“الرجل الذي سيغدو ملكاً”.. قراءة في ملامح قائد يصوغ مملكة المستقبل
بقلم :دكتور جاسم الياقوت :
نائب رئيس إتحاد الإعلاميين العرب
في كتابها الجديد “الرجل الذي سيغدو ملكاً”، الذي سيصدر في شهر يوليو القادم تقدم الكاتبة والصحفية الأمريكية كارين إليوت هاوس قراءة معمقة لشخصية لسمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وتسلط الضوء على مشروعه التحولي الذي أعاد تشكيل ملامح المملكة العربية السعودية، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، بطريقة غير مسبوقة في تاريخها الحديث.

يأتي الكتاب كاستمرار لاهتمام هاوس الطويل بالشأن السعودي، بعد كتابها السابق “السعودية: مملكة الصمت”، لكنها تكتب هذه المرة عن قائد شاب يكسر الصمت، ويعيد رسم ملامح القوة والنفوذ في الداخل والخارج.
محمد بن سلمان.. قائد التغيير الجذري
ترى هاوس في سمو الأمير محمد بن سلمان شخصية ذات حضور طاغٍ وتأثير حاسم في مجريات الأمور، ليس في المملكة فحسب، بل في المنطقة والعالم. وتصفه بأنه رجل يمتلك إرادة سياسية نادرة، ويؤمن بأن المملكة لا يمكنها أن تظل على ما كانت عليه في ظل عالم سريع التحول.
من خلال رؤية 2030، يقود سمو ولي العهد مشروعًا اقتصاديًا طموحًا يهدف إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على النفط، الذي ظل لعقود يشكل العمود الفقري للاقتصاد السعودي. وتستعرض الكاتبة كيف أن هذا التوجه لم يأتِ كرد فعل مؤقت، بل كجزء من خطة استراتيجية شاملة لإعادة تشكيل الاقتصاد السعودي وجعله أكثر مرونة واستدامة.
السياسة بقبضة من حزم وحداثة
يتناول الكتاب أيضًا طريقة سموه في إدارة السياسات المحلية، التي تتضمن تقليص دور التيارات المتشددة، وتمكين المرأة، وفتح المجال أمام الفنون والثقافة والترفيه، وكلها كانت – حتى وقت قريب – مواضيع شديدة الحساسية في السياق المحلي.
أما في السياسة الخارجية، فتتحدث هاوس عن سمو ولي العهد بوصفه قائدًا يحاول رسم دور جديد للمملكة في النظام العالمي، أكثر استقلالية وأقل اعتمادًا على التحالفات التقليدية وحدها. فهو يتعامل مع الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي من منطلق المصالح المتوازنة، لا التبعية السياسية.
التغيير لا يقتصر على الداخل
واحدة من أهم أفكار الكتاب أن التغيير الذي يقوده سمو الأمير محمد بن سلمان لا يقتصر على حدود المملكة. فالموجات التي أحدثها على مستوى الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي في السعودية بدأت تتردد أصداؤها في المنطقة كلها، بل وحتى في طريقة تفكير العالم حول الخليج العربي.
وترى هاوس أن قوة التأثير التي يتمتع بها ولي العهد لا تأتي فقط من موقعه، بل من رؤيته الجريئة، وقدرته على فرض إيقاعه على مسرح الأحداث، حتى في أكثر الملفات تعقيدًا.
بين الإعجاب والتحليل
تمتاز كتابة كارين إليوت هاوس بأسلوبها التحليلي المتوازن. فهي تكتب عنه كرجل يواجه تحديات هائلة بشجاعة لافتة. وتضعها في سياق أشمل، يضم التحولات التاريخية التي تمر بها بلد المملكة حالياً.
في “الرجل الذي سيغدو ملكاً”، لا تكتفي كارين إليوت هاوس بتقديم بورتريه سياسي لسمو الأمير محمد بن سلمان، بل تكتب عن مرحلة فاصلة في تاريخ السعودية والمنطقة. فالأمير الشاب، كما تراه، مهندس مرحلة، وقائد جيل، وباعث مشروع دولة تتصالح مع المستقبل دون أن تقطع مع جذورها.
وفي الختام نستطيع القول أن هذا الكتاب يعد شهادة من قلب الغرب على ما يجري في قلب الشرق، ونافذة مهمة لفهم كيف يُعاد تشكيل الجغرافيا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في واحدة من أكثر بقاع العالم تأثيرًا.