مقالات

رؤية 2030 وحماية الذاكرة الحضارية .. مضاعفة المواقع الأثرية المسجلة في اليونسكو

بقلم – الأمير. د. ماجد بن ثامر آل سعود :

تُعد رؤية المملكة العربية السعودية 2030 مشروعًا وطنيًا شاملًا يستهدف إحداث تحول عميق في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، انطلاقًا من إدراك القيادة لأهمية تنويع مصادر الدخل وتعزيز الهوية الوطنية والحضور الدولي للمملكة. ومن بين الأهداف الثقافية البارزة في الرؤية، يأتي هدف رفع عدد المواقع الأثرية المسجلة في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو إلى الضعف على الأقل، باعتباره هدفًا يجمع بين حماية التاريخ، وتنمية السياحة، وتعزيز القوة الناعمة للمملكة على المستوى العالمي.
ينطلق هذا الهدف من قناعة راسخة بأن المملكة تمتلك إرثًا حضاريًا غنيًا يمتد لآلاف السنين، ويتنوع بين مواقع أثرية، ومدن تاريخية، ونقوش صخرية، وطرق تجارية قديمة. وقد عملت الدولة على تحقيق هذا الهدف من خلال تطوير منظومة متكاملة لحصر المواقع الأثرية، وترميمها، وتأهيلها وفق المعايير الدولية المعتمدة لدى اليونسكو، إلى جانب إعداد ملفات تسجيل متكاملة تستوفي الشروط الفنية والتاريخية المطلوبة. كما ساهمت الاستثمارات في البنية التحتية الثقافية، وتطوير الكوادر الوطنية المتخصصة في علم الآثار والتراث، في تسريع وتيرة الإنجاز في هذا المسار.
ومن حيث التقدم المحقق، فقد شهدت السنوات الأخيرة تسجيل مواقع جديدة في قائمة التراث العالمي، مثل موقع حِمى الثقافي ومنطقة الحجر سابقًا، إضافة إلى تعزيز الحماية والإدارة المستدامة للمواقع المسجلة بالفعل. ويعكس هذا التقدم نجاح السياسات الثقافية الجديدة، والانتقال من مرحلة الاكتشاف والحفظ المحدود إلى مرحلة الإدارة الاحترافية للتراث، وربطه بالتنمية السياحية والاقتصادية، بما يضمن استدامته للأجيال القادمة.
ومن وجهة نظري الشخصية، فإن التركيز على تسجيل المواقع الأثرية في اليونسكو لا ينبغي أن يكون هدفًا شكليًا أو عدديًا فقط، بل يجب أن يُنظر إليه كوسيلة لإعادة إحياء العلاقة بين المجتمع وتاريخه. فالموقع الأثري الذي لا يحظى بوعي مجتمعي وقيمة ثقافية لدى المواطن، يظل مجرد معلم صامت مهما بلغت أهميته الدولية.
كما أرى أن نجاح هذا الهدف يرتبط بقدرة المؤسسات التعليمية والإعلامية على غرس ثقافة الاهتمام بالتراث في نفوس الأجيال الجديدة، وربط الماضي بالحاضر بطريقة تفاعلية، تجعل من المواقع الأثرية فضاءات حية للتعلم والسياحة، لا مجرد أماكن للزيارة العابرة.
وأعتقد أيضًا أن إشراك المجتمعات المحلية في حماية وإدارة المواقع الأثرية يمثل عاملًا حاسمًا في تحقيق الاستدامة، إذ إن السكان المحيطين بالمواقع هم خط الدفاع الأول عنها، وهم الأقدر على تحويلها إلى مصدر فخر وهوية وفرص اقتصادية في آن واحد.
وقد قامت الوزارات والجهات الحكومية بدور محوري في تحقيق هذا الهدف، وفي مقدمتها وزارة الثقافة وهيئة التراث، من خلال سن التشريعات، وتمويل مشاريع الترميم، والتنسيق مع منظمة اليونسكو، كما أسهمت وزارة السياحة في دمج المواقع الأثرية ضمن المسارات السياحية، بينما دعمت وزارة التعليم البحث العلمي والتخصصات المرتبطة بالآثار والتراث، في إطار تكامل مؤسسي واضح يخدم مستهدفات الرؤية.
وفي الختام، يمكن القول إن هدف مضاعفة المواقع الأثرية المسجلة في اليونسكو يعكس بعدًا حضاريًا عميقًا في رؤية 2030، ويؤكد أن التنمية الحقيقية لا تقوم على الاقتصاد وحده، بل على صون الذاكرة التاريخية وتعزيز الهوية الثقافية. ومع استمرار الجهود المؤسسية وتنامي الوعي المجتمعي، تبدو المملكة ماضية بخطى واثقة نحو ترسيخ مكانتها كإحدى أهم الحاضنات الحضارية في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى