رسائل القمم الثلاث من مكة المكرمة
ردع إيران.. مركزية القضية الفلسطينية .. مواجهة الإرهاب
* بقلم: د. شريفة العيافي
لعل الرسالة الأولى التي ينبغي التوقف أمامها بعد انتظام القمم الثلاث (الخليجية، والعربية، والإسلامية) بمكة المكرمة، مدى مكانة وتاثير المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان- حفظهما الله- في محيطها الإقليمي (الخليجي/العربي)، والإسلامي، وكذلك المحيط الدولي، إذ لبت الدول الشقيقة دعوة المليك لإنعقاد القمم الثلاث لبحث الوضع المتفجر بالمنطقة بعد قيام الميليشيات الحوثية (المدعومة من إيران) بالعبور بواسطة الطائرات المسيّرة على محطتين لضخ النفط داخل المملكة العربية السعودية، وكذلك القيام بأعمال تخريبية طالت السفن التجارية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ولم تكن إشادة وسائل الإعلام الدولية والإعلاميين المشاركين في تغطية وقائع أعمال القمم الثلاث بالتجهيزات الفائقة الجودة والإمكانات الضخمة التي وفرتها المملكة لإنجاح القمم الثلاث- على مدي يومين، وفي مكان واحد (مكة المكرمة)، وبحضور الألاف من المشاركين من وفود نحو 56 دولة، فضلاً عن المنظمين من كافة الجهات- إلا تأكيداً على الدور المهم والريادي للمملكة وسعيها الدائم والمستمر لتوحيد الصّفين العربي والإسلامي، والعمل على ما يخدم كل القضايا العربية والإسلامية.
موقف حاسم
وإذا أردنا أن نلخص القمم الثلاث في عنوان عريض، نستطيع القول أنه يتمثل في عبارة : ” إلى إيران.. كفى” .. كفى عبثاً بأمن المنطقة، وكفى دعماً للإرهاب والإرهابيين كالحوثيين، وأنصار حزب الله وغيرهم.
وكم كانت كلمات خادم الحرمين الشريفين أمام القمم الثلاث واضحة وحاسمة تجاه إيران إن ما تقوم به إيران من تدخلات في المنطقة يعد تحدياً لمبادئ إرساء السلم، وشدَّد على ضرورة اتخاذ موقف حازم وحاسم ضد إيران حيث دعا- حفظه الله- المجتمع الدولي لاستخدام كل الوسائل لمنع إيران من التدخل في شؤون الدول الأخرى، كما دعا المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه أنشطة إيران التخريبية، لافتاً النظر إلى أن عدم اتخاذ موقف تجاه أنشطة إيران التخريبية قادها للتمادي الذي نراه اليوم.
وأضاف المليك أن إيران ترعى الأنشطة الإرهابية في المنطقة وتهدد الملاحة البحرية، وأنها هدفت طوال 4 عقود إلى توسيع نفوذها والهيمنة على المنطقة.
كما طالب خادم الحرمين الشريفين المجتمعَ الدولي بتحملِ مسؤولياتهِ إزاءَ ما تُشَكلهُ الممارساتُ الإيرانية ورعايتها للأنشطةِ الإرهابيةِ في المنطقةِ والعالم، من تهديدٍ للأمنِ والسلمِ الدوليين، واستخدام كافةِ الوسائلِ لردعِ هذا النظامِ، والحدِ من نزعتهِ التوسعية.
لغة قديمة
ويبدو أن رسائل القمم الثلاث تجاه إيران لم تجعلها تغير من نمط تفكيرها التقليدي، ولغتها القديمة في التعاطي مع دول الجوار، وهو ما يبدو في ردود أفعال وسائل الإعلام المساندة لإيران التي هاجمت القمم الثلاث، وحاولت لإظهار الدولة الشيعية بثوب “الحمل الوديع” الذي يدعو إلى التعاون والاستعداد لتوقيع معاهدات بعدم الإعتداء مع دول الجوار العربية لا سيما الخليجية منها على طريقة “القاتل الذي يمشي في جنازة من قتله”؟!!، ففي الوقت الذي تدعي فيه إيران ذلك، يخرج علينا علي فدوي.. نائب قائد الحرس الثوري الإيراني.. باعتراف صريح – وفق تصريحات صحفية واكبت قمم مكة الثلاث- بأن “إيران تدعم الحوثيين في اليمن بكل ما تستطيع”، مشدداً على أن “ما يمنع إرسال قوات إيرانية إلى اليمن كما يحصل في سوريا هو الحصار المفروض على اليمن”؟!!.
ويتسق مع ما سبق، تصريحات عبد الله مهتدي.. الأمين العام لحزب “كومله” كردستان إيران.. لـ “العربية نت” مؤخراً حيث أكد إن سياسات النظام الإيراني المستمرة في دعم الإرهاب وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، زادت من احتمال اندلاع الحرب مع الولايات المتحدة.
بيان واضح
وفي السياق نفسه، أظهر البيان الختامي للقمة العربية الطارئة برئاسة خادم الحرمين الشريفين تلك اللهجة الحاسمة تجاه الممارسات الإيرانية العدوانية حيث أشار البيان إلى أن سلوك إيران في المنطقة ينافي مبادئ حسن الجوار ويقوّض مقتضيات الثقة وبالتالي يهدد الأمن والاستقرار في الإقليم تهديداً مباشراً وخطيراً، مؤكداً على أن علاقات التعاون مع إيران يجب أن تقوم على مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها.
وشدد بيان القمة العربية الطارئة على “تضامن وتكاتف الدول العربية بعضها مع بعض في وجه التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر”، كما أعرب البيان عن “إدانة استمرار عمليات إطلاق الصواريخ الباليستية إيرانية الصنع على المملكة العربية السعودية من الأراضي اليمنية من قبل مليشيات الحوثي التابعة لإيران وعدّ ذلك تهديداً للأمن القومي العربي والتأكيد على حق المملكة العربية السعودية في الدفاع عن أراضيها وفق ميثاق الأمم المتحدة”.
وأدان البيان كذلك “التدخلات الإيرانية المستمرة في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين”، واتخذ موقفا مماثلا من “استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث وتأييد الإجراءات والوسائل السلمية كافة التي تتخذها دولة الإمارات العربية المتحدة لاستعادة سيادتها على جزرها المحتلة”.
وفيما يخص الشأن السوري، ندد البيان “بالتدخل الإيراني في الأزمة السورية وما يحمله ذلك من تداعيات خطيرة على مستقبل سوريا وسيادتها وأمنها واستقلالها ووحدتها الوطنية وسلامتها الإقليمية”. وكذلك، قرر القادة العرب في قمتهم الطارئة “استمرار حظر القنوات الفضائية الممولة من إيران على الأقمار الصناعية العربية”.
وتجدر الإشارة هنا إلى اطلاع قادة الـ 56 دولة المشاركة في القمم الثلاث ( الخليجية، والعربية، والإسلامية) على نماذج الصواريخ الباليستية والمعدات والأسلحة الإيرانية التي استخدمتها المليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران في استهداف المملكة العربية السعودية حيث بلغ عدد الصواريخ التي تم إطلاقها على المملكة أكثر من 225 صاروخاً أحدها حاول استهدف مكة المكرمة.
وجاء ذلك في المعرض المقام في الصالة الملكية بمطار الملك عبدالعزيز في جدة بعنوان “حقائق في دقائق” حيث اطلع الضيوف على الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تمكنت قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي من اعتراضها وتدميرها، وكذلك الطائرات بدون طيار الإيرانية من نوع (أبابيل – راصد) التي جرى التعامل معها وبلغت أكثر من (155) طائرة بدون طيار.
كلمة مؤثرة
من الأمور اللافتة للنظر خلال القمة العربية الطارئة، تلك الرسالة المهمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين في كلمته الإفتتاحية بالمؤتمر حيث قال : “”علينا جميعاً السعيَ لجعلِ العالمِ العربي مركزاً اقتصادياً وثقافياً مؤثراً في العالم، بما يعكسُ مقدراتِ دولنا وشعوبنا الاقتصاديةِ والثقافيةِ والتاريخية. وأدعوكم إخوتي للوقوفِ وقفةً جادةً وحازمةً للدفاعِ عن هذه المكتسبات”.
وأضاف – حفظه الله- : “ستظلُ يدُ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ دائماً ممدودةً للتعاونِ والتحاورِ معَ دولِ المنطقةِ والعالمِ في كلِ ما من شأنه تعزيزُ التنميةِ والازدهارِ وتحقيقِ السلامِ الدائمِ لدولِ وشعوبِ المنطقةِ بما في ذلك الشعبُ الإيراني”.
القضية الفلسطينية
أكدت القمم المشار إليها على أن فلسطين هي قضية العرب والمسلمين المركزية، وهو ما ظهر جلياً في كلمة خادم الحرمين الشريفين الإفتتاحية بالقمة الإسلامية، وكذلك في بيان القمة في دورتها الرابعة عشر (يتزامن مع الإحتفال بمرور 50 عاماً على إنشاء منظمة التعاون الإسلامي) الذي جاء فيه: ” التأكيد على أهمية القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المحورية للأمة الإسلامية، والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وفقا للقرارات الدولية، وتأكيد التضامن الكامل مع الشعب الفلسطيني وحقه بالعيش داخل دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف”.
واعتبر البيان أن قرار الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب” بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس “لاغياً وباطلاً، ويُشكل اعتداءً على الحقوق التاريخية والقانونية والوطنية للشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية.
كما شدد البيان الختممي للقمة الإسلامية على إدانة الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله ومظاهره وتوحيد الجهود للوقوف ضد المنظمات الإرهابية، ووضع القوانين والضوابط لمواجهة هذه الآفات.
* كاتبة سعودية، ورئيسة تحرير مجلة “مملكة الإقتصاد والأعمال”.