مقالات

أنا ومن بعدي الطوفان

كتب – محمد البكر :

في السنوات الأخيرة ، ظهرت أصوات تُشجّع على ما يُسمى بـ”الاهتمام بالذات” بطريقة تكاد تتجاوز الفطرة والمنطق . إنها أنانية تُغلف بغلاف نفسي برّاق . بعض الأخصائيين النفسانيين – للأسف – أصبحوا يروّجون لفكرة أن الإنسان يجب أن يضع نفسه أولًا ، حتى لو كان ذلك على حساب أبنائه وأهل بيته ، وكأنها دعوة ضمنية لتخلّي الرجل عن مسؤوليته ، وقطع صلته الطبيعية بمن هم تحت رعايته الفطرية والأخلاقية .

أحد الأطباء النفسانيين ، لم يخجل وهو يحرض الآباء على الإهتمام بأنفسهم حتى ولو على حساب عائلاتهم . يطلب منهم الإستمتاع بحياتهم ، ووضع أبناءهم وزوجاتهم في المرتبة الثانية . ومثل هذه العبارات قد تبدو جاذبة لمن أنهكته الحياة ، لكنها تتجاهل حقيقة إنسانية عميقة ، وتُناقض مبدأً شرعياً أصيلا . فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته “.

هذا الحديث النبوي الشريف يُجذّر فينا قيمة المسؤولية ، لا بوصفها عبئاً يُثقِل الكاهل ، بل شرفاً يُعلّي الإنسان ويمنحه معنى وقيمة أمام الله ثم أمام مجتمعه . فالرعاية ليست قيداً ، بل امتداداً للرحمة التي غرسها الله في نفوسنا كبشر.

ليس من الحكمة أن نُربي أجيالاً ترى في العطاء ضعفاً ، وفي التضحية عبثاً ، أو نُقنع الآباء بأن سعادتهم لا تكون إلا على أنقاض واجباتهم . نعم ، من حق ولي الأمر ، أن يعتني بصحته النفسية والجسدية ، وأن يفعل كل ما يسعده ، وأن يستمتع بما رزقه الله من خير . لكن ليس على حساب من هم في ذمته وتحت مسؤوليته ورعايته . فالمعادلة السليمة لا تُقصي أحدا من أهله ولا تمنعه من إسعاد نفسه .

الأنانية المطلقة ، تأخذ صاحبها إلى فراغ روحي وعاطفي ، وربما إلى تأنيب الضمير ، لأن الإنسان خُلق ليتواصل ، ليعطي ، ليتحمّل ، لا ليعيش لنفسه فقط .
السعادة الحقيقية لا تأتي من المتعة العابرة ، بل من دفء الأثر ، ومن الشعور بأنك كنت سنداً لمن هم حولك ، ورجلاً يفهم معنى الرجولة .
ولكم تحياتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى