تحمل زورا اسم الله الاعظم او جماعات لها اسماء اسلامية و هي اكثر عداوة للاسلام وأهله و يتم دعمها و تغذيتها بكل الوسائل و دعمها ماديا بكل صنوف الاسلحة الفتاكة لتشويه صورة الاسلام و المسلمين مع سبق الاصرار و الترصد .. ( 5 ) اللحظة التاريخية الراهنة تمنح الزيارة اهمية كبرى كونها تأتي مع اقتراب موعد حدثين اعتقد انهما بالغي الاهمية احدهما على الصعيد العربي و الاخر على الصعيد الاسلامي ، و لعل هذا يصب في باب المبشرات السياسية اذا ماتوفرت الارادة و الرغبة و القدرة على التحدي ، الحدث الاول القمة العربية القادمة اواخر ابريل الجاري في موريتانيا ، وقمة منظمة المؤتمر الاسلامي في اسطنبول والتى من المقرر ان تسلم فيها مصر رئاسة الدورة لتركيا .. اعتقد ان المواطن العربي الجريح و المكلوم ينظر بعين الامل و التطلع لبارقة من نور ، للقاء اكبر قوتين في المنطقة على مستوى القمة ( مصر والسعودية ) و لسان حاله يقول هل من نهاية لهذا النفق المظلم الذي طال ليله و طال ؟!، هل من وقفة جادة تزيل عنه عار الذل و الاذلال على بوابات الحدود في الدول الاوروبية ؟! هل من يد حانية تربت على كتف المعذبين من المهجرين الذين ينتظرون الحسنات و الصدقات من الجمعيات الخيرية و فتات المعونات للحكومات الاوروبية ؟!! آن الاوان ان نبدأ الخطوة الاولى والقفزة الحقيقية نحو الامل من على ضفاف المحيط الاطلسي من نواكشوط وفي الاتجاه الصحيح .. وانا لقادرون باذن الله

نقلا عن الجمهورية اون لاين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى