مقالات

الشيخ إبراهيم الدوسري..وكتابُهُ : “إبرازُ المعاني بالأداءِ القُرآني” 3-3

 

بقلم : عبداللطيف الجوهري

يُواصل المؤلف في بيان فضل التأثير بالصوت الحَسَن والأداء المجود في المتلقي  مستشهدًا بالحديث الشريف : “لَلَّه أشدُّ أُذنًا إلى الرجل الحَسَن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القَينة إلى القينة ” (أخرجه ابن ماجه في السُّنن) ،وفي رواية الإمام مسلم -كما يروي شيخنا المؤلف :” ماأذِنَ الله بشيئ كإذنه لنبيًّ أنْ يتغنى بالقرآن ويجهر به ” (السابق30) .

وتفاوت التأثير في أداء القرآن الكريم لايقتصر على الأداء الصوتي له ، وإنما يرى المؤلف أهمية تنوع مقومات الأداء ومنها المقومات : المعرفية والنفسية والإيمانية فضلًا عن المقومات الصوتية ، فيقول في بيان أدبي عذب : “الصوتُ راحلة القارئ ، فإذا كانت الراحلة تُزَيِّن حاملها وتَسُر الناظرين إليها فإن الصوت يُزَيّنُ قارئه وُيغري السامع إلى الإنصات إليه ، ومهما أُوتي القارئ من سعة الاطلاع والرواية وقوة الحفظ وضبط الحروف فإنه لايقدر على منافذ التأثير على السمع ، إن لم يُعمل الجانب الصوتي في أدائه ” . ( السابق ص45) .

ونواصل السباحة في بحر شيخنا الدكتور إبراهيم بن سعيد الدوسري ؛ لترسوَ سفينتنا على شاطئ الباب الثاني من الكتاب وموضوعه : ” غايات الأداء القرآني وظواهره وتطبيقاته ” ويشتمل على ثلاثة فصول وهي : غايات الأداء – ظواهر الأداء – دراسة تطبيقية على سورة الفاتحة .

ويتصدر الفصل الأول تعريف المؤلف بغايات الأداء القرآني فيقول : ” والمقصود بغايات الأداء ماشتملت عليه آيات القرآن الكريم من المعاني والمقاصد كالأمر والنهي والإثبات والنفي والخبر والاستفهام والحث والتحضيض والتلهف والتندم والتعظيم والتحقير ” ويراها المؤلف كلها تندرج تحت ثلاثة معانٍ رئيسة وهي الدلالة التصويرية والإثارة الوجدانية والروعة الجمالية ” (انظر السابق ص59 ) .

ويستوقفنا المؤلف في بيان فضل الإثارة الوجدانية فيقول : ” ومما سبق يتبين أن الإثارة الوجدانية غاية مطلوبة ومحمودة في أداء القرآن ، ثم إن التلاوة إذا عَرِيَتْ منها ضَعُفَ وقعُها على السامع وأمستْ آلية خاليةً من النبض الروحي ، والقرآن رُوْحٌ ، كما قال الله تعالى : ” وكذلكَ أوحينا إليكَ رُوْحًا من أمرنا” والروح يحتاج إلى رُوحٍ يُترجمهُ لا آلة تقدمه ” ( السابق ص72 ) .

ويُلحُّ مؤلفنا الكريم على بيان الروعة الجمالية في جمال التلاوة فيقول : ” فكذلك تلاوة القارئ لاتعتمد على حُسن الصوت فحسب ، وإنما يبدو جمالها في حُسن الأداء المتقن المعبر عن المعاني ، بحيث تُوَفَّى فيه الحروف حقوقها ومستحقاتها مَخرجًا وصفةً، ونُعمل فيه كل مقومات الأداء الإيمانية والنفسية والمعرفية والصوتية ” ( السابق ص80) .

وفي الفصل الثاني من هذا الباب يخصه المؤلف بظواهر الأداء واساليبه ويعرض في المبحث الأول فيه لمراتب التلاوة وأساليبها الثلاثة وهي : التحقيق والحَدْر والتدوير ، ويعرض لإشارة ابن البناء (ت:417) لتلك المراتب من أساليب التلاوة التي أوردها في كتابه (بيان العيوب التي يجب أن يتجنَّبها القُرَّاء ) لافتًا : (” إلى توجيه القارئ على المضي على سَنَنٍ واحد بترتيل وهو أكملها ، أو بحدرٍ وهو أسهلها ، أو أن يجمع بينهما وهو أعدلها ” ومُراده بالترتيل : التحقيق، ومُراده ب” الجمع بينهما” : التدوير”) ( السابق ص84 ، 85) .

ويخلص الشيخ المؤلف في بيان فضل الترتيل إلى قول الإمام السيوطي في ( الإتقان في علوم القرآن) : ” واستحباب الترتيل للتدبر ؛ لأنه أقرب إلى الإجلال والتوقير وأشد تأثيرا في القلب ( 2—355) ويعقب شيخنا المؤلف على ذلك لقوله :” وبذلك يتضح أن مفهوم الترتيل هو أوثق المراتب بالمعنى وأن إبراز المعاني فيه بمنزلة الروح من الجسد ” (السابق ص 88-89) .

أما الحَدْرُ من مراتب الأداء فيُعرفه الشيخ المؤلف بقوله : “وهو لون مميز من ألوان الأداء،يتسم بالسماحة وعذوبة الألفاظ ولطافة المعنى ولاسيما إذا أداه مجُوِّدٌ ذو صوتٍ حَسَن ،فإنه يُرهف الآذان ، ويملأ الوجدان وتحيا به القلوب،كما الغيثُ إذا تتابع نُزولُه وانهمرقطرُه ، إما إذا ضُمِّخ الحدر بشيئ من الترجيع والتحزين بمايناسب المعاني ،فناهيك عن حُسنه وروعة جماله وأثره على المشاعر والأحساسيس”(السابق ص94) .

وقد ختم شيخنا الإمام تطوافه في بستان الأداء القرآني بدراسة تطبيقية على سورة (الفاتحة) خصَّ بها الفصل الثالث من الباب الثاني والأخير من الكتاب ، وقد علَّل ذلك بقوله : ” كُلُّ سورة في كتاب الله يمكن إبراز معانيها إذا رُوعيَ في تلاوتها أصول أئمة أهل الأداء ، والتي تمت دراستها فيما مضى من مباحث هذا الكتاب ، وقد وقع اختيار سورة (الفاتحة) ؛لحاجة كل مسلم إلى تعلُّمها وطلبًا للاختصار ، حيث يحصل بها المقصود ، ويتحقق بها المراد مما يغني ذوي الأفهام عن التطبيق على سائر سور القرآن “( السابق ص 172) .

وقد جاء أسلوب شيخنا المؤلف عذب الألفاظ مُشرق العبارات جَلَيَّ المعاني مع العرض الشائق لكافة موضوعاته ومباحثه ، مُستعينًا للإقناع بالفكرة والإفصاح عن المعاني بالأدلة الشرعية والحُجج العقلية ، متسلحًا بأقوال الراسخين من أهل العلم وأئمة الرواية والدراية وأعلام القراءات والتجويد وأهل اللغة والأدب والأصوات وعلوم الاتصال وفنِّ الإلقاء والعلوم النفسية والاجتماعية الحديثة ، مُعَبّرًا عن معانيه وأفكاره  في مباحث الكتاب بالأسلوب الأدبي بجمال التصوير والتعبير والاستشهاد بالعذب من الأشعار ، على نحو مادللَّنا على ذلك في الاقتباس من جمله وألفاظه وعباراته .

جزى الله شيخنا الإمام الجليل والعالم النبيل على مابذله لإنجاز هذه الدراسة من جهد ووقت ومال خير الجزاء ، ونفع الله بعلمه الأمة ، وأعزَّ به الملة ، وهدى به الحائرين إلى طريق رب العالمين .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى