“على سبيل النقد”.. دراسة نقدية من د. حسن مغازي لديوان “بوح ممنوع” للشاعر منعم طه
الدكتور حسن مغازى
==================================
(شيخ النحو، وموسيقار الشعر العربى فى كلية الآداب
خريج كلية دار العلوم، جامعة القاهرة فى الليسانس، والماجستير، والدكتوراه)
===============================
معنا هنا شاعر صاعد، واعد، مفعم بـ(الإحساس)، درجة(التكثيف)عنده خاصة جدا، و(الفكرة)ملتقطة بذكاء؛ تلك(ثلاثية)من أهم خصائص(نتاج الأديب)، تتكفل السطور الآتية ببيان ذلك، والاستدلال له، أما بقية خصائص(نتاج الأديب)، وهى ثلاثية(اللغة)، و(الرمز)، و(الخيال)فلنا فى كل منها معه وقفة بيان واستدلال أيضا، ولعل القارئ الكريم يعلم أن(ست الخصائص)تلك لابد من توفرها فى(النتاج)؛ ليمكن تصنيفه فى حيز(كلام الأدباء)؛ أيا كان الجنس الأدبى، من مسرح، إلى رواية، إلى مقالة، إلى خطابة، إلى حكمة، إلى قصيدة، إلى أقصوصة، إلى … لابد من توفر(ست الخصائص)تلك مجتمعة فى(كلام الأدباء)؛ لنميزه عن(كلام الدهماء)، وباختلاف درجة تلك الوفرة فى كل خصيصة منها تختلف درجة ذلك الأديب بين أقرانه.
ثم لعل القارئ الكريم يعلم أن كل جنس أدبى ينفرد عن سائر إخوته بـ(خصيصة)سابعة، يتميز بها منفردا، ويدور وجوده وجودا وعدما معها؛ بحيث نفقد ذلك(الجنس الأدبى)إن فقدناها، ونجده إن وجدناها؛ فلا مسرحية دون(حوار)، ولا رواية دون(سرد)، ولا حكمة دون(عظة)، ولا خطابة دون(جهارة الصوت)، ولا أقصوصة دون(لقطة سريعة)، ولا مثل دون(مضرب)، ولا مقالة دون(إثارة)، وكذلك لا قصيدة دون(موسيقا).
تلك الخصيصة السابعة هى(سر وجود)الجنس الأدبى الذى يخصها، وكما أنه لا يصح(العبث)فى(الجينات)؛ لأنها سر الوجود، فكذلك لا يصح تطرق أية درجة من درجات(العبث)فى تلك الخصيصة؛ فالسرد سرد من دون تعديل، فإن لم تستطعه من دون إشعارنا برتابة، أو ملل فليس من العقل تعديل(السرد)، وهو هنا(الميزان)؛ ليتناسب مع قدراتك، وهى هنا(الموزون)، إنما عليك أنت أحد سبيلين؛ إما أن تحسن(السرد)، وإما أن تقلع تماما عن محاولة الانضمام إلى صفوف(الروائيين)، ينطبق ذلك نفسه على(الحوار)فى المسرح، وعلى(العظة)فى الحكمة، وعلى(جهارة الصوت)فى الخطابة …
فى(الشعر)خصيصتنا(موسيقا الشعر)، قل(فن العروض)، من دونها لا وجود للقصيدة، تدور القصيدة وجودا، وعدما مع(موسيقا الشعر)، لابد من توفرها فى نسيج القصيدة، وهى هنا أيضا(الميزان)؛ بحيث لا يصح(العبث)فيها، فإذا شعرت معها بما يسمونه(ملل، أو رتابة)فالعيب فى(الموزون)، وهو هنا(القائل)، وليس فى(الميزان)، بل أكثر من ذلك ينبغى(عدم الشعور)ببذل جهد فى إنتاجها؛ تلك هى مسألة(الطبع)فى قرض الشعر؛ فكما أنك لا تشعر بضرسك الأيمن فى الفك العلوى إلا إذا نخرته السوس، فكذلك لن تشعر بأنك تبذل جهدا فى(قرض القصيد)إلا إذا كنت تنخرك(الصنعة)، حينئذ أنت(لست شاعرا)، إنما أنت(متصنع)لباس الشعراء؛ لتقحم نفسك فى ناديهم من دون وجه حق.
و(موسيقا الشعر)هى ذلك الفن الذى رصده لنا(الخليل بن أحمد الفراهيدى فى النصف الآخر من القرن الثاتى الهجرى، ذلك حين استنبط نظامها من شعراء عصره ومن سبقهم من شعراء العربية فى ثلاثة قرون على الأقل، نصفها قبل الإسلام، ونصفها الآخر بعد ظهوره، وهى من هذى الناحية تعد(الميزان)الذى لا يصح(العبث)فيه، إنما على(الشاعر)أن يقرض)كما قرض أسلافه شريطة عدم الإحساس ببذل جهد فى السير على هدى أسلافه، وإلا فإن أحس بذلك فهو(متصنع)ينبغى عليه الإقلاع فورا عن إقحام نفسه فى نادى الشعراء.
وقد خبرنا(منعم طه)فى هذا الصدد بالممارسة العملية، سواء فى ارتشافنا(نتاجه)بعد أن ينقحه، أم فى ارتجاله القرض اللحظى، ونشهد له بتميز كبير فى(خصيصة القصيد)، وهى(موسيقا الشعر)؛ إنه فى هذا الشأن فارس مغوار، لا يشق غبار جواده كثير من معاصرينا، لم ينحدر إطلاقا إلى حضيض ما اصطلحنا عليه(الشحر العر)مصوبين خطأ من ينطق الاصطلاح المتناقض صدره مع عجزه(شعر حر)، ولعل أدق ما لمحناه فى(منعم طه)آنئذ أنه لا يحتاج إلى بذل جهد فى إبداعه أحلى القصيد، وأنقاه، وأرقاه، وبذلك نضيف سمة رابعة، يتميز بها(منعم طه)بعد تلكم(الثلاثية الأولى).
الشاعر منعم طه
فى هذا الديوان سبع عشرة(ياقوتة)، تسرى فى ستة أصناف من(النغم)؛ نغم الوافر تاما فى واحدة، هى(مدخل)، ومجزوءا فى ثلاث يواقيت، هن(هاجرتى، رسائلك، أمام عينيك)، ونغم الكامل تاما فى ثلاث يواقيت، هن(قاسية القلب، تمضى الحياة، سألت قلبى)، ومجزوءا فى ياقوتة واحدة، هى(ما عاد يغرينى)، ونغم الطويل فى ياقوتة واحدة، هى(مسافرة)، ونغم البسيط تاما فى ثلاث يواقيت، هن(عشق الطفولة، رحيل، فى عشقها)، ومشطورا فى ياقوتة واحدة، هى(محاورة)، ونغم المتقارب فى ثلاث يواقيت، هن(لا ترجعى، عشقى، تلوميننى)، ونغم الرمل مجزوءا فى ياقوتة واحدة، هى(أخبرينى).
لكن هذى(الشهادة)لا تعنى انعدام أية(مؤاخذة)عليه، إنما تعنى أننا نرى(منعم طه)بين أقرانه وردتهم الحمراء العطرة، ولأنه كذلك فلابد من أن يقال لهذا الورد(يا أحمر الخدين)فى حصر عدد من النقاط عليه فيما يأتى.
* أن نفسه قصير دائما فى جميع أعماله الواردة هنا؛ فالوارد عن الأخفش الأوسط أن القصيدة خمسة عشر بيتا على الأقل، وإلا فإنها مقطوعة، لا قصيدة، وعن ابن رشيق أنها عشرة أبيات على الأقل، وإلا فإنها مقطوعة، وواقع هذى(اليواقيت)هنا يخبرنا أن أكبرها حجما جاء فى سبعة عشر بيتا فى واحدة؛ هى(تمضى الحياة)، وبعدها ستة عشر بيتا فى واحدة؛ هى(أمام عينيك)، وبعدها اثنا عشر بيتا فى كل من اثنتين؛ هما(هاجرتى)، و(محاورة)، وبعدها أحد عشر بيتا فى واحدة؛ هى(قاسية القلب)، ثم ثمان، كل منها فى عشرة أبيات؛ هن(رسائلك، سألت قلبى، ما عاد يغرينى، مسافرة، رحيل، فى عشقها، لا ترجعى، تلوميننى)، ثم واحدة فى ثلاثة أبيات؛ هى(مدخل)، ثم واحدة فى بيتين اثنين؛ هى(عشقى)، وربما كان الاستثناء الوحيد فى هذا الصدد رباعيته(أخبرينى)؛ فقد وقعت فى ست رباعيات.
* أنه وقع فى(تغيير)النغمة(فاعلن)إلى(فاعلْ)، وكذلك(مستفعلن)إلى(مستفعلْ)فيما نسميه(القطع)، ونصنفه فى(العلل)، وأهم سمات(العلة)سمتان؛ أن تقع فى(عروض)البيت، وفى(ضربه)دون(الحشو)، وأن تستمر فى سائر أبيات(القصيدة)، لكن(منعم طه)وقع ـ كشأن كثيرين غيره ـ وقع فيما يسمونه(إجراء العلة مجرى الزحاف)بأن أورد(القطع)فى حشو البيت، وذلك محكوم عليه نقديا بأنه(قبيح)، ثم إن هذا(القبح)يتضاعف؛ إذ لم يستمر ذلك(القطع)فى سائر أبيات القصيدة.
ذلك حدث فى أربع يواقيت:
ـ فى ياقوتته(عشق الطفولة)، أبياتها:
(3)غِريرة/(كانتْ)/فى الحب وال /(دنيا)///
ضَلَّتْ فأسعدها لقيانُ عنوانى
(كانت = فاعلْ)، (دنيا = فاعلْ)، (وانى = فاعلْ)
(4)فاستفتحتْ(قلبى)/– يا قلبُ لا/(تفتحْ)///
أنَسِيتَ ذا/ك الذى/يَصنعنَ بالـ/(حانى)/؟
(فلبى = فاعلْ)، (تفتحْ = فاعلْ)، (حانى = فاعلْ)
(5) قال الذى/ (تخشى)/ ما عدتُ أنـ / ـظرهُ
فاصفحْ ولا/( تُقدمْ)/إلَّا بإح/(سانِ)
(تخشى = فاعلْ)، (تقدمْ = فاعلْ)، (سان = فاعلْ)
(6) لم أستطع/(يوما)/ بُعدا يُعل / لّمنى
أنَّ التى/(أهْوَى)/تَهْوِى بوج / (دانى)
(يوما = فاعلْ)، (أهوى = فاعلْ)، (دانى = فاعلْ)
(8) أحببتُها/ طفلة/ فى القلب لم/(تكبُرْ)
فى مُلتقى/(عمرى)/تغفو فتنـ / (سانى)
(تكبر = فاعلْ)، (سانى = فاعلْ)
ـ فى ياقوتته(محاورة)، أبياتها:
(4) فى الحب مأ/(سورٌ) قد ذاب واحترقا
(سورٌ = فاعلْ)
(7) ردَّتْ: وما/( شَأنى )؟ ما قُلتُ تَهـ / (وَانى)
(شانى = فاعلْ)، (وانى = فاعلْ)
وفى ياقوتته(محاورة)، أبياتها:
(4) فى الحب مأ/(سورٌ) قد ذاب واح / ترقا
(سورٌ = فاعلْ)
(7) ردَّتْ: وما/ (شَأنى) ؟ ما قُلتُ تَه / وَانى
(شَأنى = فاعلْ)
(8) أو بالهوى/( زِدْنِى ) عشقا بنُكْرانى
(زِدْنِى = فاعلْ)
ـ فى ياقوتته(رحيل)، أبياتها:
(6) إنِّى كفرتُ بها ما عدتُ أهواها
تلكَ التى/(كانتْ)/عشقى وتكـ / وينى
(كانتٌ = فاعلْ)
(7) عمرى الذى/ (ولَّى)/ وكان يُسـ / عدنى
سرَّ الحياة الذى قد كان يُحيينى
(ولَّى = فاعلْ)
(8) لا لستُ أقبل ذُلًا فى الهَوَى أبدا
فليس ذا/ (نهجى)/ – عُذرا – ولا /دينى
(نهجى = فاعلْ)
ـ فى ياقوتته(فى عشقها)، أبياتها:
- أشبعتِنى/(هجرا)/ مُرًّا مُتيـ/يمتى
رفقا فذا/(قلبى)/ما عاد يَح/تملُ
(قلبى = فاعلْ)
(5) إنْ قلتُ أنـ/(ساها)/ ذاب الفؤاد/ أسىً
أو قلتُ سامحتُها فالرِّق مُكتملُ
(ساها = فاعلْ)
(6) ما أنتَ يا /(قلبى) قد زِدْتَنِى/ رَهَقًا
هلْ عاقل تدرى أمْ غافل ثَمِلُ ؟
(قلبى = فاعلْ)
(7) إنَّ التى/ (تَهْوَى)/ قد حيَّرتْـ/ كَ جوَىً
يا لَوعتى/ (منها)/ تَنأى فتُهْتَمَلُ
(تَهْوَى = فاعلْ) ، (منها = فاعلْ)
(10) فلتُعلنى/ (هلْ ذا)/ هجر فيُو/ئِدنى
أمْ ذاكُمُ/( عشقٌ) فى القلب يع/تمِلُ ؟
(هلْ ذا = فاعلْ) ، (عشقٌ = فاعلْ)
* أنه خلط بين أكثر من(عروض)فى القصيدة الواحدة؛ ففى ياقوتتيه(محاورة)، و(رحيل)؛ حيث تنوعت عروض الأبيات بين خبن وقطع، وكذلك فعل فى(أضرب)أبياتها.
* أنه(قطع)فاعلن فى(ضرب)البيت رغم أن(أضرب)سائر القصيدة(مخبونة)؛ حدث ذلك فى(محاورة)، فى بيتها السابع.
* أنه انحدر إلى براثن العامية فى ياقوتته(تمضى الحياة)؛ حيث قال(بحلوها، وبمرها) فى بيته الثانى:
تمضى الحياة بحُلوها وبمُرّها
لم يُثنِ عزمى فى الهوى إنسانُ
* أنه وقع فى خطأ فى الإملاء ربما، أو فى الطباعة ربما عندما فتح التاء فى آخر(مناجاة)فى ياقوتته(لا ترجعى). فى بيته الرابع:
وإنَّ الليالى قد أعلمتنى بأن(المناجاتِ)لم تُسْمَعِ
- أنه وقع فى أخطاء صرفا، ومعجما فى خمس يواقيت:
ـ أولها قوله(ضاه)فى ياقوتته(رسائلك)فى بيته الثامن:
وما قد كان يا عمرى لنا فى الحب مِنْ(ضَاهِ)
ـ وثانيها قوله(يأتمل)فى ياقوتته(فى عشقها)فى بيته الثالث:
أمَّلتِ فاتنتى وصلا سَيــُسعدهُ
أسقاه يأسَ النَّوى ما كان(يأتملُ)
ـ وثالثها قوله(صموت)مصدرا فى موضع(الصمت)فى البيت الثالث من ياقوتته(أخبرينى):
أم كلانا كان يغفو فى منام فى(صُموتْ) ؟
ـ ورابعها صياغته المشتق من(الجود)على(جائد)فى البيت السابع من ياقوتته(قاسية القلب)، والصواب معجما، وصرفا(جيد)، لكنه تحت وطأة(القافية)ارتكب ذلك، أضف أيضا الخطأ نحوا فى ضبطها جرا، وهى تستحق النصب على الحال:
حبٍّ وعشقٍ – رحمةٍ وتسامحٍ
نهرٍ من الإحساس يجرى(جائدِ)
ـ وخامسها فى البيت السابع من ياقوتته(ما عاد يغرينى)صياغته المضارع من(البلاء)على باب(يضرب)، والصواب فى باب(ينصر)من أبواب الثلاثى المجرد، كان المتوقع أن يقول(نعلو فتبلونى)، لكنه قال(تعلو فتبلينى):
رحماكَ فالآهاتْ / تعلو(فتبلينى)
* أنه وقع فيما نسميه(التزيد)لاستكمال النغم، حدث ذلك فى زيادته(أنا)فى البيت التاسع من ياقوتته(رسائلك)، وفى قوله(أو نهى)فى البيت الخامس من ياقوتته(قاسية القلب)، وفى قوله(وزائف)فى البيت الخامس من ياقوتته(مسافرة).
ولكنِّى خُدِعْتُ – (أنا)! فَآهٍ لَوْ شَفَتْ آهِ
* أنه وقع فى خطأ نحوى؛ حدث ذلك:
ـ فى البيتين الثانى والثالث من ياقوتته(أخبرينى)؛ حيث قال(أم كلانا)، والصواب(أم هل كلانا)بتكرار(هل)بعد(أم)، وكذلك فى بيتها الأخير فى قوله(أم أنا)، والصواب(أم هل أنا)؛ فالصواب عند السؤال بـ(هل … أم)أن نكرر(هل)بعد(أم)كالوارد فى الآية 16 من سورة الرعد
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الْأَعْمَى
وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)
وقول عنترة على نغم الكامل:
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ
أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهْمِ
لكن(منعم طه)قال:
أخبرينى هل هَوَيْنا فى نسيج العنكبوتْ ؟
أم كلانا كان يغفو فى منام فى صُموتْ ؟
وقال:
يا تُرَى هل لى وصال أمْ أنا فى الحب واهمْ ؟
ـ فى البيت الرابع من ياقوتته(قاسية القلب)؛ حيث قال(غفلت كما أبى)، والصواب(غفلت كأبى)؛ فرغم انتشار (كما)فى هذا الموضع محكوم عليها بالخطأ؛ ذلك فى قوله:
إنِّى ابنُ آدمَ قد غفلتُ كما أبى / عُذرا فكونى مثلَ أمكِ ساعدى
ـ فى البيت الخامس من ياقوتته(قاسية القلب)؛ حيث ورد العطف بـ(لا)من دون استيفاء شروطها.
لا أنْ تثورى دون وعى أو نهى / وتُجاهرى أنْ تهجرى وتُعاندى
فشرط العطف بها أن تكون جوابا لإثبات قبلها؛ يقال مثلا:
المتوقع أن تفعلى كذا لا أن تثورى …
ـ فى البيت الثامن من ياقوتته(قاسية القلب)؛ حيث قدم المشار إليه، وأخر اسم الإشارة فى قوله(روح التجلى ذى)؛ حيث فيها يقول:
عشــــقِ المتيــــــّمِ حينَ يـلـــــــــــــقى إلــــــفــــــــــــهُ
روحِ التّجــــــــــــــلّى ذى بـخُـــــــــــــــلوَةِ عـــــــــــــابـــــــــــدِ
* أنه وقع فى خطأ معجمى فى البيت التاسع من ياقوتته(تلوميننى)حيث قال(دور)فى قوله:
كَفَاكِ اصطناعا لدور الخديع / فإنَّ المُخادع فيكِ تَنمّرْ
فالمعجم يعلمنا أن(دور)مصدر الفعل(دار)؛ أى صناعة دائرة، وهذا يعنى أنه من باب شيوع الخطأ استخدام هذا اللفظ فى موضع(وظيفة)، أو(أثر)، أو …
* أنه وقع فى ما يمكن تسميته(ركاكة التركيب)، ذلك فى البيت الأول من ياقوتته(قاسية القلب)؛ حيث قال(كالحساب الجامد)فى قوله:
تقسو علىَّ بغير رفق فى الهوى
ما الحبُّ – مهلا – كالحساب الجامدِ
وكذلك فى قوله(الحب إبداع بغير الناقد)فى البيت الثانى من ياقوتته نفسها:
فالحب مِن عند الإله عَطية / الحبُّ إبداعٌ بغير الناقدِ
* أنه وقع فى خطأ دلالى بلاغى؛ إذ عكس التركيب فى البيت العاشر من ياقوتته(قاسية القلب)؛ إذ يقول:
فترفّقِى كى لا أكونَ فريسةً / رُحماكِ حتى لا تكونى صَائدى
وربما يصح هنا التماس عذر له؛ فمن المسائل النسبية تحديد من(الفريسة)، ومن(المفترس)بين كل ذكر وأنثى فى علاقة غرام
بينهما.
* ما شاع فى عصرنا الحديث من تغيير القافية فى القصيدة الواحدة على ما يسمونه(المقطوعات)أمر ممجوج قافويا؛ حيث إن مجرد تغيير حركة الروى عدوه عيبا من عيوب القافية، وسموه(الإقواء)فى عدولك بين كسر وفتح، وسموه(الإصراف)فى عدولك بين ضم وغيره، هذا ينتج لنا حتما أن تغيير القافية كلها من(مقطع)لآخر أمر غير محبوب، وهذا ما وقع فيه منعم طه فى أربع يواقيت فى هذا العمل، هن(هاجرتى)، و(محاورة)، و(أخبرينى)، و(أمام عينيك).
ثم يبقى بعد ذلك تميز(منعم طه)فى(رهافة الحس)، شائع ذلك فى عمله هذا كله، ولعل النموذج الصارخ هنا يكمن فى يواقيته(ما عاد يغرينى)، (تمضى الحياة)، (وسألت قلبى)، (تلوميننى).
كما أن إيراد الحكمة من ديدن كبار شعرائنا من طراز زهير، والمتنبى، وشوقى، و … ولعل فى ياقوتتنا(مسافرة)نموذج دال فى هذا الباب.
ثم إن سيطرة(اليأس)على القصيد فى هذا العمل واضح، ولعل من نماذجه الصارخة ما ورد فى ياقوتته(مدخل)، من(دفن الحب)، و(الحب دفعا للملل)، و(دفن القلب).
وهو شاعر من طراز راق فى تصويره، وفى إحساسه، وفى موسيقاه، ولابد من أن نحييه على مدى التزامه بموسيقاه، صار ذلك عملة نادرة فى أيامنا، يراه(المتشاعرون)قيدا.
من البدهى فرار الإنسان من أن يتم تسليط قيود على سلوكه؛ فهو كائن(حر)، وفى الوقت نفسه من البدهى أيضا(تقنين)تلك(الحرية)بين كل فرد وبقية الأفراد؛ حتى لا يتم الاعتداء على حريتك حين تفعيل حرية غيرك، وهذا يعنى وقوع(الممارسة السوية)فى منتصف الخط الواصل بين(ممارسة العبودية) التى تعنى القيود فى كل سلوك، و(ممارسة الهمجية)التى تعنى التحرر من كل قيد، كما أن الفاصل بين العبقرية والجنون خطوة واحدة، فكذلك نجد الفاصل بين(الممارسة السوية)، و(ممارسة الهمجية)خطوة واحدة، هى صدق الرغبة فى الالتزام بالأولى، والإقلاع عن الأخرى.
وحين قرض الشاعر العربى الجاهلى، ومن بعده المخضرم قصيده كان يعيش تلك(الممارسة السوية)؛ فلا هو أحس بـ(قيود)، ولا(رتابة)، ولا(ملل)فى نظام الموسيقا أثناء القرض، ولا هو تحرك فى ألفاظه دون قيد؛ فعدم القيد يحيل نتاجه إلى(ممارسة الهمجية)اللغوية ـ إن صح التعبير ـ ويضع نتاجه مع كلام الغوغاء.
وكذلك حين اجتهد الخليل بن أحمد الفراهيدى، واستخرج قواعد النغم فى قصيد العرب كان يبحث فى تلك(الممارسة السوية)؛ وهذا يعنى أن سريان القصيد فى واحد من الأوزان كان قمة التحضر، وقمة العقل، وقمة الإحساس بمسئولية الحرية عند الصفوة فى فصيلة الإنسان السوى.
هذا يعنى أن الدعوة المعاصرة التى نعيشها من قبيل منتصف القرن الماضى دعوة للعودة فى الشعر ـ وهو أسمى درجة فى استعمال اللغة ـ إلى(ممارسة الهمجية)اللغوية فى الشعر، وهو تاج تصرفات الإنسان عموما عند العقلاء.
لعلى لا أصيبك ـ قارئى العزيز ـ بالصدمة حين أخبرك بأن كل شىء فى حياتنا لا بد من حمايته بعدد من القيود؛ من ذلك استخدام اللغة مثلا، هل يصح فيها التحرر على مستوى الأصوات؛ فنستخدم(تاب يومك)بدلا من استخدامنا(طاب يومك)؛ لأننا(لا نحب)التقيد بتفخيم الطاء؟، هل يصح فيها التحرر على مستوى الصرف؛ فنقول(ذهبت غدا)بدلا من(أذهب غدا)؛ لأننا(نمل)من استخدام صيغة الماضى(ذهبت)؟، هل يصح فيها التحرر على مستوى النحو؛ فنستخدم فى خطابك ضمير الأنثى الغائبة(هى): لأننا(لا نريد)استخدام الضمير المعروف فى تلك الحالة(أنت)؟، هل يصح فيها التحرر على مستوى المعجم؛ فننطق(أب)بتقديم الباء، أو بتغيير أحد الصوتين، أو كليهما؛ بحكم أنك (لا تستطيع)نطق هذى الكلمة بتكوينها المعروف ؟، وهكذا.
إنك لا تشعر بـ(قيد، أو ملل، أو رتابة)بقية عمرك فى استخدام(طاب)، و(أذهب)، و(أنت)، و(أب)، و… إلخ.، وذلك لأن استخدامك هذى الكلمات استخدام الفطرة اللغوية، والطبع، والسجية، وهذا يعنى بالضرورة أن شعورك بـ(قيد، أو ملل، أو رتابة)فى قرض الشعر عموديا شعور نابع من أن الشعر عندك(صنعة)، و(رغبة)لا تنبع من موهبة حقيقية، وحينئذ لا يصح لك التشكيك فى(الميزان)، وهو هنا الشعر، إنما عليك التعامل مع(الموزون)، وهو هنا ذاتك؛ حتى تتسق مع(الميزان).
إنك ـ قارئى العزيز ـ لا تشعر بـ (قيد، أو ملل، أو رتابة)فى تنفسك رغم أنك تكرره بالطريقة نفسها من لحظة وجودك إلى نهاية حياتك، ذلك لأن هذا تصرف فطرى، سليقى، طبيعى،(موهبة)من الخالق، لدرجة أن الأطباء يخبرونك بأنك لو شعرت بأنك تبذل أدنى درجة من الجهد حين تتنفس فإن عليك حتما معاودتهم لإجراء علاج، وكذلك كل موهبة؛ لا يصح أثناء ممارستها الشعور بها، وإلا فإنك مريض فيها، وربما فاقدها، وصدق الناقد العربى فى الموازنة بين الفرزدق، وجرير؛ هذا يغرف من بحر، وذاك ينحت فى صخر.
إن(استحسان الرداءة)يعد الحلقة التاسعة من عشر حلقات فى مسلسل السيطرة على مقدرات الشعوب من خلال(استراتيجية التحكم فى البشر، والسيطرة على الشعوب)؛ فلا يصح أن نظل منساقين وراء(قيود)غيرنا، حين يربط(أدمغة)بعضنا فى شسع نعله، ثم يصور لنا أننا كنا نعيش فى(قيود)، ثم جاء هو ليحررنا منها.
من هنا ينبع هذا التساؤل؛ هل العروض قيد، وهل فى الخروج عليه تحرر من ذلك القيد، وهل يصح فى الفطرة البحث عن التحرر من القيود عموما فى الحياة.
إن من القيود المحببة إلى النفس لدى كل عاقل عدم سماحك لذاتك بأن تخرج إلى الشارع دون ملابس، وأنت الذى تختار التقيد بهذا القيد، بل إنك تتفنن فى تجميله، وتنظيفه، وكيه، و(تطقيمه)؛ نعم، فالحكمة أن(نختار من أطايب الكلام، كما نختار من أطايب الطعام)؛ فكما أنك لا تتصور مطلقا التحرر من هذا القيد الرائع ـ ومعه كثير من القيود الروائع نعيشها ـ نحن أيضا لا نتصور الشعر دون قيدى(الوزن)؛ أى العروض، و(تاج الوزن)؛ أى القافية.
أنخـبرك الحـقيـــــــــــقة أم نكنى | مخافة أن تظن بنا الظنونا | |
مسيرك فى الحياة بغير قيد | جـنون لم يزد إلا جـنـــــــــــــونا | |
ووزن الشعـر ظاهـــــــــــره قيود | وقيد الوزن يجـعله فنــــــــــــونا |
إن الذين يرون فى الوزن ـ كما رسمه الخليل ـ قيدا، يريدون التخلص منه، شأنهم شأن من يرى فى ارتداء الملبس قيدا، يراد التخلص منه، وأنا معك ـ قارئى العزيز ـ فى أن التخلص من قيد الملبس خروج على حدود العقل، ولعلك معى ـ قارئى العزيز ـ أيضا فى أن التخلص من قيد الوزن فى الشعر خروج على حدود العقل أيضا، بل إن مقترف ذلك لدينا متشاعر، نعالجه علاج الخليل للأصمعى طالبين منه تقطيع بيت عمرو بن معدى كرب:
إذا لم تستطع أمرا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
تعودنا أن يزورنا المبتدئ، ومعه نتاج، يظنه شعرا رائعا، وعند النظر فيه نجد فيه عددا من المقومات التى ينبغى توفرها فى كل جنس من أجناس الأدب؛ فسواء أكان جنس الأدب شعرا، أم مسرحية، أم رواية، … إلخ. ينبغى أن يتوفر فيه ما نجده فى نتاج ذلك الزائر من تعبير طيب، وإحساس راق، وتصوير رائع، وفكرة طيبة … إلخ. لكن العنصر المفقود فى ذلك النتاج هو الفارق الوحيد لدينا بين(الشعر)وبقية أجناس الأدب، وهو عنصر الموسيقا، كما رسمه الخليل بن أحمد، وتعودنا أيضا التجرد من عنصر المجاملة فى استقبال ذلك الزائر؛ فنخبره بعبارتنا المأثورة نصا عنا:
(نتاجك هذا فن راق، ربما يكون أرقى من أى من أجناس الأدب المعروفة من قصة، ومسرحية، وشعر، … إلخ. لكنه من ناحية أولى ليس أيا منها؛ بحكم افتقاره إلى أسس كل منها، و من ناحية أخرى تظلمه لو صنفته فى أى منها؛ بحكم افتقاده مقومات ذلك الجنس الأدبى الذى تصنفه فيه؛ كظلمك طفلا فى العاشرة من عمره مفتول العضلات حين تضعه فى مصارعة واحد من أبطال العالم فى ذلك الفن؛ فهذا بالضبط هو الذى يحدث حين تضع نتاجا ممتعا للسياب، أو دنقل، أو صلاح عبدالصبور، أو نازك الملائكة…إلخ. أمام قصيد البحترى، وأبى تمام، والمتنبى).
ينتج لنا من ذلك الزائر واحد من ثلاثة آنئذ؛ أولهم من يستغشى ثيابه، ويصم أذنيه، ويستكبر استكبارا، ويصر على أن نتاجه شعر، فندعه يعمه فى غيه، والثانى من يعترف بحدوده معلنا أنه ليس فى استطاعته أن يزن، فنحيى فيه صراحته، والثالث من يسأل عن طرق الوزن، فنجيبه خارج الإطار الأكاديمى لعلم العروض، وتقنية الحركات والسكنات، حين نتلقفه ناصحين أن اذهب من عندنا إلى مسكنك مرددا النغمة(تتن تن)طوال الطريق، أو لمدة لا تقل عن ربع الساعة، ثم عد، وحين يعود نطلب منه صياغة كلامه على تلك النغمة مقسما الكلام مجموعات؛ تحتوى كل مجموعة على تكرار نتائج(تتن تن)ثمانى مرات، فيعود بالنتيجة ظانا أنه قال شعرا، فنخبره أن ذلك هيكل عظمى للقصيد، فإذا نفخنا فيه من روح التصوير، والإحساس اهتز، وربا، وأنتج من كل بيت بديع، كثيرا ما عشنا تلك التجربة، وكثيرا ما اكتشفنا من خلال معملنا فيها شعراء، وشواعر، وقدمنا الجميع ـ بكل اعتزاز ـ إلى مجتمعات الشعر، ومنتدياته.
والتعبير(تطقيم)الذى ابتكرنا استخدامه فى هذا العلم منذ سطور يتجلى ـ أروع التجلى ـ فى القرض على بحور العروض التى أسميتها(تنويع النغم)من طويل، وبسيط، ومنسرح، وخفيف، وسريع، … ؛ فأنت هنا تنوع نغمتك بين تفعيلتين، لكن يجب أن تراعى فى اختيارهما التناسق بينهما لونا، وطعما، وشكلا، وحجما؛ فلا يصح لك أن تنوع النغمة بين(فعولن)، و(مستفعلن)؛ فذلك كشأن(التطقيم)بين(الأخضر زيتى والفوشيا)، أو بين(البنفسجى والأسود)، إنما يكون(التطقيم)بين(تفعيلتين)متناسقتين، بأن تضم النظير إلى لفقه، والقبيل إلى شبهه؛ من ذلك أن تجمع بين(فعولن)، و(مفاعيلن)؛ لينتج البحر الطويل؛ فالتناسق بينهما واضح فى أنهما متفقتان إلا فى زيادة سبب خفيف نهاية(فعولن)؛ لتنتج(مفاعيلن)، وكذلك أيضا العلاقة بين(مستفعلن)، و(فاعلن)؛ لينتج البحر البسيط؛ فالتناسق يبنهما واضح فى أنهما متفقتان إلا فى زيادة سبب خفيف فى بداية(فاعلن)؛ لتنتج(مستفعلن)، ولأن الزيادة هناك كانت فى نهاية(فعولن)جاءت هذى التفعيلة فى ترتيب الطويل قبل(مفاعيلن)، على حين كانت الزيادة فى بداية(فاعلن)؛ فجاءت تلك التفعيلة فى ترتيب البسيط بعد(مستفعلن)، وهكذا فى تنويع نغمة سائر الأبحر.
ومن تجاربنا عمليا مع الموهبة لدى تلاميذنا نكتشف أن مسألة(الملل، والتكرار، والقيود … إلخ)تلك التى يتشدق بها أصحاب(الشحر العر)تبقى فى حيز الادعاء الذى لا دليل لصحته على أرض الواقع؛ فالذى نكتشفه صباح مساء أن الموهبة الحقيقية بذرة طيبة، ولابد من استنباتها، ولابد من ظهور شجرتها على سطح التربة، لكن فرقا كبيرا من ناحية أولى بين شجرة تهذبها، وتنسق شكلها؛ فإن كانت شجرة ثمار وجهت غصونها، وحملت مؤقتا أطرافها …إلخ. فتؤتى أكلها كل حين بمقدار جهد راعيها، وإن كانت شجرة زينة تشكل منها أشكالا هندسية من مثلث، إلى مربع، إلى أسطوانة … إلخ. فتكون أوراقها باسقة فى السماء بمقدار جهد بستانيها.
ومن ناحية أخرى شجرة مهملة تنمو دون تهذيب، ودون توجيه؛ نعم هذه أكثر تحررا من الأولى، لكنها ـ كما ترى ـ حرية ممقوتة فى منبعها، وفى نتائجها، حيث لا تعدم أن يتسلقها العنكبوت، وأن تنمو فيها الجرذان، وأن تنخر فى جسدها الأمراض، وربما تكون أصلا هى شجرة(حنظل)؛ فلونها خبيث، وطعمها مر، وشكلها قبيح، ورائحتها نتن … .
ولعل هذه الموازنة بين تينكم الشجرتين كان يقصدها قصدا صالح جودت عن مسألتنا هذى فى قوله:
عـدنا وعــــــــــــــــــــاد المهرجـا | ن يزف مـوكبـــــــــــــــــه وشعـره | |
الشعر لا الشعر الجديـ | ــــد المستـباح لكل عــــــــــــــوره | |
لا مـــــــــــــــــــــــا يقول العـابـثـو | ن بكل قـافـية وشــــــــــــــــــــــطـره | |
من كل مغـمـــــــــــــور يهب | بغـيــــــــــــــــــــــــــــــر مـوهبة وخـبـره | |
أو كل مـأجــــــــــــــــــــور يـدب | وفى يديه خـضاب حـمـــــــره | |
أو كل مجـهـــــــــــــــــــــال يديـ | ـر إلى عمود الشعر ظهره |
وكذلك فى قوله:
جحدوا التراث وباركوا رجزا | متهتك الإقــــــــــــــــــــواء والكسـر | |
سموه بالحــــــــــــــر الجـديـد ألا | يا رحـمتا للشـــــــــــــــــاعر الحر | |
الشعر موسـيقى منغـــــــــــــــــمـة | إما حنــــــا شطر على شطر | |
وتأنـقـا وزنا وقـافـيـــــــــــــــــــــــــــــــــــة | وتألفـا بثـقـافــــــــــــــــــــــــــة العصر | |
وتجـملا بحـلى قامـتــــــــــــــــــــــهـا | وتراقصا فى موجــــــــة البحر | |
والنبت لا يخـضـل رونـــــــــقه | إن عاش منبتا عن الجذر | |
والشعب لا تزكـو ثقافـتــــــــــــــه | ولبابها مســـــــــــــــــــــــتورد الفكر |
فى عام دراسى واحد نجحنا نجاحا مبهرا فى توجيه ما يربو على الخمسين من تلك المواهب فى حلقات الشعر؛ فقد استطعنا ـ بحمد ربنا ـ غرس تلك الشتلات الطيبة، وتهذيب شجيراتها إلى أن صار كل ذى موهبة يتسابق مع أقرانه وقريناته فى قرض أروع ما تسمعه أذنك ـ قارئى العزيز ـ من شعر عربى موزون على عروض الخليل، دون معاناة أى منهم من(قيود)، ودون إحساس أى منهم بـ(ملل)، ودون شعور أى منهم بـ(رتابة) … إلخ.
ولعلك بعد هذا التطواف بك ـ فارئى العزيز ـ مستطيع التفرقة بين النجدين، ولعلك مقتحم العقبة، هذا ظننا فيك، يراك معنا المتنبى فى هذا، ويخاطبك قائلا:
أعيذها نظرات منك صــــــــــــادقـة | أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم | |
وما انتفاع أخى الدنيا بناظــــــــره | إذا اسـتـوت عنـــــــــــــــــــده الأنوار والظلم |