المدراء .. أكثر عرضة للتعب النفسي والبدني
دبي – هشام رفعت:
على الرغم من تنبؤات الخبراء بأن الكثيرين من الناس في الوقت الحالي يتوقع لهم العيش حتى عمر المئة، مع احتمال قدرتهم على العمل بشكل جيد حتى بعد بلوغهم الثمانينات من العمر، وجدت دراسة قامت بها كلية لندن لإدارة الأعمال أن أقل من النصف (40 %) من كبار المدراء التنفيذيين يصنفون التوازن بين العمل والحياة ضمن أولوياتهم عند النظر إلى تطورهم خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة.
وتأتي هذه النتائج على النقيض المباشر من الأولويات بالنسبة إلى الموظفين من الجيل السابق؛ حيث كانت الكلية قد كشفت في وقت سابق من هذا العام عن نتائج استطلاع أجرته لمدة خمس سنوات بين المشاركين في برنامجها التعليم التنفيذي لقادة المستقبل. ووجدت هذه الدراسة أن الجيل السابق يحرص على التوازن بين العمل والحياة، بل ويضع ذلك في أعلى قائمة الأولويات، بينما يصنفون آفاق الترقيات في المركز الثالث بعد الثقافة المؤسسية.
ويشير الخبراء إلى تفسير واحد لهذه الفجوة الواضحة، ألا وهو أن المدراء العامين الذين يتسلمون زمام مناصبهم يكونون أكثر عرضة للتعب النفسي والبدني.
وقال ريتشارد جولي، الأستاذ المساعد في السلوك التنظيمي والمحاضر في كلية لندن لإدارة الأعمال: “إن التحول إلى برامج “الإدارة العامة” و”قيادة التغيير” يفسر سبب صعوبة المناصب في الإدارة العامة، إنه ما يمكن أن نطلق عليه “الأزمة المزدوجة”. وفي هذه المرحلة، يكون الكثيرون من الناس قد بدأوا بتكوين حياة الأسرة وتسلم وظائف الإدارة العامة لأول مرة في نفس الوقت. وبالتالي، تكون مطالب العمل والحياة الشخصية أكبر من أي وقت مضى بالنسبة إليهم”.
وأضاف ريتشارد: “يضاف إلى كل ذلك، أنه هذه هي أول مرة يتعين على هؤلاء المدراء الاعتماد على خبراتهم الفنية في الحياة العملية. وتتطلب وظائفهم الجديدة العمل لمدة 18 ساعة يومياً، إضافة إلى مجموعة مختلفة من المهارات. ولا تكون تلك الوظائف مرتبط إلى حد كبير بالمعارف التي يمتلكونها بالفعل، وإنما تتمحور أكثر حول كيفية إدارة وقيادة الفريق. إنها مهمة شاقة بالفعل بالنسبة إليهم. ولأول مرة يبرز جانب المساءلة الحقيقية والسيطرة القليلة نسبياً. أما الجانب الذي يبدأ وكأنه مراقبة للجودة، تتحول مختلف جوانب العمل بسهولة إلى عمليات إدارية دقيقة تسبب الإرهاق”.
وهناك سبب وجيه يدفع كبار المديرين التنفيذيين للتعامل مع المخاطر على مستوى الإدارة العامة بقدر أعلى من الجدية. ويقول ريتشارد: “في الواقع هناك سببان يحتمان على الأشخاص في الإدارة العليا إلقاء نظرة فاحصة على الطريقة التي يتم بها التعامل مع تعقيدات العمل والحياة الشخصية في شركاتهم. ومن بين المخاطر القاتلة التي ابتدعها الغرب توظيف عدد أقل من الناس للقيام بالمزيد من مهام العمل. وإذا فشل كبار المديرين التنفيذيين في خلق تلك البيئة المناسبة للمواهب من الجيل السابق، فإنهم سيفشلون حتماً في جذب ألمع وأفضل المواهب والاحتفاظ بها، وعند ذلك تبدأ المعاناة في أداء الشركة. إن القادة الناشئين في الوقت الحالي، وخاصة في مجال الخدمات المهنية، يمعنون النظر في حياة شركائهم الأكبر سناً، ويسعون إلى تعزيز ثقتهم بأدائهم، وأن حياتهم الشخصية يجب ألا تأتي دائماً في المرتبة الثانية بعد العمل”.
وأكمل ريتشارد: “لا يعتبر هذا الأمر مجرد نتاج للسوق الصاعدة خلال السنوات الحالية، بل إن ما نراه يعدّ تغييراً حقيقياً في مواقف هذا الجيل الذي يبدو أكثر تصميماً على الاستمتاع بالرحلة حتى آخرها. يتعين على كبار المديرين التنفيذيين الإصغاء جيداً إلى من سيأتون بعدهم من المدراء. ومع أنهم قضوا الكثير من السنوات في الإدارة الوسطى بمعدل يزيد على 95 في المئة من المناصب التنفيذية التي عملت بها، يمكن القول أنهم مصابون بداء السرعة، وأصبحوا مدمنين على البريد الإلكتروني، ويعانون خيبة الأمل من الاجتماعات غير الفعالة. إن الأزمات الناجمة عن عدم الحصول على الترقيات، أو التكرار الروتيني للعمل أو وفاة شخص في الأسرة تعدّ جميعها من الأحداث المؤلمة للجميع، ويلقى الكثيرون من كبار المسؤولين التنفيذيين حتفهم في غضون خمس سنوات من التقاعد المبكر، بعد أن ظنوا أنهم حققوا كافة الأشياء التي تضمن لهم السعادة بعد الخروج من حياة العمل، ولكنهم حال التحول إلى الحياة الجديدة يكتشفون التعاسة بعينها أكثر من أي وقت في حياتهم السابقة”.
فماذا يمكن للشركات القيام به حيال هذا الأمر؟ تعتبر مراجعات الرفاه بمعدل 360 درجة مكان جيد للانطلاق منه. وهذا هو السبب الذي دفع كلية لندن لإدارة الأعمال لإطلاق برامج التشخيص الصحي والمراجعات لمدة 6 أشهر مع المشاركين في برامج كبار المديرين التنفيذيين والتحول إلى الإدارة العامة لرجال الأعمال. وسيقوم المشاركون بتحديد أهدافهم المتعلقة بالرفاه بعد الفحوصات الطبية الفردية والاستشارات الثنائية.
وقالت سامانثا باون، رئيس قسم البرامج للتعليم التنفيذي المفتوح في الكلية: “إن الصحة والرفاه من المسائل الشخصية جداً، وهذا بدوره يعني أنها شيء مختلف بالنسبة إلى كل واحد منا. ويتمثل مفتاح العافية في الأهداف الشخصية، إضافة إلى إجراء تغييرين في نمط حياتنا الأساسية، وهما تحديد الأمور التي يمكنك القيام بها والتركيز عليها بجهد أعلى. وقد يشتمل هذا على زيادة التمارين الرياضية التي تمارسها، وإعطاء نفسك الوقت الكافي لشحذ طاقتك أو إجراء تغييرات على نظامك الغذائي. ويكون للتركيز على الصحة والرفاه فوائد هائلة تعود على الفرد. وسترى أنك اكتسبت المزيد من القدرة على التركيز، وارتفاع مستويات الطاقة، وتعزيز الشعور بالإنجاز”.