مقالات

بين الإبداع و المقدس “كلمات سبارتكوس الأخيرة نموذجا”

محمد خواجه

 

مصطفى نصر *

—————-

(و قد جاء في صدر هذا النص ما يلي) :

( مزج أوّل ) : المجد للشيطان .. معبود الرياح من قال ” لا ” في وجه من قالوا ” نعم ”

من علّم الإنسان تمزيق العدم من قال ” لا ” .. فلم يمت , وظلّ روحا أبديّة الألم !

 

إن النص ( أي نص ) له ثلاث سلطات – سلطة ذاتية للنص ( أي اللغة و قواعدها وأصولها و أساليبها ) و التي لا يستطيع المبدع أو المتلقي تخطيها بحال ، و سلطة المبدع الذي يخلق النص وفق رؤاه و مخيلته و أساليبه الخاصة و المعاني التي يرصدها – و سلطة المتلقى و هى الأخيرة بين الثلاث سلطات، و تنحصر في إسقاط المعنى و ليس له أن يتدخل في المبني لأن المبنى من صميم عمل المبدع لا يستطيع تخطيه بحال و ليس له أيضا أن يشرد بالتأويل بما ليس في النص لغة وإبداعا، و إنما سلطته تنحصر في رصد المعنى و تغيير واقعه أو تاريخه أو جغرافيته أو حاله حال احتمال النص ذلك .

و في هذا النص -و كعادة أمل دنقل- الذي لا أنكر عليه أنه أحد القلائل الذين يمتلكون شاعرية مؤثرة إلا أنه دائما و أبدا ما يضرب في المقدس كأغلب شعراء جيله والجيل الذي سبقه لكن أمل دنقل كان يتميز عنهم ((بالإسقاطات المكثفة والرموز المقلوبة)) و( الرمز المقلوب ) هو أن يأتي المبدع برمز معلوم المعنى لدي الناس و له توظيف متعارف عليه و يستخدمه عكس معناه و عكس توظيفه مثلما فعل في هذا النص مع رمزية الشيطان و الملائكة و في نص ( مقابلة خاصة مع ابن نوح ) فعل نفس الأمر وقلب الرمز المعلوم المعنى لدى العقل الجمعي ( فالشيطان ) في اللغة العربية و في العقل الجمعي هو إبليس لا غيره؛ لأنه عرفه بإضافة الألف واللام التي تدل في اللغة على العهد الذهني الذي بين المتكلم و المتلقي..

وفي اللغة العربية هناك أسماء أعلام و أسماء صفات و أسماء صفات تخلع على الشئ فتصير أسماء أعلام مثل رحيم و الرحيم فطالما عرفتها فإنما قصدت بها الله و لا يجوز في اللغة غير ذلك و هذا ما تحدثت عنه في البداية عن سلطة النص التي لا يستطيع المبدع و لا المتلقي تخطيها .

أمل دنقل قد قصد بالشيطان و هو إبليس الرمزية للرفض ، لكنه قلب الرمز على خلاف العقل الجمعي فجاء بإبليس في صورة الحق و الملائكة الذين قالوا نعم في صورة الباطل و لاحظ جيدا إفراده للرافض و جمعه للمطيعين …

ثم قلب التمجيد فبدلا من أن يكون لله صار للشيطان الذي عوقب بأن يعيش مطرودا شريدا أبدي الألم و العذاب لأنه أبى أن يقول نعم و هذا الذي يسمى بالضرب في التابو أو الضرب في المقدس و هذه المعركة المفتعلة بين الإبداع و المقدس إنما افتعلها ( كل من هو أفاك ) لكي يهدم بها كل ما هو ( ديني إلهي مقدس ) ثم هو يبنى لنفسه صنما يعبده من دون الله و يقدسه و يسميه ( الإبداع ) و الإبداع الإنساني خارج كل هذه التصورات و المفاهيم لأن الإبداع و الخلق و الإنسان يخرجون من مشكاة واحدة فالله هو الذي خلق و هو الذي وضع في الإنسان ملكات خاصة يستطيع من خلالها أن يكون خليفته في الأرض ليكون قادرا على إعمار الأرض و إقامة الحضارات فيها بناء على قيم محددة ( قيم الحق و الخير و الرحمة ) و التي فصلها الخالق في رسائله للبشرية ) فما كان الله ليخلق الإنسان ثم يهمله و يتركه بلا هدى و رشاد و كل الأمم السابقة التي خرجت على هذه القيم والتعاليم الإلهية و لم يجدوا مقاومة بشرية عاقبهم الله عقابا مباشرا بإهلاكهم ( إرم ذات العماد . التي لم يخلق مثلها في البلاد ).

لقد أقر الله عظم تلك الحضارة المادية و لكنهم أقاموها على خلاف ما أمرهم الله به فأفناهم و أفنى حضارتهم المادية العظيمة ( التي لم يخلق مثلها في البلاد ) …

و هذا التصوير الممنهج للإبداع إنما هو مخالف للحقيقة و خداع براق لا يسوق إلى حضارة أو تقدم و لا يقدم شيئا إلا قيم الباطل و الشر التي تودي بالبشرية إلى هاوية محققة … ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ).

———————-

  • ناقد أدبي مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى