التخصيص بين الإيجابيات والسلبيات في موانئ المملكة
بقلم – دكتور مهندس بحري عبد الرزاق المدني:
إن صدور الموافقة السامية الكريمة على نظام التخصيص يذكرنا بما حصل في قطاع الموانئ قبل عدة سنين وسوف يغير المسار الاقتصاديللمملكة إذا طبق في القطعات الأخرى، مما يدعوإلى ظهور عدة منحنيات إقتصادية ، حيث تواجه عدد من دول العالم خاصة دول العالم الثالث تحديات كبيره للتغلب على مشاكلها الاقتصادية والإسهام في سباق الإنفتاح التجاري العالمي بكل طاقاتها حيث يجب عليها الإسراع في إتخاذ الخطوات الجادة للإعداد لما يتطلبه هذا السباق من تطوير وإصلاح لمسارها الإقتصادي والتي على ضوئها يتحدد مركزها في المجموعة العالمية. ولبلوغ الهدف المنشود فإن معظم الدول فكرت في تخصيص قطاعاتها العامة لديها معتمدين في ذلك على نجاح تجارب من سبقهم من الدول الأخرى خلال السنوات التي مضت وهذا يعود بذاكرتنا تجربة المملكة مع تخصيص عدة جهات أهمها المؤسسة العامة للموانئ حيث أثبتت التجربة نجاحها بجودة عالية و كذلك غيرها من قطاعات الدولة وقد أثبت القطاع الخاص جدارته في إدارة تلك المنشآت الضخمة بكل سهولة ويسر .
وبما أن مواني المملكة تعتبر من أهم المرافق العامة ولها ثقل اقتصادي، حيث إنها أكبر منظومة للموانئ في منطقة الشرق الأوسط ، وتقوم بدور هام في خدمة الاقتصاد الوطني حيث يمر عبرها سنوياُ90% من صادرات وواردات المملكة, كما أنها تحظى بأكبر حصة من البضائع في موانئ دول مجلس التعاون الخليجي والتي تقدر بأكثر من 50% .
وبالنظر إلى توجه حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز أيدهمالله ، حيث توجهت إلى سياسة توفير الفرص للقطاع الخاص لإدارة وتشغيل المرافق العامة في وقت مبكر. حيث بدأت الدولة بتحقيق هذه السياسة وكانت خدمات الموانئ السعودية أول المرافق العامة التي تمت التجربة بخصخصتها وتم ذلك بالكامل في وقت قياسي
وبالنظر إلى من أهمية الموانئ في جميع أنحاء العالم، والمنافسة الشديدة بينها حيث أن أجور الشحن عن طريق البحر تعتبر وسيلة النقل الأقل تكلفة في العالم، بالإضافة إلى سرعة هذه الخدمة وإنتظامها ، ومن ثم فليس من قبيل الصدفة أن تبادر معظم الدول، بما فيها المملكة إلى تخصيص خدمات موانئها، فالموانئ بوابات التجارة والتنمية لأي دولة ، وبهذا فهي أولى المواقع التي تتفاعل على ساحتها أدوات المنافسة الاقتصادية لأي دولة مع العالم الخارجي. ونجاح الموانئلا يعتمد فقط على طاقتها أو تكلفة خدماتها ، ولكن على مرونتها في التعامل وسرعة إستجابتها للمتغيرات الاقتصادية ونقل التقنية الحديثة لتشغيلها.
لقد باتت الحواجز التجارية تتهاوى الواحد تلو الآخر وأضحى باب المنافسة مفتوحاً على مصراعيه ، ولم تعد المنافسة محصورة بين أطراف داخلية ولكن أصبحت متعددة الأطراف والإتجاهات ، وليس هذا فحسب ، فقد تضافرت عوامل أخرى كثيرة تحتم البحث عن مفهوم جديد لتشغيل وإدارة المواني بما يحقق لها القيام بالدور المطلوب منها بكفاءة واقتدار ففي السنوات القليلة الماضية أصبح من المعتاد أن نقرأ أو نسمع في وسائل الإعلام عن خطط لإنشاء مواني جديدة في مواقع متعددة من العالم أو توسعة لبعض الموانئ القائمة وتقدر الاستثمارات في الموانئ بمئات مليارات دولار ومثالا لذلك نرى المنافسة الخارجية تغزو بلادنا فمثلا هيئة موانئ دبي التي أصبحت منافسا عالميا تجوب أنحاء العالم وكسبت ثقة العالم في فترة وجيزة والإستحواذ على الشركات العالمية الكبرى وغيرها من الشركات التي تتقدم للمنافسات المطروحة من الدولة
ونحن هنا نواجه تحديات ومنافسة شديدة من موانئ الجوار مثل مينائي عدن وجيبوتي على البحر الأحمر ومينائي دبي وصلالة على الخليج العربيكما أن هناك عوامل كثيرة ممثلة في الرتم السريع للتطورات السريعة في مجال النقلالبحري والتي نذكر بعض منها:
- ارتفاع معدل الزيادة السنوية للنقل بالحاويات (الكونتينيرات) مقارنة بمعدل الزيادة العامة للتجارة البحرية حيث التوجه العالمي لذلك لسهولة المناولة.
- بناء سفن الحاويات الحديثة الكبيرة الحجم حيث تضاعفت أحجامها في الآونة الأخيرة لتصل حمولاتها إلى أكثر من خمسة وعشرينألف حاوية للسفينة الواحدة وإرتفاع التكلفة التشغيلية لها مما يجب خدمتها بأسرع ما يمكن وعلها تخفيض زياراتهاإلى ميناء واحد أو أثنين على الأكثر في المنطقة حيث تحتاج لمعدات مناولة حديثة ذات أسعار مرتفعة .
- إرتفاع تكلفة بناء وسفن الحاويات الجديدة عالية حيث التنافس على السفن الضخمة بتكلفةتشغيلية قليله من حيث السرعة وإستهلاك الوقود والتوجه للوقود الأرخص والصديق للبيئة .
- رفع الطاقات التشغيلية في الموانىء وتوسعتها لمواكبة التطور في بناء سفن الحاويات وإدخال الأجهزة والمعدات الحديثة للشحن والتفريغ والكشف بالأشعة والإفراج السريع عن البضائع.
- الاستثمارات الكبيرة التي تتطلبها خدمات الموانئوالتي لا تستطيع بعض الدول الإنفاق عليها.
- زيادة كبيرة في إنشاء المناطق الحرة لعمليات المسافنة والمناطق اللوجستية.
- الزيادة الكبيرة في التصدير حيث كانت الصادرات إلى عهد قريب لا تتجاوز 7% من مجموع حركة البضائع في الموانئ بينما وصلت الآن إلى أكثر من 30% .
مما سبقبعض العوامل الرئيسية التي يجب أخذها في الإعتبار في تنفيذ التخصيص وإدخال القطاع الخاص قي تشغيل الموانيء السعودية لتتناسب مع متطلبات النمو الاقتصادي العالمي ومواكبة التغييرات السريعة للموانئويتضح لنا جليا بعض المشاكل التي ظهرت من التجربة لذلك والتي يجب أخذها في الإعتبار عند تجديد العقود وذلك لتحقيق عدد من الأهداف التي منها:
- جذب السفن للدخول إلى الموانيء السعودية وخاصة الكبيرة منها.
- رفع كفاءة مرافق الموانئ وزيادة حجم الاستثمار بها.
- توفير فرص عمل جديدة للأيدي العاملة السعودية.
- زيادة إيرادات الموانئ .
- تشجيع الصادرات والواردات وإستعمال مناطق المسافنة وإعادة التصدير والمناطق اللوجستية.
وأود هنا أن أقدم بعض الملاحظات التي يجب أخذها في الإعتبار عند تجديد العقود أو أبرام عقود جديدة:
- أن تكون المنافسة عالمية تكون إدارة العمل بأسلوب تجاري بحت ويجب توفير خدمات عالية الجودة وسيكون إقبال كبير من الشركات العالمية نظرا لعدة عوامل جذب منها:
- إرتفاع نسبة الصادرات والواردات لموانيء المملكة.
- دراسة الأجور لتكون مناسبة بالمقارنة مع الموانئالمجاورة.
- الشفافية ووجود قاعدة المعلومات الحقيقية لماضي الموانئ السعودية ويمكن لأي شخص الإطلاع عليها.
- تعدد الفرص الاستثمارية حيث أن هناك مجالات متعددة، مثل الخدمات البحرية،محطات الحبوب و محطاتالمواد السائبه ومحطات الحاوياتوالبضائع المبردةومحطات سفن الركاب ومحطات إستقبال المواشي ومناطق إعادة التصدير ،الموانئ الصناعية…إلخ….
- يجب مراعاة نسبة ارتفاع تكلفة التشغيل أثناء فترة العقد لطول مدته بحيث لا يكون هناك ضرر على المقاول.
- الإشتراط على المقاول إعطاء يعض الأعمال للشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة
- المراقبة الجيدة لتنفيذ العقد وخاصة التدريب والإحلالللمعدات والتجهيزات.
ولا ننسى ما قامت به الهيئة العامة للموانئ مشكورة من جهود في تطوير ورفع كفاءة وفتح خطوط ملاحية جديدة لموانئ المملكة مما جعل الشركات الملاحية التوجه لهاهذا وقد حقق برنامج الخصخصة لخدمات الموانيء الكثير من الإيجابيات التي منها:
- مشاركة القطاع الخاص في الإستفادة من هذه المشاريع و مشاركة الدولة في الدخل.
- قيام الدولة بدورها الرقابي دون الإخلال بحق المستثمر في إدارة وتشغيل المرفق بأسلوب تجاريوتوفير آليات الرقابة والمحافظة على المال العام عبر عدة قنوات.
- رفع نسبة توظيف العمالة السعودية العاملة في المشروع وبنفس الرواتب والبدلات وعدم تسريحهم.
- تقليل الوقت الذي تقضيه السفن في الموانئ وتسهيل الإجراءات
- تحديث معدات وتجهيزات الموانئ.
- في رفع كفاءة الأداءزيادة معدلات الإنتاجية في مناولة البضائع ، وقد بلغت نسبة الزيادة في بعض المحطات أكثر من70%.
- زيادة مطردة في إيرادات الموانئ .
- توفير برامج لتدريب وتوظيف اليد العاملة السعودية ،وتقديم برامج تدريبية لهم لإحلالهم مكان العمالة الوافدة.
- انخفاض أجور الشحن والتفريغ فيموانئ المملكة، مما إنعكس على أسعار السلع في السوق المحلية، كما هو الحال بالنسبة للصادرات السعودية للوصول إلى الأسواق العالمية.
ومما لا شك فيه أن لكل مشروع سلبياته فمن سلبيات التخصيص الآتي:
- إقتصار الفرص للشركات الكبيرة وعدم توفر الفرصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
- طول فترة العقود حيث تتراوح بين عشر سنوات وعشرين سنة, حسب حجم الإستثمار المطلوبوهذا من حق المستثمر حيث يمكن له تغطية مصروفاته وإستعادة إستثماراته.
- عدم إستيعاب المشروع لكافة العاملين في القطاع مما زاد العبئ على الموانئ لإعادة هيكلتها لإستيعاب العدد المتبقي.
ولا شك أن هذه النقلة الكبيرة في موانئ المملكة يعود الفضل فيها، بعد الله سبحانه وتعالى ، إلى ولاة الآمر في هذا البلد المعطاة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أيده الله، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان عبد العزيز ولي العهد ونتمنى أن تحظى بقية القطاعات بما حظت به الموانئ من نجاح لامثيل له وخاصة أن هناك سيولة كبيرة لدى الكثير من المواطنين لا يعرفون كيف يشغلونها حيث يتجة أكثرهم إلى قطاعات أخرى أو إلى خارج المملكة كما يتضح ذلك جليا .