اكسروا الصمت قبل أن يكسركم

بقلم – محمد البكر :
كشفت نتائج المسح الوطني السعودي للصحة النفسية ، الصادر عن مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة ، واقعاً مقلقاً يستدعي الوقوف والتأمل . فـ34% من السعوديين تعرضوا لاضطرابات نفسية في حياتهم ، ومع ذلك ، فإن 83% من المصابين باضطرابات حادة لا يسعون للعلاج . هذه الأرقام ليست فقط مؤشرات طبية ، بل هي مرآة لثقافة مجتمعية لا تزال تُحيط المرض النفسي بالغموض والوصمة .
الفئة الأكثر تأثراً هي فئة الشباب من عمر 15 إلى 24 عامًا ، إذ تبين أن اثنين من كل خمسة منهم يعانون من اضطرابات نفسية ، في وقت يُفترض أن يكونوا في أوج عطائهم الذهني والاجتماعي . كما أن ذوي التعليم العالي هم الأكثر عرضة ، ما يثبت أن الضغوط النفسية لا تستثني أحدًا ، وأن النجاح الأكاديمي لا يحصّن ضد الألم الداخلي .
المقلق أكثر هو أن أقل من 5% فقط من السعوديين يسعون للعلاج في سنة معينة ، ما يعكس فجوة كبيرة بين الحاجة للخدمة وتوفرها ، أو بالأصح ، قبول المجتمع لها . بينما يلجأ البعض لرجال الدين ، والذين نثق بهم وبما يعتمدون عليه للعلاج ، أو إلى المشعوذين الذين يستغلون معاناة هؤلاء وعائلاتهم .
ورغم أن وزارة الصحة بدأت خطوات مشكورة ، إلا أن نسبة 4% فقط من ميزانيتها تُخصص للصحة النفسية ، وهو رقم لا يتناسب مع حجم المشكلة .
نحن بحاجة إلى إعادة هيكلة شاملة لمنظومة الصحة النفسية، تشمل دمج الخدمات في المدارس والجامعات ، وتفعيل العلاج الإلكتروني ، وزيادة الوعي المجتمعي ، والأهم ، إزالة وصمة العار .
إن نتائج هذا المسح تمثل نقطة تحوّل ، وتفتح الباب لوضع سياسة وطنية جديدة للصحة النفسية ، تجعل طلب المساعدة النفسية شجاعة لا ضعفاً ، وحقاً لا ترفاً . فالصحة النفسية ليست رفاهية ، بل هي أحد أعمدة جودة الحياة ، ومقياساً حضارياً حقيقياً لأي مجتمع .
لقد آن الأوان لنكسر الصمت… ونبدأ في تصحيح المسار .
ولكم تحياتي




