مقالات

كيف نبني جيلا صناعياً

بقلم -دكتور مهندس طلال مندورة:

تعتبر الصناعة الشريان الأكثر أهمية في أي بلد وأي اقتصاد وهي التي تصنع السياسة وهي التي تنمي إيرادات الإقتصاد وتقويه وهي أيضا التي قد تضعفه في حال ضعف النشاط الصناعي. فهاهي الدول الصناعية الكبرى تقود العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية والدول  الأوروبية واليابان والصين وكوريا والتي تعتبر دول ذات اقتصاد عالي وجودة في الإنتاج فما كان ذاك ليكون بدون قوة الصناعة وتطورها في هذه الدول. ففي عام 2001 كان دخل شركة صناعية كبرى بالولايات المتحدة الأمريكية 200 مليار دولار بينما وفي نفس العام كانت ميزانية دولة في الشرق الأوسط 2 مليار دولار أي 1 % من دخل الشركة. ولنا ان نتصور قطعة حديد بالية يقدر سعرها ب 10 ريالات تحول إلى ترس يباع ب 300 ريال في نفس اليوم بينما يبنى العقار بتكلفة 5 مليون مثلا في سنتين ويتم تأجيره والحصول على تكلفة بناء العقار في 10 سنين على أقل تقدير.

تفيد الصناعة كثيراً على مستوى البلد بأن تقلص كمية الواردات وترفع من مستوى الصادرات والتي توفر أموالاً ضخمة وتزيد من الدخل القومي وتزيد من مستوى الرفاهية للفرد والمجتمع وتوفر حالة الإستقرار الإقتصادي للبلد. كما أن الفائدة المرجوه من الصناعة لا تقتصر على تصنيع المنتجات فقط وتوفير ما يحتاجه السكان من المنتجات إنما توظيف للشباب وللشابات وكافة فئات المجتمع وتدريبهم على رأس العمل ورفع مستوى الأداء والإنتاجية والقضاء على الخمول والكسل. وكذلك رفع مستوى الإتقان والجودة والمهارات اليدوية وتقلل الإعتماد على الأيدي العاملة الوافدة وتعزز الإعتماد على النفس وترفع من مستوى التعامل مع البيئة المحيطة وتقدير الحياة والإحساس بالمسئولية وتحقيق الرفاهية للناس بتسهيل السبل المعيشية وترفع مستوى الإبداع والإبتكار إلى أن نصل بحول الله وقوته إلى الصناعات المتطورة والمتقدمة كصناعة المركبات والطائرات التجارية والحربية وخلافه. وهي أيضا تساهم وبشكل كبير في تقليص نسبة البطالة وممكن أن تقضي عليها وما يترتب عليها من مشاكل كالسهر وتعاطي المخدرات والإرهاب  ورفقة السوء وترفع مستوى الأمن والأمان ومتطلبات السلامة ومستوى الوعي في المجتمع. وهي أيضا تساهم في رفع المهارات الفردية وانتشار الأيدي الفنية المتقنة وترفع من مستوى الإتقان والجودة.

ولكي نفكر في تكوين جيل قادم صناعي ماهر ومتقن يجب أن ندرس مقومات الصناعات في أي بلد ونحاول في توفير هذه المقومات كلها وليس بعضها كما انه يلزم توسيع الدائرة المقتصرة على فئه معينة من الناس والتي لها مساهمات في الصناعة إلى كافة المجتمع ليشمل كل فرد بحيث كل في مجاله يعتبر محترف ومتقن. وكما هو معروف عن عزوف كثير من فئان المجتمع السعودي وهم كثير عن الخوض في مجال الصناعة لأسباب عديدة قد تكون أهمها عدم المعرفة وعدم وجود الخبرة وعدم وجود دراسة جيدة للجدوى الإقتصادية وصغر دائرة الممارسين في الصناعة وعدم وجود أهل الخبرة الصناعية بشكل واسع في المجتمع السعودي ولا في المدارس أو الجامعات وغيرها من مؤسسات التعليم العام والخاص. ولعل من المنطقي أن نتجه للدول الصناعية وندرس ما قد مروا عليه من مراحل تمهيدية ساهمت في تعزيز المستقبل الصناعي لديها. فنجد أن جميع هذه الدول قد بدأوا التعليم والتركيز علي المهارات الصناعية في المدارس مبكرا ومن المراحل الإبتدائية فأدخلوا المقررات الفنية الحرفية كالنجارة وأعمال التصميم والتركيز على الجانب العملي إلى جوار الجانب النظري والاستمرار والتعزيز في المراحل الدراسية التي تليها المتوسطة والثانوية والمرحلة الجامعية إلى جانب العمل بتفرغ جزئي في المرحلة الجامعية فلا يخرج إلى المجتمع بعد الجامعة إلا وقد احترف هذه الأعمال وربط بين ما تعلمه الطالب إثناء الدراسة وبين ما يحتاجه أو ما يطبقه في الحياة العملية التطبيقية حيث يعتقد بعض الطلاب بأن العلوم التي يدرسها ليس لها علاقة بارض الواقع فلا فائدة مرجوة بدراسة التفاضل والتكامل مثلاً بواقع العمل وهي حتماً ذات فائدة كبيرة يعرفها في التطبيق. ويكون بعد التخرج قد أحب هذه الأعمال وصار بينه وبينها علاقة حميمة لدرجة أن يكون لكل منهم ورشته الخاصة الصغيرة في داره أو في البدروم أو على السطح يمارس فيها ما يعرفه ويزيد عليها قليلا من الكتب وما هو متاح و منشور على الشبكة العنكبوتية وغيرها من المصادر السهلة وتكون هي مصدراً للابتكار والإبداع ويساعده في ذلك أيضا وجود المخازن التي توفر كافة ما يحتاجه من أدوات ومعدات ومواد خام بيسر وسهوله.

ولو بحثنا في مقومات الصناعة في هذه الدول لوجدنا أن المقومات الأساسية لنجاح أي مشروع صناعي، تتكون من خمسة أركان رئيسية وهامة يطلق عليها  5 Ms (Money, Manpower, Management, Methodology and Machines) وهي باختصار (1- المال 2- والأيدي العاملة 3- والإدارة الناجحة 4- و المعرفة 5- والأدوات والمعدات والآلات) قد تتوفر هذه الأركان ولكن على نطاق صغير يجب توسيعه ونجد أن الدعم المادي والمصادر الطبيعية للمواد الخام متوفرة أيضاً ويبقى التوجيه الصحيح والتعزيز لهذه الأركان الضرورية للصناعة وهي :

  • الأيدي العاملة – Manpower – وهي الأيدي الفنية المدربة النشطة القادرة على التنفيذ والتعليم والتدريب والجهد والصبر.
  • المال – Money – وهو المال اللازم لإنشاء المصنع وتشغيل الأيدي العاملة وتوفير المواد اللازمة للصناعة.
  • المكائن والمعدات – Machines – وهي المكائن والأدوات التي تقوم بعمليات الصناعة والمعدات التي تحتاجها الصناعة للإنتاج.
  • طريقة التصنيع – Methodology – وهي طريقة عمل خط الإنتاج االفنية والزمنية لتصنيع المنتج.
  • الإدارة – Management – وهي الإدارة الناجحة التي تقوم بتنظيم العمل وتنسيقة وحل المشاكل المحتمل وقوعها إدارياً ومالياً وقانونياً وخلافه.

وبالنظر لتلك المقومات نجد أنها متوفرة في البيئة التي نحن بها أما كلها أو جزء منها ولكنها مقصورة على شرائح معينة جداً في المجتمع ولكي ننمي هذه الشريحة ونوسعها بحيث يكون هنالك ان شاء الله جيل مستقبلي صناعي قادر على العطاء والتصميم والتنفيذ والإبداع والتصنيع في كافة مجالات الحياة وتصميم حلول لأي مشكلة تواجهنا في الحياة لجعل الحياة أسهل وخالية من المشاكل بقدر الإمكان، يجب نشر ثقافة تكوين الأيدي الماهرة ليست على فئة معينة من الناس بل على كل الفئات والمجتمع وذلك بتعريضهم لكل التقنيات الفنية كالآتي:

لرفع مستوى أداء الأيدي الفنية العاملة الصناعية Manpower وإتقان العمل نقترح لتنشيطها التالي:

  • يجب إدخال مقررات الورش الفنية في التعليم العام وجميع المدارس بكافة مجالاتها والتركيز على أداء عمل المعامل وتعزيزها والتشجيع عليها وتبدأ الخطة من المرحلة الإبتدائية ثم المرحلة المتوسطة ثم المرحلة الثانوية أما في المرحلة الجامعية فيكون التفرغ الجزئي للعمل إلى جانب الدراسة مع التركيز على المعامل والجانب العملي إلى جانب النظري وبذلك يكون التعليم ممتعاً ويحس الطالب بما يدرسه ويكتسبه من علوم. فمطلوب في كل العلوم الممارسة والتطبيق.
  • عمل حملات تنشيطية لدعم العمل الفني وإدخال الورش الفنية في كل البيوت وتشجيع الطلاب والأبناء على العمل اليدوي وتخفيف الإعتماد على الأيدي العاملة الوافدة فيما يمكن تنفيذه شخصياً.
  • عرض الأدوات والمعدات الفنية في مراكز التسويق الكبيرة أمثال (مراكز بنده والدانوب وخلافه) وتشجيع مراكز بيع الأدوات الفنية والمعدات مثل ( SACOساكو) والتشجيع على إنتشارها.
  • فسح المجال لتدريب المهن لكافة الشرائح بالمجتمع كأعمال السباكة والكهرباء واللحام والدهان والبلاط والالكترونيات وصيانة المعدات والحاسبات وغيرها وتشجيع المراكز التدريبية على تقديمها.
  • تشجيع المؤسسات التجارية التي تقوم بتوفير كافة احتياج المواطنين للقيام بمشارع تطويرية بالمنزل بطريقة الإعتماد على النفس كبناء جدار تقسيم للغرف بالجبسنبورد مثلا.
  • التركيز على تشجيع الأطفال في المدارس والتعليم العام وعمل زيارات للمصانع وشرح كيفية عمل المكائن.
  • إقامة المتاحف العلمية التي تعرض العلوم والتكنولوجيا للأطفال وعامة الناس والتي تؤثر إيجابا في التعليم الترفيهي للطب والهندسة والعلوم الأخرى.
  • توفير كافة الأدوات الخفيفة مع طرق التشغيل مثل إصلاح ثقب في كفر مبنشر باستخدام ادوات تحفظ مع السائق في سيارته.
  • إقامة التعاون المستمر بين الجامعات المحلية والعالمية والمعاهد التدريبية و الفنية الصناعية لإقامة دورات بأسعار مخفضة للتعليم وتدريب المهن والحرف الصناعية.
  • طرح مقررات (كيف ولماذا تعمل) ويقدم فيه كيفية عمل المعدات والآلات كالكاميرا وأنظمة التكييف ونظام المكابح (الفرامل) وغيرها.
  • عمل المسابقات ووضع الجوائز للفائزين في مسابقات تتعلق بالصناعة وتصميم منتجات صناعية أو فكرة مصنع أو منتج جديد.
  • تنفيذ فكرة إختبارات المهن وتصدير شهادات بدرجات مثل إختبارات القدرات والتحصيلي المفروض على الطلاب والمعلمين فتفرض كذلك على أصحاب المهن السعوديين وغير السعوديين من الذكور والإناث على حد سواء.

وللنظر في المقوم الثاني للصناعة (المال Money) وتوفيره في المجال الصناعي نقترح الإجراءات التالية:

  • تسهيل إجراءات الاستثمار الأجنبي الصناعي وهذا مما ينشط المجال الصناعي ويقوم بتدريب الكوادر الوطنية وأبناء الوطن على العمل الفني والإحتراف.
  • إقامة دراسات جدوى لمشاريع صناعية ناجحة سابقة ونقل التقنية الصناعية من الدول الصناعية.
  • إجتذاب الشركات الصناعية الغير سعودية المميزة ودعوتهم لإنشاء مصانعهم بالمملكة وخاصة الصناعات الغير متوفرة والصناعات المتقدمه.
  • دعوة رؤوس الأموال للمساهمة في التطوير الصناعي والاستثمار فيه وتوضيح ضخامة العائد المادي في هذا المجال.
  • وضع خطة طويلة المدى وأخرى قصيرة المدى لحملات إعلامية للدعوة لتنشيط مجال الصناعة.
  • التخفيف على الواردات وتشجيع المنتجات المحلية وذلك برفع نسبة الجمارك عليها.
  • تخصيص جهة صناعية متخصصة علمية ومن أهل الخبرة في الصناعة لنشر حملات وعي بالصناعة وأهميتها وتشجيع الصناعة وتسهيل إجراءاتها ونشر الوعي الصناعي.

وبالنسبة للمكائن والمعدات الصناعية فنقترح الإجراءات التالية لتنشيطها صناعياً:

  • فتح باب التعاون بين الجامعات والقطاعات الفنية والهندسية والجهات الصناعية لتصميم المنتجات وتصميم خطوط انتاجها وتصميم وتصنيع المعدات والمكائن التي تقوم بإنتاجها بقدر الإمكان وتصميم المصانع وتصميم الأنظمة التابعة لإداراتها من تسويق وتوزيع وأنظمة مالية ومحاسبية وقانونية وخلافه ودعوة هذه الجهات للمساهمة في تطوير المجال الصناعي.
  • تنشيط دور المكاتب الهندسية الصناعية وتفعيل أدوارها وعمل الدليل والمرجع للأنشطة الصناعية.
  • التوسع في تخصيص الأراضي للاغراض الصناعية وإقامة المصانع وانتشارها.
  • القيام بأعمال التخصيص ومراقبة الجودة وإلزام المصانع والشركات بالحصول على شهادات الإعتماد المهني والجودة الصناعية والادارية كالآيزو وخلافه.
  • وضع التسهيلات اللازمة لاستيراد المكائن والمعدات الصناعية

 

 أما عن الركن الرابع من أركان المشروع الصناعي الناجح فهو طرق التصنيع Methodology فنقترح التالي:

  • إدخال مقرر طرق التصنيع في المدارس بالتدريج حسب المرحلة الدراسية فمثلا الإبتدائية يقوم الطالب بانتاج قطع بسيطة بالنجارة والمتوسطة فيقوم الطالب بانتاج قطع بسيطة بالبلاستيك والصاج الحديد أما في المرحلة الثانوية فيقوم الطالب بانتاج قطع باللحام والمخارط ويكمل طرق التصنيع في مقرر الورش الهندسية في السنة التحضيرية بالجامعة.
  • إدخال مقرر كيف تعمل الآلات والمعدات وهو مقرر عبارة عن مشاريع فقط ينفذ الطالب من خلالها أنظمة الوقود ومولدات الطاقة والفرامل والتروس والأنظمة الحركية كالبساتم وغيرها.
  • تقديم برامج بتصوير محلي وغير محلي لمصانع عديدة مشكلة بسيطة وغير بسيطة مثل صناعة الأحذية والسجاد والبلاستيك وغيرها ثم صناعة الأجهزة والسيارات كصناعات متقدمة ويتم نشرها بالمدارس كعرض فيديو وكذلك في القنوات التلفزيونية.
  • تصنيف المصانع حسب التقنية التي تستخدمها في الإنتاج فكثير من منتجي الطوب يدويا يطلقون على أنفسهم مصنع وتصنف أيضا المنتجات كدرجات وذلك بوضع معايير لها بحيث يعرف المستهلك ما درجة جودة المنتج ودرجة كفاءته ويقرر بناء عليه ما يشتري.
  • عمل المكتبات التي تنشر القراءة السهلة كالفيديو والكتب المصورة لسهولة الإطلاع عليها ونشرها وتوفير هذه المواد أيضا في الغرف التجارية والجامعات والمدارس.
  • نشر المتاحف العلمية التي تشرح وبطرق ترفيهية كيفية عمل المعدات كمضخات المياه والسوائل وأنظمة البكرات في الرفع والعتلة وبعض الروبوتات (أذرعة آلية) وغيرها والتي توصل المعلومة للشخص من غير عناء وبدون أن يشعر وكذلك نشر متاحف الأطفال.
  • تدريب الطلاب وغيرهم على عمليات الصيانة الخفيفة والمتخصصة فهي تقود لفهم العمليات الصناعية وطرق التصنيع أيضا.

أما بالنسبة للركن الأخير للمشاريع الصناعية فهو الإدارة ونقترح لها الآتي:

  • التوسع في نشر تخصصات الهندسة الصناعية والإدارة الهندسية وهندسة النظم في الجامعات والمعاهد والكليات.
  • صقل العمليات النظرية بالتدريب الميداني وممارسة العمليات الإدارية في المصانع والجهات التقنية.
  • توظيف الخريجين في أماكن مناسبة كإدارات للمصانع والورش والمعامل وتكون الأفضلية حسب المؤهل والتخصص ومعايير دقيقة وليس للون أو عرق وتمنع المحسوبية.
  • يراعى في التخصصات الإدارية المحاسبة والتسويق فتقدم أيضا في المقررات ويدرب على عملياتها.
  • تلزم المصانع والشركات بالحصول على شهادات الجودة كمعايير للجودة وينظر في التعامل مع من لم يحصل عليها.

هذا وبالله التوفيق وإلى العالم الأول كما وجه سمو أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل وفقه الله ورعاه وجعل قبلة المسلمين مدينة نموذجية يحتذى بها في التقنية والنظافة وخلو الأمراض والنظام والجمال وجميع الأركان وأن تكون مكة المكرمة والمملكة العربية السعودية في مصاف العالم الأول إن شاء الله وهي كما صرح ولي العهد مهندس الرؤية 2030 سمو الأمير محمد بن سلمان وهو محقق بإذن الله قريباً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى