الخُبر موسم من الحياة

بقلم – طلال بن علي الضاحي :
في قلب الخليج العربي، حيث يلتقي البحر بالضوء، وتتمازج رائحة الموج بنبض الثقافة، تعيش مدينة الخُبَر لحظة استثنائية من التحوّل. لم تعد المدينة تلك المساحة الهادئة التي تمرّ بها سريعًا، بل أصبحت وجهة نابضة بالحياة، تحتفي بذاتها، وتعيد تعريف حضورها في ذاكرة الزائر والمقيم على حدٍّ سواء.
منذ الثالث والعشرين من أكتوبر 2025، وحتى الحادي والثلاثين من يناير 2026، تعيش الخُبَر موسمًا غير مسبوق، يمتد على مدار مئة يوم، ويقدّم تجربة متكاملة تتجاوز مفهوم الترفيه، لتلامس عمق الهوية، وتفتح نوافذ جديدة على المستقبل.
ما يميّز هذا الموسم ليس عدد الفعاليات، ولا حجم الحضور، بل الروح التي تسري في المدينة. كل زاوية تنطق بالحياة، وكل شارع يتحوّل إلى مسرح مفتوح، وكل لحظة تُصاغ بعناية لتكون ذكرى لا تُنسى. من الكورنيش المتلألئ إلى مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، ومن مركز سايتك العلمي إلى الأسواق التراثية القديمة، تتوزع الفعاليات على سبع مناطق رئيسية، لكل منها طابعها الخاص، وشخصيتها المستقلة.
في «إثراء»، يلتقي الفكر بالفن، وتُقام معارض تفاعلية وعروض موسيقية تمزج بين الأصالة والحداثة. أما «سايتك»، فيقدّم تجارب علمية للأطفال والشباب، تجعل من المعرفة متعة يومية. وعلى امتداد الكورنيش، تُقام حفلات عالمية، وعروض ضوئية تُرسم بطائرات الدرون فوق مياه الخليج، في مشهد يأسر الأبصار ويثير التأمل.
لكن ما يلفت الانتباه حقًا هو ذلك التوازن بين الحداثة والذاكرة. في الأسواق القديمة، تعود الحكايات البحرية، وتُعرض الحِرف اليدوية، وتُروى قصص الغوص على اللؤلؤ، وكأن المدينة تقول: «الحاضر لا يكتمل إلا إذا صافح الماضي».
الموسم لا يقتصر على البُعد الثقافي والترفيهي، بل يمتد إلى أثر اقتصادي واجتماعي ملموس. الفنادق تشهد نسب إشغال مرتفعة، والمطاعم والمقاهي تنتعش، والفرص الوظيفية تتزايد. لكن الأهم من ذلك كله، هو أن المدينة بدأت تكتشف نفسها من جديد، وتمنح الآخرين فرصة لاكتشافها أيضًا.
الخُبَر اليوم تُشبه المستقبل. لا تنتظر أن تُعرّف من الخارج، بل تصوغ تعريفها الخاص. هي مدينة صغيرة في المساحة، لكنها واسعة في الطموح. تُجسد رؤية وطن لا يكتفي بالتخطيط، بل يترجم الرؤية إلى واقعٍ ملموس، إلى لحظاتٍ تُعاش، وإلى ذكرياتٍ تُحفر في الذاكرة.
من يتجوّل في موسم الخُبَر، لا يمرّ مرور العابرين. بل يعيش تجربة تترك أثرًا، وتفتح أبوابًا جديدة للتأمل. المدينة لا تكتفي بأن تكون جميلة، بل تقرر أن تكون حقيقية، أن تكون قريبة، أن تكون جزءًا من حياة من يزورها.
وهكذا، حين يسدل الليل ستاره على الواجهة البحرية، وتبدأ الأضواء تتراقص فوق الموج، يدرك الزائر أن الخُبَر لم تعد مجرد اسمٍ على خريطة الخليج، بل أصبحت عنوانًا للحياة بكل تفاصيلها. إنها المدينة التي تصنع من لحظتها حدثًا، ومن موسمها ذاكرة، ومن البحر مسرحًا للأمل.
في كل يوم من هذا الموسم، تكتب الخُبَر سطرًا جديدًا في قصة الوطن، وتهمس للعالم:
السعودية لا تنتظر المستقبل… بل تصنعه الآن، في نبض مدنها، وفي فرح مواطنيها، وفي لحظة قررت فيها مدينة أن تعيش بكامل طاقتها.




