مقالات

الفن والحرف التقليدية .. بوابة الإبداع والابتكار

بقلم – نزهة الإدريسي :

كاتبة مغربية

في عالم تتسارع فيه الخطى نحو الحداثة يبقى الفن—بكل تجلياته من حرف تقليدية وتشكيل ونحت—هو البوابة الرئيسية التي يمرّ منها الإبداع الإنساني نحو أفق أوسع. فالفن ليس نشاطًا تجميليًا ثانويًا كما يُصوَّر أحيانًا، بل هو طاقة خفيّة تحرّك الخيال، وتعيد تشكيل الواقع، وتمنح الإنسان القدرة على اكتشاف ذاته ومحيطه من جديد.

الفنون، بكل أنواعها، تتيح للخيال أن ينطلق بحرية في فضاءات الكون، يلتقط أجمل ما فيه من خطوطٍ وألوانٍ وإيقاعات، ثم يُعيد صوغها في شكل أدوات ومنتجات ووسائل تخدم الإنسانية. ومن هنا، يصبح الإبداع ليس ترفًا فكريًا، بل حاجة تنموية تمسّ حياة الإنسان اليومية.

وتُعدّ الحرف التقليدية، التي يختزنها التراث المغربي والعربي بشكل خاص، من أعمق المدارس الفنية وأكثرها التصاقًا بالهوية. فالحرفية ليست مجرد عمل يدوي؛ إنها ذاكرة جماعية، وخبرة اجتماعية متوارثة، وإبداع حيّ يتجدَّد كلما لمسَته يد جديدة. وما يميّز هذه الحرف هو قدرتها على الجمع بين الأصالة والابتكار، بين الحفاظ على الجذور وفتح الأبواب أمام التطوير.

ورغم هذا العمق الجمالي والاقتصادي، ما تزال العديد من المبادرات التنموية تُهمِل الفئات النسائية التي تمارس هذه الحرف، خصوصًا النساء محدودات التعليم أو ربات البيوت. وهؤلاء يشكّلن الشريحة الأكبر من المجتمع، ويمتلكن قدرات هائلة على الإنتاج إذا أُتيحت لهن الفرصة. فالحرف التقليدية ليست مجرد موروث ثقافي، بل يمكن أن تتحول إلى مصدر دخل كريم، وإلى جسر لتمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا، بشرط إعداد برامج تكوين حقيقية تراعي خصوصيتهن ومستواهن التعليمي.

إن الاستثمار في الفنون والحرف التقليدية هو استثمار في الإنسان أولًا، وفي التنمية المستدامة ثانيًا. فحين نمنح النساء والرجال فضاءات للتعبير والإبداع، ونوفر لهم تكوينًا يلائم واقعهم، فإننا نطلق طاقة كامنة قادرة على خلق مشاريع صغيرة، ومنتجات ذات قيمة مضافة، وسلاسل إنتاج محلية تُسهم في الاقتصاد الوطني.

الفن ليس رفاهية… بل ضرورة.
والحرف ليست ماضٍ يُحكى… بل مستقبل يمكن بناؤه.
وما بين الاثنين، تقف المرأة العادية—التي لم تنل حظًا من التعليم أو الفرص—في قلب المعادلة. فهي تستحق أن تُرى، وأن تُسمَع، وأن تُمنح الأدوات التي تجعل إبداعها موردًا للكسب لها و تصبح مساهمة في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى