كثيرون منا تنبل وغبي

بقلم – عدنان صعيدي:

اعجبت كثيراً باختيار الدكتور أحمد العرفج صفة عامل المعرفة له، فالمعرفة هي التي تقود الى الحقيقة، والحقيقة هي التي تجعلك تحسن الحكم على الأشياء مالم يكن الأمر متعلقاً بغيبيات نجهلها ولم يأذن الله بمعرفتها، ولعل معاناة الدكتور العرفج في مشوار تحصيله العلمي وفي كل مرحلة من مراحله اشعره بقيمة المعرفة فواصل تعليمه حتى حصل على درجة الدكتوراه التي يقول انها الاستعداد لبداية رحلته في المعرفة من البداية، حتى لا يصبح ــ كما قال ــ مثل شيخه الشعري الكبير أحمد الصافي النجفي حين قال :
أصبحت “أستاذا ً”.. فزدت جهالة
فلقد فقدت تواضع التلميذ..
كما أني أحمد له بل واغبطه على إشاعة حب القراءة والمشي بين الناس حتى إنه أصدر كتاباً خاصاً بالمشي اسمه ” يوميات مع المشي والخطوات”، ويلفت انتباهك إصراره ومتابعته دون ملل لهذين الامرين فهو لم يكتفي بالكتاب ولا بإشاعة الامرين كمنهج في حياته بل يتابع من خلال مجموعات افتراضية وأخرى على ارض الواقع يوميات المشي والكتب التي يتم اختيارها وقراءتها بل ومناقشتها، ولا شك ان الدكتور العرفج يحب الانتشار خاصة في زمن تكدس الوسائط الحديثة، وهو امر لا يعاب عليه لان انتشاره له فائدة وليس ككثيرين ممن يحب الانتشار ويفرضه عليك وهو لا يقدم شيئاً.
غير أن الدكتور أحمد العرفج رغم كل ما أشرت إليه أعلاه أصدر كتاباً منذ سنوات اسماه ” المهمل من ذكريات طالب تنبل” وهو سيرة ذاتية لبعض من حياته الاجتماعية وجل حياته الدراسية منذ المرحلة الابتدائية وحتى حصوله على درجة الدكتوراه ولكن باختصار احترافي ليترك للقارئ ــ كما قال في نهاية الكتاب ــ اكمال القصة للنهاية، وقد تناول الناقد الأستاذ حسين بافقية في كتابه “عبروا النهر مرتين” تلك السيرة وفق القواعد النقدية والقدرة الفنية للأستاذ بافقيه وهو ما لا يتوفر في شخصي ولا هو اختصاصي بالإضافة الى انه كما يقال : ( لا عطر بعد عروس )، لذلك أسجل هنا انطباعي الخاص، وقد أخلط بين حديثي عن الكتاب وعن الكاتب حتى لا يقال إني كتبت نقداً للكتاب .
لقد ظهر الكتاب بلغة سهلة رغم تخصص الكاتب في اللغة العربية في مرحلتي البكالوريوس والماجستير وهو مبرر كاف ان يستعرض قدراته اللغوية لكنه آثر أسلوباً وطريقة لا تشتت القارئ عن الهدف الأساس من نشره وهو تعريف المتلقي بجهده ومعاناته وصبره في سبيل التعلم عسى أن يستفيد المتلقي من تلك التجربة ليس فقط في كيفية تجاوز الصعاب وانما الصبر وتجديد الامل .
كما احسب ان الدكتور العرفج لم يستهدف من كتابه شريحة النخبة المثقفة ولا من تعودوا القراءة بانتقاء وتمحيص للمحتوى، بل استهدف شريحة الشباب الذين تكبلهم ظروفهم عن مواصلة التعليم او أولئك الذين يخجلون من قصور في التفكير والبحث عن الحلول لمشكلاتهم باستسلام يشعرهم بالنقص والعجز فتفتر هممهم، لذلك تعمد ايراد أمثلة شعبية وأخرى فصيحة بالإضافة إلى سخريته من مواقف عدة تعرض لها او كانت من بنات أفكاره كي يقترب من القارئ ويقول له إني مثلك أقدم لك تجربتي بلا خجل ولا تزوير.
ولابد من القول إن تجربة الدكتور أحمد العرفج وسيرته ليست فريدة من نوعها في جيلي الذي يكبره بعشرين عاماً أو الجيل الذي سبقنا فلقد علمنا ظروف أناس وتعايشنا مع نماذج كثيرة واجهتهم معاناة أسوأ واقسى ولأناس ليسوا أيتاماً واخرين تجرعوا مرارة اليتم كما هو حال الدكتور العرفج، لذلك لم تبكني بعض المواقف المحزنة التي أوردها لكني ابتسمت كثيرا خاصة عندما كان يسخر من بعض تلك المواقف .
في سيرة الدكتور العرفج عناوين كثيرة وكبيرة يكتب تحتها مقالات وقد تختصر الى تغريدات او كما يفعل هو فيجعلها نواصي فيها الكثير من العبر والحكم وأخرى قد عقد النية على ان يصدر لها مؤلفا بل اكثر من مؤلف كحاله في الرياضة والوظيفة والتجارة، وهي بلا شك تستحق ذلك غير أني لا أرى ضرورة أن تكون بنفس المسميات التي ذكرها مقرونة باسمه مثل ( الكلام الفاضي من سيرة احمد العرفج الرياضي ) .
الظروف الشخصية لكل انسان هي سبب الأفكار التي يراها الناس إنها غريبة بل إن تلك الأفكار ونتائجها والإحساس بها الناس فيها ليسوا سواء ولذلك فإن ردود الفعل لمن يطلع على كتاب “المهمل من ذكريات طالب تنبل” سوف تكون متفاوتة رغم جهد الكاتب في أن يوصل تأثره بما مر به من ظروف واحداث .
وباختصار لقد أراد الدكتور احمد العرفج ــ بعد توفيق الله ــ ان يكون هو ذاته لا يشبه أحداً وقد امتلك قدرة شخصية هي بمثابة موهبة بالإضافة الى صبر وأمل لا يتوفران في كثير من الناس، كما أن القارئ سوف يشعر بالصدق في كتابة هذه السيرة وهو أمر قد لا يتوفر في كل سيرة ذاتية تكتب ويدفع بها الى المطابع .
مرة أخرى أقول إن سيرة الدكتور أحمد العرفج ليست فريدة من نوعها لذلك عنونت مقالي بـ ( كثيرون منا تنبل وغبي ) لكن الدكتور أحمد تميز بالصدق الذي شعرت به وليس الاختلاف عن آخرين كتبوا سيرهم الذاتية وأيضا توفر فيها الصدق ولكن بشيء من التجمل كما هو الحال في فيلم “انا لا اكذب ولكني اتجمل” .