مقالات

نماء المكية تصنع جيل التطوع والابتكار وتغرس الاستدامة في قلوب الأطفال عبر هاكاثون غراس

بقلم – هدى المالكي :
في مشهدٍ وطنيٍ يجسّد عمق الرسالة التنموية للعمل التطوعي في المملكة، تبرز جمعية نماء المكية للسقاية والرفادة كأحد النماذج الرائدة التي انتقلت بالعمل الخيري من إطار المبادرات التقليدية إلى فضاءات الابتكار وصناعة الأثر المستدام، وهو ما تجلّى بوضوح في تنظيمها هاكاثون غِراس التطوعي.

لقد جاء الهاكاثون، الذي أُقيم برعاية رئيس مجلس إدارة الجمعية الدكتور عبدالعزيز بن محمد الغامدي، ليؤكد أن الاستثمار الحقيقي يبدأ من الطفولة، وأن غرس قيم العطاء والمسؤولية المجتمعية في سن مبكرة هو حجر الأساس لبناء مجتمع حيوي يتناغم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030. ولم يكن “غِراس” مجرد فعالية عابرة، بل منصة إبداعية جمعت فرقًا تطوعية صغيرة لصياغة مبادرات نوعية موجّهة للأطفال في المجالات البيئية والمجتمعية، عبر جلسات عصف ذهني وتحديات مبتكرة بإشراف نخبة من خبراء العمل التطوعي.

وما يميّز هذا الحدث هو وعيه برسالته؛ إذ أكّد الدكتور الغامدي أن الهاكاثون يمثل نموذجًا ملهمًا لصناعة جيل واعٍ بقيمة التطوع والابتكار، وقادر على تحويل الأفكار إلى مبادرات ذات أثر ملموس. كما عكس التعاون المثمر مع فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة مكة المكرمة، ومؤسسة صالح عبدالله كامل الإنسانية، روح الشراكة المجتمعية التي تُعد ركيزة أساسية في نجاح المشاريع التنموية.

ومن جانبه، أوضح الرئيس التنفيذي للجمعية خالد بن محمد الشيخ أن “غِراس” استهدف تحفيز الأطفال على التفكير الإبداعي، وتدريب الفرق الصغيرة على تصميم المبادرات بأسلوب علمي، مع اكتشاف المواهب الناشئة وإنتاج مبادرات قابلة للتطبيق ضمن برامج الجمعية. وقد شملت الفئة المستهدفة الأطفال من عمر 7 إلى 13 عامًا، إضافة إلى أبناء الأسر المستفيدة، في خطوة تعكس شمولية الرؤية وعدالتها الاجتماعية.

لقد نجح الهاكاثون بمشاركة 6 فرق تطوعية و30 طفلًا متطوعًا، وشملت الفرق المشاركة كلاً من فريق: أنامل الخير، وأشبال الوسام، وعطايا، ورواد الغد، والوسام، وأصدقاء الأرض، حيث أتى هذا الهاكثون بهدف ترسيخ ثقافة التطوع الإبداعي لدى الأطفال، وتنمية وعيهم البيئي والمجتمعي، وتحفيزهم على ابتكار مبادرات تطوعية مستدامة تخدم البيئة والمجتمع.

أما مخرجات الهاكاثون، فجاءت لتؤكد نجاح التجربة وعمق أثرها، حيث أسفرت عن ابتكار 10 مبادرات تطوعية مخصصة للأطفال، وإعداد دليل “مبادرات الطفل المتطوع”، وتأسيس شبكة المتطوع الصغير، إلى جانب نشر ثقافة الاستدامة البيئية والمجتمعية، وتعزيز مهارات التفكير الإبداعي والعمل الجماعي لدى المشاركين. وقد مرّ الهاكاثون بثلاث مراحل متكاملة: ورش تمهيدية، ثم جلسات عصف ذهني وتحديات، وصولًا إلى عرض المشاريع أمام لجنة تحكيم متخصصة.

وتوّجت هذه الجهود بحفل تكريم المتطوعين والجهات الداعمة لعام 2025م، حيث جرى تكريم عدد من الشركاء، من أبرزهم إدارة المنظمات غير الربحية بوزارة البيئة، أمانة محافظة جدة، مؤسسة صالح عبدالله كامل، وشركة ماكدونالدز، إضافة إلى تكريم قادة الفرق والمتطوعين المتميزين، والفريق الفائز في النسخة الأولى من الهاكاثون.

وتتجلى قيمة هذا الإنجاز عند النظر إلى حصاد العمل التطوعي في الجمعية خلال عام 2025م، والذي شمل 8,113 متطوعًا ومتطوعة، و258 فرصة تطوعية، و102,157 ساعة تطوعية، بعائد اقتصادي تجاوز 3.43 مليون ريال، وهي أرقام تعكس احترافية الإدارة، ووضوح الرؤية، وقدرة الجمعية على تحويل التطوع إلى قيمة تنموية واقتصادية مستدامة.

إن جمعية نماء وهاكاثون غِراس يقدمان درسًا مهمًا في أن العمل التطوعي الحديث لا يكتفي بالعطاء، بل يصنع الأفكار، ويبني الإنسان، ويؤسس لمستقبلٍ أكثر وعيًا واستدامة، ليبقى التطوع ركيزةً أصيلة في نهضة الوطن ومسيرته التنموية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى