“فيروس “كورونا” السلام عن بُعد
بقلم – سلمان بن محمد العُمري:
يعيش العالم في هذه الأيام في فزع وقلق ومخاوف من انتشار”فيروس كورونا”،هذه المخاوف الدولية والفردية لها ما يبررها، لاسيما أن هذا الوباء والمرض ينتقل بالعدوى، وقد تأذى منه من يعملون في المجال الصحي قبل غيرهم، وهم من أشد الناس حيطة وحذراً وإلماماً بآثار المرض ومخاطر العدوى.
ونحن جزء من العالم والمخاوف العالمية نالنا نصيب منها وقد بادرت وزارة الصحة لنشر الإرشادات الصحية والوقائية، ووضع محاجر صحية لبعض القادمين من البلدان الموبوءة، وامتد الحذر أيضاً والوعي حتى لدى المواطنين والمقيمين، ففي إحدى مناسبات الزواج علق صاحب الحفل لوحة تطالب بالمصافحة، وعدم المعانقة وكتب على اللوحة نصاً “السلام باليد بلا معانقة”، وتذكرت حين رأيتها أحد كبار السن ممن لايرغبون في المعانقة عند السلام، حيث يبادر بالقول لمن أقبل عليه للسلام “مصافحة…مصافحة”.
وعن بعض العادات في التحايا والمصافحة، سبق أن كتبت عدة موضوعات في ذلك، وأكدت على أنّ تحية الإسلام هي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يحيي بها المسلم أخاه المسلم، وأنها من أسس الإيمان الذي هو مفتاح الجنة، وهذا مما أرشدنا إليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم”، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أنّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “عشر” ثم جاء آخر. فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “عشرون” ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ثلاثون”، وتحية الإسلام هي أول كلمة ابتدئ بها الحوار بين آدم والملائكة، فقد ورد أنه لما خلق الله آدم قال له: “اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فسلم عليهم، فاستمع ما يحيونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك” فقال لهم السلام عليكم. إنّ البعض يزيد عن التحية الشرعية بالسلام والمصافحة باليد إلى المعانقة والتقبيل، ويعتبرون ذلك من زيادة المحبة بين الناس، وهذه العادة موجودة في كثير من البلدان وفي الشعوب، ولا تختص ببلد أو شعب، وأنّ للناس في ذلك مذاهب شتى، فمنهم من يقبل الرأس أو اليد أو الأنف أو الوجنتين، ومنهم من يطبع قبلته على الخدين، وكثير من هذه العادات خلاف المشروع، بل وفي بعضها خطر صحي على حياة المتصافحين!
وحينما مرت بنا “انفلونزا الخنازير” لزم الناس الحذر، واكتفوا بالمصافحة أو السلام بالإشارة، ثم ما لبث أصحاب عادات “التمطيخ” و “التقبيل” أن عادوا لعاداتهم القديمة، مع ما في هذه العادات من أضرار على صحتهم وصحة من يصافحونهم، فلربما كان المسلم عليه مصاباً بالانفلونزا العادية، وبمجرّد المعانقة والتقبيل سيكون سبيلاً وطريقاً سريعاً لانتقال العدوى، فكيف إذا كانت هناك فيروسات مزعجة؟
وقد أكدت دراسات علمية موثوقة خطورة بعض العادات في التحايا، كالقبلات المصاحبة للمصافحة، وأنها تتسبب في انتقال الأمراض والفيروسات عن طريق الرذاذ والتنفس واللعاب والاحتكاك الجلدي المباشر، ومكمن الخطورة في أن بعض الأشخاص قد يكونون أصحاء إكلينيكياً أو ظاهرياً، ولكنهم يحملون الميكروب، سواء في فترة حضانة المرض أوفي فترة النقاهة، ويتم التعامل معهم على أنهم أصحاء، وإذا كان الإنسان مريضاً ومصاباً بانفلونزا أو غيرها من الأمراض فعليه أن يتجنب أذى الناس من أهله، وزملائه، سواء بلزوم الراحة أو عدم المبالغة في التحايا، لأنّ المصافحة عمل يبتغي منه الإنسان الأجر، وتركه في وقت من الأوقات احتساباً لعدم أذية الناس فيه أجر أعظم، ولذا فإنّ على “المعانقين” ترك عادة التقبيل المزعجة، والاكتفاء بالمصافحة.
وقد قرر علماء أحد الأمصار قبل عقود من الزمن حينما تفشى مرض الكوليرا في أحد البلدان الإسلامية، قرروا مشروعية ترك المصافحة باليد عند اللقاء دفعاً للضرر، ورداً للخطر عن الأنفس، فقد تكون اليد ملوثة، وقد تنتقل العدوى، وينتشر الوباء بواسطتها، واتقاء ذلك بترك المصافحة لمدة معينة فيه صيانة للأرواح وأخذ بأحد أسباب السلامة. إنّ هذه الكلمات قد تكون ثقيلة على أصحاب العادات “الثقيلة”، وقد نجد بينهم التذمر واللامبالاة وربما تعدّى ذلك لاتهام الناصح بالوسوسة، كل ذلك من أجل عادات بعضها خلاف بعضها المشروع، فالأصل في السلام المصافحة باليدين وهو الأساس أو الإشارة باليد على أهل المجلس إذا تعذّرت مصافحتهم وما زاد على ذلك من” الحواشي” هو من طبائع الشعوب وعاداتها، وليس من السنة.