خطبة عيد باهتة.. رغم كبر عمامة خطيبها !!
بقلم/ محمد خضر الشريف *
——————–
تقول الحكاية:ا ن رجلين أميين -لايعرفان فك الخط، نزلا على أهل قرية وتصادف دخولهما صلاة العصر فقصدا المسجد وكان أحدهما يلبس عمامة كبيرة مثل عمامة أهل العلم في زمانه وقد طالت لحيته ومسواكه لا يفارق يده وفمه..
توسم فيه أهل القرية الخير فقدموه للصلاة إماما فرفض فكرروا الطلب فكرر الرفض فلما أصروا ودفعوه دفعا للمحراب أصر على الرجوع للصف مقسما بالله العظيم ألا يصلي بهم إماما!!
انتهت الصلاة وبعد التسليمة الثانية والأخيرة همس صاحبه في آذنه: أحرجت الناس وأحرجت نفسك وكسرت بخاطرهم وقد توسموا فيك الخير وانت تعلم “أن جبر الخواطر على الله”؟ والصلاة عصر يعني سرية لن تقرأ فيها شيئا جهرا فتخطأ فتحرج مع المصلين؟!
قال: هذا هو السبب،.. وهو يشير الى نعش جنازة في المحراب مهيأة للصلاة على صاحبها مضيفا:صلاة العصر وعلمنا انها ليست مشكلة لكن هذا القتيل الممدد ايش أسوي فيه وكيف أصلي عليه؟!
موقف صاحبنا “المعمم” هذا كان أفضل وأكرم من رجل آخر “معمم” أيضا كنت شاهدا على موقفه الغريب العجيب!
صعد صاحبنا المنبر لخطبة العيد وما أدراك ما خطبة العيد.. في جامع كبيرممتليء بمصلين ومصليات المنطقة بشوارعها وحاراتها المتلاصقة والمتابعدة،وهو رجل عادي ليس متخصصا أو معينا من وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف مثلا، بل إنسان عادي جدا بل أقل من العادي، وكل مؤهلاته ثوب فضفاض بأكمام طويلة قصير ولحية مصبوغة نصفها بني داكن يميل للسواد يأبى الشيب الا أن يفضح صبغتها طولا وعرضا وفوق وتحت حدودها!
ثم تفاجأنا أنه ليس متخصصا في الشؤون الاسلامية بل هو مقيم عامل “خالي شغل” منتهية إقامته، يعني مخالف للنظام من عدة أوجه!
فاجأنا بانه دخل المسجد متأخرا فتخطى الرقاب ثم زاحم الناس في الصف الاول حتى قام من هو أحق بمكانه لانه جاء مبكرا عنه فرجع للوراء ليحل هو محله ثم صلى والسنة في العيد أن يجلس الداخل فلا يصلي لا تحية مسجد ولا صلاة قبلية ولا بعدية، قم قفز قفزا سريعا للمحراب ونحن مازلنا نكبر؛ فصلى إماما ثم قفز سريعا على المنبر بوريقات طول الواحدة ذراعا وعرضها باعا، نسخها نسخا كما هي وهو يقرأ ماكتبه في تلك الورقة الطريلة العريضة يستفرغ على السامعين كلمات هشة بصوت باهت ولغة ركيكة وأخطاء فيى آيات قرآنية، وإلقاء فاتر، يجلب النوم للسامعين، فلايحرك فيهم حماسا لمعنى العيد ولا أهميته ولا أثره في النفوس!!
من الخطأ أن يصعد المنبر رجل هذه صفاته وهذه طريقته في الالقاء وهو يرى ويشاهد بجواره من هو متخصص في الخطابة والدروس الوعظية الارتجالية والمحاضرات الدينية والأدبية والفكرية والثقافية التي كان يسمعها منه ويشاهده وهو يلقيها أمام ناظريه، وله صولات وجولات في مساجد المدينة التي بقطنها، وله من المؤلفات الشرعية والأدبية والتاريخية المتعددة فوق الثمانين مؤلفا ثم يتجاهله عمدا -هو ومن قدمه للخطابة أو كلفه بها- ويقفز للمنبر قفزا دون حساب لهذا كله!
خرجنا من المسجد وبدلا من التهاني بالعيد تبادل المصلون السؤال :من هذا الخطيب؟ ومن سمح له بالصعود للمنبر؟ وما مؤهلاته العلمية والشرعية؟ ولم نفهم منه شيئا وكأننا لم نسمع خطبة عيد؟ ولم نفد منها, راحت علينا حلاوة خطبة العيد !!
وظلت تساؤلاتهم تطن في سمعي دون أن أتكلم..
وتوجه الغاضبون الي يلومونني كيف تكون حاضرا وفي الصف الاول ونسمع تكيراتك مجلجلة في مكبر الصوت ولا تخطب فينا العيد؟
وتبسمت وأنا أجيبهم بهدوء:
لم يكلمني مشرفو المسجد عن الخطبة وهم يعرفونني جيدا ويعلمون أني- بفضل الله- لمثل هذا الموقف ارتجالا مصحوبا بالطرح المرتب المنظم واستيعاب الموضوع خطابة وقوة وتأثيرا وتشهدون أنتم كذلك على ذلك باعتباركم حضرتم دروسي وبعضكم حضر خطبي العديدة، وتشهد كذلك منابر جدة في أكثر من خمسة مساجد في عدة أحياء.
وفي عدة مساجد حتى خارج المملكة في بلدان لاأعرف أهلها ولا يعرفونني لكنهم يتوسمون في الخير فيقدمونني للخطابة فجأة بدون مقدمات منهم ولا تقديم وتحضير للخطبة مني،،والحمد لله يفتح الله بالفضل العميم والخير الكبير بالرغم من ارتجالية الخطبة وعدم كتابتها ومفاجأة لحظتها !
لكن هذا الخطيب لم يعط أحدا فرصة بل هو الذي انتهز الفرصة وتعمد أن يسابق للمنبر سريعا؛ خوفا أن يزاحمه أحد وهو يعلم ان فوقه وفوق كل ذي علم عليم!
إن خطبة العيد ليست درسا فقهيا عن الأضحية، وشروطها وعيوبها واستفاضة في أوصاف الشاة المعيوبة (عوراء بائن عورها او عرجاء بائن عرجها أو هزيلة بائن هزالها وووووو)..، وتذهب أغلب المساحة الزمنية للخطبة في تلك الشروط التي يمكن أن يلقيها الداعية في درس فقهي بعيدا عن المنبر..
خطبة العيد موعظة وتذكير وطرح لقضايا الامة وتعريف الناس بمعاناتهم ومشكلاتهم وطرح الحلول لها وربط العيد ومعانيه بما يعيشه المسلمون محليا وعالميا الافادة من فرصة الحضور الكثيف واستعداد المصلين للسماع للخطبة.
الخطابة مسؤولية كبرى ووجب أن يكون صاحبها مؤهلا ولديه علم ومؤهلاو قبل ذلك حباء، فان لمح من هو أعلم منه ولديه من الخصائص والمؤهلات ما هو أفضل منه -وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء-فعليه أن يقدمه ويصر على ذلك، والا فالاثم يلحقه؛ لانه انتصر لنفسه ولم ينتصر للحق الواضح الذي هو مأمور شرعا أن يتبعه وبخضع له ومن قبله من قدمه للخطابة وكلفه بها..
ورحم الله السلف الذين كانوا يتدافعون الخطابة والفتاوى والامامة ويحيلونها الى غيرهم تورعا وخوفا من تبعاتها.
———–
* داعية وأديب وكانب صحفي