(رحم الله الجهبذ الفذ د. محمد عمارة)
شؤون وشجون
يبثها إليكم:
محمد خضر الشريف
أدرت في آخر الثمانينيات الميلادية بالقاهرة ندوة بمكتب جريدة “المسلمون ” التابعة لمؤسسة “الشرق الأوسط” ، ودعونا يومها للندوة 13عالما ومفكرا وأستاذا بجامعة الأزهر وغيرها، وعلى رأسهم الفقيد الدكتور محمد عمارة، ووقفوا جميعا في صف واحد لمناقشة فضيلة العالم الجهبذ وعلامة عصره الشيخ محمد الغرالي -رحمه الله- في كتابه المسمى “السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث” والذي أطلق عليه في تلك الأيام “بريسترويكا ” وهي اللفظة الروسية التي صاحبت التغييرات التي حدثت للاتحاد السوفييتي، وتعني في قاموسها الروسي” تغيير جذري” أو “إعادة هيكلة”..
وأشهد أن الشيخ الغرالي بزّ الجميع ووقف مدافعا عن كتابه وفكرته ومضمونه أمام هؤلاء جميعا بما فيهم د.محمد عمارة، حبيبه وصديقه ورفيق درب الدعوة معه على بصيرة وعلم.
ولا أدل على تلك الوشيجة التي ربطت بينهما من أن د. محمد عماره كتب مؤلفا خاصا عن الشيخ محمد الغزالي سماه ( محمد الغزالي الموقع الفكري والمعارك الفكرية).
والكتاب كما يقول ناشره :” قراءة متعمقة في فكر الشيخ محمد الغزالي ، يتناول مناقشة وتحليل وعرض لآرائه الفكرية في مختلف الأمور، ويتناول الكتاب التعريف بالكتب التي أصدرها الشيخ الغزالي ، ثم يتناول المعارك الاجتماعية الفكرية التي خاضها الشيخ الغزالي والتي من أهمها الظلم الاجتماعي ، وكذلك من معاركه الفكرية الأخرى النصوصية الحرفية ، وبصفة عامة يعتر الكتاب مصدرا أساسيا لمن يريد التعرف على أفكار الشيخ الراحل محمد الغزالي” انتهى
و أرجع للندوة فأقول إنني أشهد أن د .عمارة كان غاية في الأدب والطرح والاختلاف إن استوجبت المناقشة الاختلاف، والتأييد إن استوجب التأييد أيضا؛ فكان مثالا جميلا على المناقشة العلمية الراقية بشقيها الاتفاقي و الاختلافي.
اليوم توفي محمد عمارة وهو داعية من طراز خاص، لايقل في منهجه الإدراكي الواسع عن دعاة عصره ومصره، وكان ذا فكر ثاقب وتحصيل علمي ثري وكان يقف بالمرصاد إكل من يحاول أن يمس جناب الدين متسلحا بأدلته العلمية يساعده في ذلك سسعة أفقه وواسع اطلاعه -رحمه الله –
ولعل هذا يستوجب سؤالا مهما: لماذا تفاعل الناس من كل حدب وصوب في وفاة هذا العالم الفذ، وقد مات قبله كثير كثير ربما لم يأبه بهم أحد ؟؟
والرأي عندي أن هذا يدل على أن الدعوة إلى الله أيضا لها رجالها ولها أسلوبها وأزعم أن الإخلاص هو ديدنها، (وماأمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) والبصيرة مصباح طريقها المنير للداعي وللمدعو، ( على بصيرة أنا ومن اتبعني)…
وأشهد أن الرجل كان مخلصا في دعوته إلى الله تعالى، وكان يمسك بمصباح البصيرة الذي أنار له طريقه وأنار به طريق الغير للوصول إلى الحق المبين.
وقد سرني كثيرا بيان الأزهر الناعي له ووصفه للفقيد بأنه من الصعب أن يعوض بمثله.. فقد كان الفقيد عضوا بمجمع البحوث الإسلامية وكانت له فيه بصمته الفكرية وإسهاماته العلمية.
وأثلج صدري المساحات الشاسعة من المحبة والإجماع على ذلك وكذلك الدعوات العديدة بالرحمة والمغفرة للفقيد..
رحم الله محمد عمارة، ورحم الله محمد الغزالي، ورحم الله كل من لقي ربه من هؤلاء المشاركين في تلك الندوة العملاقة والتي لم تحدث من قبل، ولم تتكرر بعد ذلك..
ورحمنا رب البرايا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه.