مقالات

ضبط إعلام التواصل الاجتماعي.. بين المهنية والانفلات الرقمي

بقلم – الدكتور لؤي بن بكر الطيار
[email protected]

شهدت الآونه الأخيرة صعودًا هائلًا لما يُعرف بمشاهير التواصل الاجتماعي، الذين أصبحوا يشكلون جزءًا رئيسيًا من المشهد الإعلامي، مؤثرين بشكل مباشر في الرأي العام، وأنماط الاستهلاك، بل وحتى القيم الاجتماعية. وبينما يساهم بعضهم في تقديم محتوى هادف ومفيد، نجد أن شريحة واسعة منهم تفتقر إلى المهنية والمسؤولية، حيث يعتمدون على الإثارة والسطحية واستفزاز الرأي العام لتحقيق المشاهدات والانتشار، دون أي التزام بمعايير الذوق العام أو أخلاقيات الإعلام.

غياب المعايير والمسؤولية الإعلامية

مع تنامي تأثير هؤلاء المؤثرين، أصبح واضحًا أن الكثير منهم يعملون دون ضوابط أو التزام بمعايير مهنية أو أخلاقية. فبعضهم ينشر محتوى يفتقر إلى المصداقية، والبعض الآخر يروج لسلوكيات غير لائقة، أو يستغل منصاته الرقمية لتحقيق مكاسب شخصية بطرق تفتقر إلى الشفافية. والأسوأ من ذلك، أن بعضهم يسيء استخدام نفوذه الرقمي في التأثير على فئات واسعة من المجتمع، لا سيما الشباب، مما يساهم في ترسيخ قيم سطحية تبتعد عن الجوهر الحقيقي للإعلام الهادف.

المطالبة بتنظيم التصاريح الإعلامية

من هذا المنطلق، أصبح من الضروري تدخل الجهات المسؤولة، مثل وزارة الإعلام والهيئة العامة لتنظيم الإعلام، لفرض ضوابط صارمة على منح التراخيص للمؤثرين وصناع المحتوى، بحيث لا تُمنح إلا لمن يمتلكون الحد الأدنى من المهنية، ويلتزمون بمعايير أخلاقية واضحة تليق بالمجتمع وثقافته.

ومن بين الشروط التي يجب وضعها قبل إصدار أي تصريح:
1. تقديم محتوى هادف وذي قيمة، بعيدًا عن الاستفزاز والإثارة الرخيصة.
2. امتلاك المؤهلات أو الخبرة في المجال الذي يُقدَّم المحتوى حوله.
3. التزام المحتوى بالذوق العام وعدم الترويج لأي سلوكيات تتنافى مع القيم المجتمعية.
4. الشفافية والمصداقية في الإعلانات وعدم تضليل الجمهور لتحقيق مكاسب مادية.
5. الخضوع إلى تصنيف واضح وفقًا لنوعية المحتوى، بدلًا من منح التصاريح العشوائية.

وقف استخدام لقب “مشهور”.. والاكتفاء بلقب “مروج أو معلن سوشيال ميديا”

من المشكلات التي ساهمت في تضخم دور هؤلاء المؤثرين، إطلاق لقب “مشهور” عليهم، وهو وصف يُعطيهم هالة إعلامية لا يستحقها البعض، خاصة أن الشهرة الحقيقية يجب أن ترتبط بالإنجاز والإبداع، وليس بعدد المتابعين فقط. لذا، من الأفضل أن تتبنى الجهات المختصة قرارًا بمنع استخدام لقب “مشهور”، واستبداله بمسمى أكثر دقة مثل “مروج” أو “معلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، ليعكس دورهم الحقيقي، الذي غالبًا ما يقتصر على الترويج للمنتجات أو نشر المحتوى الدعائي.

نحو بيئة إعلامية أكثر مسؤولية:
ليس الهدف فرض رقابة مشددة أو تقييد حرية التعبير، بل تنظيم الفوضى الرقمية التي جعلت بعض المؤثرين ينافسون المؤسسات الإعلامية المحترفة دون أي التزام بالمعايير المهنية. فكما أن الصحفي أو المذيع يحتاج إلى تصريح لمزاولة عمله، فمن الأولى أن يخضع صانعو المحتوى الرقمي لمعايير مماثلة، تضمن تقديم محتوى راقٍ ومسؤول، يخدم المجتمع ويحافظ على أخلاقياته.
إن إعلام التواصل الاجتماعي اليوم أصبح واقعًا لا يمكن تجاهله، لكن لا بد من ترشيده، بحيث لا يُمنح التأثير إلا لمن يستحقه. تنظيم التصاريح، وإلغاء لقب “مشهور”، ووضع معايير مهنية واضحة، هي خطوات ضرورية لضمان أن يكون المحتوى الرقمي إضافة إيجابية للمجتمع، وليس مجرد سوق عشوائية تستغل الجماهير من أجل المشاهدات والمكاسب المادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى