أخبار دولية

الحواج يدافع عن الجامعات في مواجهة «كورونا»:لـم نتقـــاعس عــن التصـــدي لـ«الـجــائـحــة»

البحرين – جمال الياقوت:
120 يومًا أو يزيد، والعالم يفشل في الخروج من الجائحة، الدول، الامبراطوريات، الجامعات، مراكز البحوث، أجهزة التنصت ووسائل الاتصال، التكنولوجيا الفائقة وعلامات الإنسان على القمر، جميعها سلَّمت بالأمر الواقع، وجميعها أعلنت هزيمتها النكراء أمام عدو لا يرحم، ليس لأنه يمتلك جيوشًا جرارة، وليس لأنه هبط من السماء بترسانته الفكرية المتقدمة، لكن لأنه لا يُرى بالعين المجردة، لأنه أصغر حجمًا من أقل دابة على وجه الأرض، ولأنه الأكثر فتكًا من أكبر كائن بشري صيتًا وجاهًا وقدرة على الفتك بالأعداء.
الجامعات مهتمة بالانشغال في التكنولوجيا، والدول مهتمة بالتصنيع العسكري والتركيز على الجيوش الجرارة، بدلاً من الاهتمام بصحة الإنسان، وعافية مستخدما أدوات المعرفة.
التهوين من جانب، والتهويل من آخر، العلماء يهونون من الكارثة والناس الواقفون على رؤوسهم بفعل كورونا، يهولون من الخطر، لا المسؤولون يطمئنون مواطنيهم، ولا المواطنون في المعمورة مطمئنين على أحوالهم وأوضاعهم ومصائر حياتهم.
الضحايا بمئات الآلاف، والمصابون بالملايين، والأزمات «على عينك يا تاجر»، أين تكمن المشكلة، هل في جامعات لم تساعد، أم في دول لم تستعد، أم في بشرية لم تحترز؟
خارطة العقل البشري
رئيس رابطة الجامعات الخاصة الخليجية ورئيس مؤسسات التعليم والمعاهد الخاصة العربية، الرئيس المؤسس للجامعة الأهلية في البحرين ورئيس أمنائها البروفيسور عبدالله الحواج يدافع في حدود طبائع الأشياء عن الجامعات، لا يتهمها جميعها، ولا يبرئها جميعها، عملاً بالمقولة الشهيرة: ما لا يدرك كله، لا يترك جله.
سألناه:
] هل فشلت الجامعات في إيجاد علاج ناجع لكورونا حتى الآن؟
من دون شك الجامعات هي مراكز إشعاع وتنوير حضاري، ولا يمكن أن ننكر أدوارها التاريخية في رسم خارطة العقل البشري، وتنويع تكويناته وتعميق مخرجاته، وتصويب مساراته، لا يمكن أن ننكر بأنها القاطرة التي ذهبت بالبشرية بعيدًا على طريق النماء والاستقرار، على طريق التخاطب عن بُعد، والتقارب من أجل حميمية المعرفة، وصرامة التحقق من الوجود.
كلنا نعرف أن الجامعات ببحوثها العلمية قد حققت تطورًا إنسانيًا فارقًا في مواجهة مشكلات كل العصور، ولا ننكر ولا ندعي زورًا بأن البحث العلمي هو أحد الأضلاع الثلاثة الأساسية في عمل الجامعات وفي رسالتها المتقدمة عبر الحدود، من هنا أستطيع التأكيد على أن الجامعات حققت بالفعل تقدمًا جيدًا في هذا المجال، تسألني عن الجائحة والفيروس القاتل الملقب بـ(كوفيد 19)، أو كورونا المستجد، وهنا أستطيع القول بأنه رغم الانتشار الساحق لهذا الذي لا يمكن أن نلقبه بكائن أو حتى خلية، فإننا قد نستقي من الكارثة محاسنها، هي من دون شك ناقوس خطر، جرس إنذار مدوٍ، لكي نناقش طبيعة المواقع التي تقيم عليها الجامعات، هي في جميع الأحوال يجب أن تتبوأ مواقعها الحقيقية ضمن صفوف المقدمة في منظومة الحياة المعاصرة، لابد من أن تنضم وفورًا إلى كتائب الجيوش البيضاء لمكافحة كورونا أو غيرها من الأوبئة المهلكة التي انتشرت في الكون من دون ضابط أو رابط أو مُعين، لابد وأن تتخذ الجامعات وفورًا مواقعها الحصينة لمواجهة الجائحة الكبرى، وأي جائحة أخرى.
بعض الجامعات
] لماذا لم تقم الجامعات بهذا الدور حتى الآن؟ لماذا لم تنضم للمعركة ووقفت تتفرج على الضحايا هنا وهناك؟
بعض الجامعات قامت بدورها على أكمل وجه، ربما لأن هذه الجامعات هي التي قامت بتخريج الأفواج الهائلة من العلماء المتمركزين، والمسؤولين المخضرمين في وزارات الصحة بالدولة الكونية الحديثة، هي التي علمتهم، وهي التي أهلتهم، وهي التي وضعتهم في الصفوف المؤثرة للمنظومة الصحية الرسمية الدولية، هي التي جعلت منهم علماء معتبرين في معامل ومختبرات الصحة العامة، وهي التي دربتهم على كيفية التشخيص والتعاطي ووضع العلاجات بل واكتشافها من أجل صحة الإنسان، ومصير الإنسان وقوة الإنسان على وجه الأرض.
لكن المسؤولية الكاملة لتقاعس البعض أو لعدم قدرة بعض الجامعات على أن تقوم برسالتها كاملة وتساهم في علاج مشكلات المجتمعات البشرية حول الكون فإنها تقع أيضًا على الدول، لابد من تشجيع البحث العلمي، من إعادة هيكلة المخصصات الحالية التي تذهب إليه حتى يتم الارتقاء بها ومضاعفتها حتى يتمكن العلماء، وتتمكن المنظومة من الغوص أكثر في مشكلات المجتمع، في تشجيع البحث العلمي الذي يساهم بقوة في إيجاد علاجات نهائية وشاملة لهذه المشكلات، أن يكون التشارك مع الناس والانخراط في أوساطهم وليس في الانعزال عنهم وعن قضاياهم هي مهمة الباحث والعالم والأستاذ.
لا يجب أن يكون البحث العلمي من أجل البحث فقط، ولا يجب أن تكون العزلة المفروضة طوعًا أو قصرًا على العلماء في عصر كورونا هي نفسها التي كانت سائدة قبل كورونا. الهدف من البحث العلمي، هو خدمة الإنسانية، والنزول إلى مشاكلها، إلى شوارع حاجاتها، وحواري معاناتها، وأزقة مراميها وأهدافها.
عندما أزفت الآزفة
] لكن هناك رأي يقول بأن الدول قدمت الكثير، وقامت بالكثير من أجل تطويق الجائحة، من إجراءات حظر، وتوجيه معنوي، وتوعية للناس، وتوفير المستحضرات والمستشفيات والأطقم الطبية والأجهزة المعاونة.. قل لي ماذا قدمت الجامعات؟
عندما تقوم الدول بإجراءات سليمة بعينها تجاه أية كارثة أو قضية فإنها قد تتعلمها من الجامعات، هي تترجم ما تم الحصول عليه من معارف عن طريق المنظومة التعليمية والعلمية المتكاملة في الدولة أية دولة، فإذا كان التخريج من جامعات معتبرة فإن مخرجاته العلمية ستكون في الاتجاه الصحيح، لذلك لا يجب أن نجتزئ الحالة، وأن نقتصر الجائحة في اتهام من هنا وآخر من هناك، لابد أن ننظر إلى كل مؤسسة بشمولية أكثر، بعدالة أوفر، وأن يكون دور الجامعات مشارك ومؤثر، في جميع الأحوال الجامعات لابد من تكليفها بصراحة ووضوح بأن تكون مسؤولة عن كذا وكذا، وتمكينها بأن تحقق المعدلات المطلوبة في الاتجاهات الصحيحة والمجتمعية لذلك عندما «أزفت الآزفة» وهجمة الجائحة اكتشفنا تقاعسًا لحكومات عديدة وفي دول عظمى، اكتشفنا بأنها لم تضع ضوابط كافية للحماية والاحتراز والتعامل بوعي مع الكارثة، فهل يعقل وفي دولة عظمى أن يتم حل مجالس أو لجان إدارة المخاطر، بل وإلغاء أنظمة التأمين الصحي الفاعلة والتي تغطي كل أفراد المجتمع؟ من هنا فإن الجامعات مطالبة بأن تعمل على تأكيد التزام الحكومات والدول بهذه الأساسيات، حيث أنني أتذكر دائمًا ما قاله الجنرال شارل ديغول وهو ويودع مقعد الحكم في فرنسا عندما سأله البعض: ألا تخشى على فرنسا من بعدك؟ قال: لا أخشى على بلادي طالما أن بها قضاء عادل وتعليم مستنير.
إلى المربع الأول
] وكالات التصنيف التعليمية الدولية حملت المباخر للجامعات، وضعتها وصنفتها وصورتها كما لو أنها إمبراطوريات متوجة لا يمكن المساس بقدسيتها، رغم ذلك، نجد أن حتى هذه الوكالات لم تتحدث عن فشل مراكز الإشعاع العلمي في المعمورة عن إيجاد علاج أو لقاح أو وسيلة مثلى للوقاية من كورونا.. ما رأيك؟
نعود إلى نفس السؤال إلى المربع الأول في هذا المجال، لابد من إعادة هيكلة منظومة الدعم التي تخصصها الدول للمشاريع، بحيث يصبح الهرم المقلوب للإنفاق أكثر اعتدالاً وعدالة، وأقل ظلمًا لا محالة، المتتبع لهذه المنظومة يجد أن معظم المخصصات التمويلية الرسمية تذهب للمشاريع غير الضرورية، للترفيه مثلاً، للترف الذي لا نحتاج إليه أحيانًا، للكماليات التي لا تبيح المحظورات، وليس للضرورات التي تشتبك مع هذه المحظورات، لم يتم الصرف على الأنشطة الصحية، على تعميق الوعي والارتقاء به، على الرعاية والعناية الفائقة للإنسان المستخدم للتكنولوجيا، وليس على التكنولوجيا الفائقة فقط، لا بد من التوازن المحسوب، من إعادة زراعة رمانة الميزان في المكان والزمان الصحيحين، ولا فرار من الاهتمام أكثر بمستخدمي التكنولوجيا، وهنا لابد من التصدي لجائحة مترافقة حيث يحاول السياسيون من خلالها نشب أظافرهم في لحم معارضيهم، بل وفي أساس اعتناقهم لمبدأ سياسي أو أيدولوجي محدد، بدأ البعض يسنون السكاكين على النظام الرأسمالي واتهامه بالفشل الذريع في مواجهة الوباء الكوروني الساحق، بدأوا يروجون للاشتراكية التي بدت مع الجائحة بأنها أكثر انضباطًا، وأقل انهيارًا أمام كورونا، هنا لا يجب أن تقف بوصلتنا في خضم المهاترات الأيدولوجية والعقائدية، وهنا لابد أن نفرق بين حرية الفرد وحرية المجتمع، لابد من وضع معادلة صعبة جديدة لتصحيح المسار، لابد مثلاً من إيجاد التوازن في القناعة بأن النظامين الرأسمالي والاشتراكي قد وجدا لخدمة الإنسان، وليس لخدمة فكرة من أجل الفكرة، أو نظرية من أجل العقيدة والمعتنق.
لا أوافق على أن الرأسمالية فشلت ولا أضم صوتي لتلك الدعوات المتسرعة التي تصدر الأحكام جزافًا على نظام تم تطبيق أبجدياته خطأً والنظر إلى معادلاته بعين الرأفة والإيمان أكثر من النظر إليه بعين اليقين. لابد أن يتعامل أي نظام مهما كان عنوانه مؤثرًا أو وجوده عريقًا مع الكوارث بعقلية المردود المستقبلي، وليس الآني فقط.
لا سياسة مع الأوبئة
] إذا كان الأمر كما يبدو فإن الكون الذي مازال على المحك كما يبدو أيضًا في دائرة الخطر حتى اللحظة، فبماذا تفسر ذلك التضارب حول الاكتشافات التي يتم التراجع عنها بعد الإعلان بأنها تحمل علاجًا يقينيًا لكورونا؟
أولاً: الوقت ليس مناسبًا لإدخال السياسة في علوم الأوبئة، لا يجب أبدًا الخلط بين هذا وذاك، بين زيد وعبيد، المسألة ليست صراعًا بين شرق متحفظ وغرب متفتح، وليس سباقًا في مضامير الرياضة العالمية على خطوة استباقية هنا، وأخرى متأرجحة من هناك، الكل يجب أن يتكاتف من أجل إنقاذ الكون، التعاون ثم التعاون ثم التعاون وليس التناحر ثم التناحر، ثم التناحر.
المطلوب استيعاب الدرس جيدًا وألا نتحول إلى حقول تجارب لتصفية حسابات بين سياسيين، وبين أيدلوجيين أو بين متفكرين لكنهم شديدو التعصب لفكرتهم، لابد من إيجاد علاج لكورونا من أجل الإنسان، كل الإنسان، بصرف النظر عن معتقده السياسي، أو بيئته الجغرافية أو لون أعراقه أو أصله أو فصله، لابد من إعادة التفكير في منظومة القوانين التي تحكم الكون حاليًا وفي شبكة الاعتبارات التي تحمي حقوق الإنسان وإدخال الحاجات الحقيقية في خانة متقدمة جدًا من تلك المرتبطة بظرف سياسي أو فكر أيدولوجي.
الجائحة وأفريقيا
] يقال إن الله وحده يعلم ما تمر به أفريقيا وبعض دول العالم الثالث من أزمات، لذلك لم تهجم «الجائحة» حتى الآن على هذه المناطق كنوع من الرحمة والعدل الإلهي.. هل هذا صحيح؟
أنا لست مع هذا السؤال، لأنه يبتعد بنا كثيرًا عن نصاب الأمور، عن الوضع الصحيح لها في عالم لم يعد صحيحًا بالمرة، العلوم تتحدث بلغة أخرى يا عزيزي، إن الله وحده أعلم بكل شيء، وهو على كل شيء قدير طبعًا، لكن في الحديث عن رسول الله (ص) يقول: «اعقلها يا ابن آدم وتوكل»، إذًا لابد أن ننغمس أكثر ونتفرغ أكثر للخوض أكثر فأكثر في مضامير الفعل الراجح، يجب أن نعود إلى العلم، إلى النتائج اليقينية وبعد ذلك ننتظر فرج الله، يجب أن نعمل ونجد ونجتهد ونبتكر ونبدع حتى نتجاوز ما نحن فيه.
تسألني عن قلة الإصابات في أفريقيا وزيادتها في أوروبا وأمريكا، ربما لأن دول العالم الأول منفتحة أكثر على العالم، على السفر، على التجوال والترحال أكثر من أفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط، نيويورك ولندن وباريس كانت الأكثر إصابة بالفيروس لأنها الأكثر اختلاطًا بين الشعوب والقوميات.
البحرين وعين الإعصار
] ما رأيك إذًا في طريقة تعاطي المنطقة عمومًا ومملكة البحرين على وجه الخصوص مع الجائحة وتداعياتها؟
مما لا شك فيه قامت القيادة ممثلة في التوجيهات الكريمة التي صدرت من اليوم الأول لظهور المرض من عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه بالكثير من الخطوات فوجه جلالته بتأسيس لجنة تنسيقية برئاسة سمو ولي العهد وفقه الله لإدارة ما يسمى بخلية الأزمة، وبعد العودة الميمونة لرئيس الوزراء حفظه الله من رحلة الاستشفاء بالخارج بدأت الإجراءات التنفيذية الحكومية تأخذ طريقها نحو استكمال منظومة الدعم للقطاعات التي تأثرت، وتلك التي تتعرض للمخاطر، تم على سبيل المثال إطلاق حزمة إجراءات لدعم القطاع الخاص وإعانته على تداعيات الأزمة، وتأجيل أقساط القروض على المواطنين وإعفائهم من رسوم الكهرباء والماء، ناهيك عن مبادرة «فينا خير» التي أطلقها ممثل جلالة الملك للأعمال الخيرية وشؤون الشباب مستشار الأمن الوطني رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة والتي استجاب لها القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني من أجل دعم الجهود الرامية إلى تطويق جائحة كورونا والانتصار عليها بإذن الله، أيضًا لا يفوتنا في هذه الأثناء الجيوش البيضاء من أطباء وممرضين وأطقم طبية معاونة وأفراد قوة الدفاع والداخلية، حيث ظلت حتى اللحظة متقدمة كل الصفوف تدافع عن المصابين، وتواجه في معركة «حياة أو موت» عدو شرس وغير مرئي، الأمر الذي وضع مملكة البحرين في مصاف الدول التي نجحت في تحجيم الفيروس والنأي بالمواطنين والمقيمين عن مخاطره وتداعياته وهجماته الممتدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى